الأخبار

قناة DW الالمانية :كيف سيتغير الصراع في السودان بعد استراتيجية النفوذ الروسـي بإفريقيا عبر بورتسودان

يبدو أن السودان وروسيا اتفقا على إقامة قاعدة بحرية روسية بالقرب من بورتسودان، ما يشكل عنصراً مهماً في استراتيجية روسيا بالقارة السمراء، فما هي أوراق الغرب للرد على ذلك؟

لم يترك مالك عقار، نائب رئيس المجلس الانتقالي السوداني الخاضع لسيطرة الجيش، أي مجال للشك بشأن موقف بلاده من إقامة قاعدة روسية في عاصمة ولاية البحر الأحمر بورتسودان، حين قال على هامش المنتدى الاقتصادي الدولي في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية: “نعم، هناك اهتمام بإحياء اتفاق بشأن بناء مركز بحري روسي على البحر الأحمر”، حسبما أفادت صحيفة “سودان تربيون” السودانية مطلع يونيو/ حزيران الجاري.

وتناقش جمهورية االسودان وروسيا الاتحادية اتفاقاً بهذا الشأن منذ سنوات. وبحسب تقرير في مجلة “أندرستاندنغ وور” (Understanding War) الإلكترونية، فإن الرئيس السوداني آنذاك عمر البشير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفقا بالفعل في عام 2017 على بناء قاعدة روسية تتسع لعدة مئات من الجنود وأربع سفن.

لكن عدم الاستقرار السياسي الذي هيمن على الوضع في السودان بعد ذلك حال دون أن يتمكن البرلمان السوداني من التصديق على المعاهدة. ولكن المحادثات استؤنفت مؤخراً، ويبدو أنها تسير بنجاح واضح. ففي نهاية مايو/ أيار الماضي، قال مساعد قائد الجيش السوداني الفريق ياسر العطا، إن السودان وروسيا سيوقعان سلسلة من الاتفاقيات العسكرية والاقتصادية في الأسابيع المقبلة.

روسيا: تغير استراتيجي في مسار الصراع السوداني

تشير حقيقة توصل موسكو إلى اتفاق الآن مع ممثلي الدولة في السودان إلى تغيير كبير في سياستها المتعلقة بالسودان. فعندما اندلع الصراع الكارثي في أبريل/ نيسان من العام الماضي بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع المتمردة، وقفت موسكو في البداية إلى جانب قوات الدعم السريع. ويرجع ذلك في الأساس إلى أن مجموعة فاغنر الروسية شبه الحكومية اتفقت مع الدعم السريع على حقوق تعدين احتياطيات السودان من الذهب، وهي واحدة من المصادر المتبقية للعملة الأجنبية بالنسبة لروسيا، التي تخضع لعقوبات غربية منذ الهجوم على أوكرانيا.

وفي هذا السياق تقول هاجر علي، الباحثة السياسية في معهد غيغا (GIGA) بمدينة هامبورغ الألمانية، التي نشرت مؤخراً تحليلاً عن الحرب في السودان إنه رغم أن الوضع في السودان ما يزال غير واضح من الناحية العسكرية، “لكن روسيا ترغب الآن على ما يبدو في تنويع دعمها للسودان. علاوة على ذلك تقع بورتسودان في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. وإذا ما سعت روسيا إلى إقامة قاعدة بحرية هناك، فإنها محتاجة إلى محادثات مع القوات المسلحة السودانية”.

وما يزال من غير الواضع ما هي عواقب ذلك على التطور العسكري للصراع في البلاد.

“دعم عسكري نوعي غير محدودة”

وفي مقابل الوجود البحري، ستقدم روسيا الدعم العسكري والأمني ​​للجيش السوداني، فقد وعد المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى إفريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، القوات المسلحة السودانية “بمساعدة عسكرية نوعية وغير محدودة”، حسبما ذكرت مجلة “أندرستاندنغ وور”.

في السنوات السابقة كان الجيش السوداني يطمح إلى الحصول من روسيا – من بين أشياء أخرى- على طائرات مقاتلة من طراز سوخوي سو-30 وسو-35، إضافة إلى صواريخ أس-400 المضادة للطائرات، كما يقول عالم السياسة أندرياس هاينمان غرودر من مركز الأمن المتقدم والدراسات الإستراتيجية والتكاملية (CASSIS) في مدينة بون الألمانية.

ويضيف غرودر في حوار مع DW: “حتى الآن، أبدت روسيا شكوكها بشأن هذه الرغبات. لا نعرف ما إذا كانت موسكو باتت تفكر الآن بشكل مختلف – ولا نعرف ما هي الأسلحة التي عرضتها روسيا الآن على السودانيين مقابل القاعدة البحرية”.

بدورها تقول الباحثة هاجر علي في مقابلة مع DW إن روسيا تمتلك أوراقاً جيدة في المفاوضات من حيث المبدأ. وتضيف الباحثة الألمانية بالقول: “كلما طال أمد النزاع، زادت احتياجات القوات المسلحة السودانية من الأسلحة. وينطبق هذا بشكل خاص على القوات الجوية السودانية التي يتعين عليها أيضاً أن تكون فاعلة في المناطق النائية، وبالتالي فإنها في حاجة ماسة إلى الأسلحة الروسية”. وينطبق الأمر ذاته على وقود الديزل الشحيح منذ فترة طويلة في السودان، كما تقول علي. وفي المقابل فإن هناك حظر على تصديره من روسيا بسبب العقوبات. وتوضح الباحثة السياسية: “لفترة طويلة كانت مجموعة فاغنر تستورد الوقود عبر تشاد”، ومستقبلاً سيكون بإمكان روسيا تسليمه عن طريق قاعدتها البحرية الجديدة في السودان.

أما تقرير مجلة “أندرستاندنغ وور” فيذهب إلى أنه انطلاقاً من هذه القاعدة ستواصل روسيا عملياتها الاستراتيجية والعسكرية في القارة السمراء. وبسبب مشاركتها في الحرب السورية إلى جانب الدكتاتور بشار الأسد، تمتلك روسيا بالفعل قاعدة بحرية في طرطوس بوسط غرب سوريا. وبالفعل تستخدمها موسكو كنقطة انطلاق لتوصيل الإمدادات اللوجستية إلى إفريقيا، على سبيل المثال إلى ليبيا الممزقة هي الأخرى بحرب أهلية. وليبيا بدورها تخدم موسكو كرأس جسر للتعزيزات والإمدادات لدول إفريقيا في جنوب الصحراء الكبرى.

وفي هذا الصدد تقول هاجر علي: “السودان هو قطعة أخرى من لغز استراتيجية روسيا بإفريقيا”. ولا ينطبق هذا على تجارة الأسلحة فقط، بل وعلى الوجود الروسي في مناطق أخرى من إفريقيا أيضا، خاصة في غرب القارة. “لدى موسكو مصالح مختلفة: على المدى القصير، وعلى المدى المتوسط، وعلى المدى الطويل”.

تأثيرات على أوروبا؟

بدوره يقول أستاذ الدراسات السياسية أندرياس هاينمان غرودر إن هذه الأهداف سيكون لها بالتأكيد تأثيرات على أوروبا، ويوضح بالقول: “تستغل روسيا قوة إحداث الفوضى التي يتمتعون بها في مختلف الدول الإفريقية، ليس في السودان فقط، بل أيضا لدعم الانقلابيين الآخرين في مالي وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر. التعاون مع الانقلابيين هناك لا يسهم في تحقيق الاستقرار، بل على العكس فإنه يقود إلى تفاقم حدة الصراعات الداخلية”.

وفيما يتعلق بالسودان، لا يمكن استبعاد موجات لاجئين محتملة نحو أوروبا “وبالتالي يمكن للجانب الأوروبي أن يسأل نفسه عمّا إذا كان ينبغي ربط مساعدات التنمية في البلدان التي يسيطر عليها مدبرو الانقلابات بشروط معينة. على سبيل المثال يمكن أن يكون للتعاون العسكري مع الروس عواقب على التعاون التنموي أو ربما حتى على التعاون في المجال الإنساني”، بحسب ما يقول هاينمان غرود، الذي يؤكد أن فرنسا بدأت بهذا النهج، “لكن بشكل عام لا أرى موقفا موحدا بين الدول الغربية بهذا الخصوص”.

المصدر : قناة DW الالمانية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى