الأخبار

سجال بين مندوبي السودان والإمارات خلال جلسة لمجلس الأمن

المعاناة الإنسانية بلغت “مستوى لا يطاق” والحل التفاوضي هو السبيل الوحيد للخروج من الصراع

لم تنجح جهود الوساطة حتى الآن في تأمين وقف إطلاق النار أو إجراء حوار مباشر مستدام بين طرفي الصراع في السودان وسط مخاوف من استمرار أعمال العنف في مدينة الفاشر.

فيما تتواصل المعارك بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في السودان للشهر الرابع عشر على التوالي، عقد مجلس الأمن الدولي، أمس الثلاثاء، جلسة بحث خلالها الوضع في هذا البلد واستمع إلى إحاطتين من مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا مارثا بوبي، ومديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إيديم وسورنو.

منذ أبريل (نيسان) 2023 يشهد السودان حرباً بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” بقيادة محمد حمدان دقلو.

وخلال الجلسة، قالت مارثا بوبي “إن محنة الشعب السوداني تتطلب اهتمامنا العاجل وإجراءاتنا الحاسمة”، مؤكدة الحاجة إلى وقف إطلاق النار في الفاشر “لمنع وقوع المزيد من الفظائع، وحماية البنية التحتية الحيوية، وتخفيف معاناة المدنيين”. وقالت إن القرار 2736 الذي اعتمده مجلس الأمن الأسبوع الماضي يمثل إشارة مهمة من المجلس بأن تصعيد المواجهة العسكرية يجب أن يتوقف.

وشددت على أن الوقت قد حان للأطراف المتحاربة لتجنيب الشعب السوداني المزيد من المعاناة، والجلوس إلى طاولة المفاوضات للمناقشة بحسن نية. وشجعت الأطراف على الاستفادة الكاملة من المساعي الحميدة التي يبذلها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة لتعزيز التفاعلات البناءة التي يمكن أن تساعدها على اتخاذ خطوات نحو أفق السلام.

ومع استمرار تدفق الأسلحة المتطورة في تأجيج الحرب، دعت بوبي جميع الجهات الخارجية المعنية إلى التصرف بمسؤولية واستخدام نفوذها على الأطراف المتحاربة لتعزيز جهود السلام.

خلافات بين مندوبي السودان والإمارات

وشهدت جلسة مجلس الأمن سجالاً بين مندوبي السودان والإمارات لدى الأمم المتحدة، حيث جدد مندوب السودان الحارث إدريس خلال حديثه في الاجتماع اتهامه للإمارات بدعم قوات “الدعم السريع”، وهو ما سارع المندوب الإماراتي إلى نفيه. وأضاف “يتعين على الإمارات أن تنأى بنفسها عن السودان. إنه الشرط الضروري الأول لإرساء الاستقرار في السودان”.

من جانبه، وصف مندوب الإمارات محمد أبو شهاب اتهامات المندوب السوداني بأنها “سخيفة”. وقال إن السفير السوداني “يمثل القوات المسلحة السودانية وهي أحد أطراف الصراع في السودان”.

وقال إن بلاده ظلت تقدم الدعم للعمليات الإنسانية في السودان. وأضاف: “ممثل القوات المسلحة السودانية يجب أن يُسأل لماذا لا يأتي إلى محادثات جدة إذا كان يسعى إلى وقف النزاع ومعاناة المدنيين؟ ولماذا يعيقون تدفق المساعدات؟ ما الذي تنتظرونه؟ يجب عليك أن تتوقف عن استغلال منبر دولي مثل مجلس الأمن للمزايدات وبدلاً من ذلك وقف النزاع الذي بدأته”.

وفي قرار تبناه الأسبوع الماضي دعا مجلس الأمن إلى وضع حد لـ”حصار” تفرضه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور. كما دعا كل الدول الأعضاء إلى الامتناع عن أي “تدخل خارجي” وإلى احترام الحظر المفروض على الأسلحة، من دون ذكر أي بلد بالتحديد.

جهود الوساطة تراوح مكانها

وفق مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، لم تنجح جهود الوساطة حتى الآن في تأمين وقف إطلاق النار أو إجراء حوار مباشر مستدام بين طرفي الصراع، معربة عن أسفها لعدم وجود أي مؤشر على أن المناقشات المهمة التي جرت في إطار منصة جدة ستستأنف قريباً.

ودعت الأطراف إلى تبني الحوار، والكف عن لعبة الاتهامات بالمسؤولية المدمرة، والبحث عن كل فرصة للسلام. وأكدت على ضرورة ألا “نكون متفرجين سلبيين”، مشيرة إلى أن الحل التفاوضي يظل هو السبيل الوحيد للخروج من هذا الصراع.

وقالت إن لعمامرة قام بزيارات إلى المنطقة في مايو (أيار) وأوائل يونيو (حزيران)، أجرى خلالها مباحثات مع البرهان وغيره من كبار قادة الجيش وأعضاء المجلس السيادي السوداني في بورتسودان، وكذلك مع وفد أوفده قائد قوات “الدعم السريع” إلى نيروبي.

وأضافت أن المبعوث الأممي حث الأطراف على تجنب إلحاق الضرر بالمدنيين خلال جميع العمليات العسكرية، وحثها على الاتفاق على وقف محلي لإطلاق النار في الفاشر، مشدداً على ضرورة ضمان سلامة المدنيين.

الفاشر في مركز النزاع

من جانبها، ركزت مديرة العمليات والمناصرة في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إيديم وسورنو في إحاطتها على أربع نقاط مهمة هي الخسائر الفادحة التي خلفها الصراع على المدنيين في الفاشر وغيرها من بؤر الصراع الساخنة في البلاد، الأزمة الإنسانية المتفاقمة، الوضع الحالي لوصول المساعدات الإنسانية وتمويل عملية المساعدات، والحاجة الماسة لوقف القتال.

وقالت إن المدنيين في السودان عاشوا كابوساً خلال 14 شهراً من الصراع، مشيرة إلى أن سكان مدينة الفاشر يقعون في مركز النزاع حالياً، منبهة إلى أن حياة 800 ألف شخص من النساء والأطفال والرجال والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة أصبحت على المحك في خضم استمرار العنف والمعاناة.

وفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، أصيب أكثر من 1300 شخص بجراح في الفاشر خلال الفترة بين مايو ويونيو. فيما نزح ما لا يقل عن 130 ألف شخص منذ أبريل الماضي، معظمهم جنوباً إلى أجزاء أخرى من دارفور وغرباً إلى تشاد.

وقالت إن الهجوم على المستشفى الجنوبي في الفاشر يوم 8 يونيو هو أحدث مثال على الدمار الذي طال الرعاية الصحية في السودان، مشيرة إلى أن أكثر من 80 في المئة من المستشفيات والعيادات لا تعمل حالياً في بعض المناطق الأكثر تضرراً. وحذرت أنه “من دون اتخاذ إجراء حاسم الآن، فإننا نجازف بأن نشهد تكراراً للفظائع التي ارتُكبت في الجنينة خلال العام الماضي”.

العنف والمجاعة

وقالت وسورنو إن أعمال العنف في الفاشر ليست سوى قمة جبل الجليد. مشيرة إلى المعاناة الإنسانية في السودان بلغت مستوى لا يطاق بعد مرور 430 يوماً منذ اندلاع هذا الصراع.

ولا يزال العنف الجنسي المرتبط بالنزاع متفشياً في السودان، فقد تلقى صندوق الأمم المتحدة للسكان تقارير عن “تعرض النساء والفتيات للاغتصاب وتعرضهن لأشكال أخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي أثناء خروجهن من منازلهن بحثاً عن الطعام”. ووفقاً لتقارير المنظمات المحلية التي تقودها النساء، فإن “معدلات الانتحار بين الناجيات آخذة في الارتفاع وتتقلص إمكانية الوصول إلى خدمات العنف القائم على النوع الاجتماعي”.

وتطرقت وسورنو أيضاً إلى تقرير الأمين العام السنوي حول الأطفال والنزاعات المسلحة، والذي أفاد بأن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في السودان زادت بنسبة مذهلة بلغت 480 في المئة.

و لم يسلم العاملون في المجال الإنساني أيضاً من العنف. فقد قُتل ستة من عمال الإغاثة، جميعهم مواطنون سودانيون، خلال الأسابيع الستة الماضية. وبذلك يرتفع العدد الإجمالي لعمال الإغاثة الذين قتلوا إلى 24 شخصا منذ بدء الحرب، وفقا للمسؤولة الأممية.

3 مطالب رئيسية

وبالإضافة إلى الخسائر المباشرة التي لحقت بالمدنيين، أفادت وسورنو بتفاقم الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء البلاد، محذرة من أن “المجاعة وشيكة”، حيث يواجه ما يقرب من 5 ملايين شخص مستويات طارئة من انعدام الأمن الغذائي، ويعيش تسعة من كل عشرة من هؤلاء الأشخاص في المناطق المتضررة من النزاع في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة والخرطوم.

ويواجه أكثر من مليوني شخص في 41 منطقة من مناطق الجوع الساخنة، خطر الانزلاق إلى جوع كارثي في ​​الأسابيع المقبلة.

وسلطت المسؤولة الأممية الضوء على ثلاثة مطالب رئيسية هي: حماية المدنيين والبنية التحتية التي يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق وبشكل مستدام وموسع إلى الأشخاص المحتاجين، وزيادة التمويل لعملية المساعدات الإنسانية.

“استعباد جنسي”

من جانبه، أعلن فريق أممي جديد لتقصي الحقائق يجري تحقيقاً في انتهاكات يشتبه بأنها ارتُكبت في الحرب الدائرة في السودان، الثلاثاء أنه بصدد التحقق من تقارير عن استعباد جنسي في مركز احتجاز وهجمات عرقية ضد مدنيين.

وتلقت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق التي أنشئت مؤخراً “تقارير ذات صدقية عن العديد من حالات العنف الجنسي التي ترتكبها الفصائل المتحاربة”، وفق ما أفاد رئيسها محمد شاندي عثمان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.

وقال إن “نساء وفتيات تعرضن ولا زلن لعمليات اغتصاب واغتصاب جماعي ولخطف وزواج قسري”. وأكد أن الفريق يتحقق من “تقارير عن استعباد جنسي وتعذيب جنسي في مراكز احتجاز بما في ذلك لرجال وفتيان”. وأضاف “نحن نجري تحقيقاً”.

إلى ذلك سلط عثمان الضوء على تقارير تفيد بتجنيد واسع النطاق لأطفال، لا سيما للمشاركة في “قتال مباشر وارتكاب جرائم عنف”.

وقال إن الفريق يشعر بقلق بالغ إزاء القتال العنيف ومحاصرة قوات “الدعم السريع” للفاشر، المدينة الوحيدة في إقليم دارفور الخارجة عن سيطرتها.

وشدد على أن “هجمات سابقة على مناطق أخرى تزيد من مخاوفنا”، مشيراً إلى أن الفريق “يحقق حالياً في هجمات سابقة واسعة النطاق ضد مدنيين على أساس انتمائهم العرقي في مناطق أخرى من دارفور”.

وقال إن تلك الهجمات شملت “القتل والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي والتعذيب والتشريد القسري والنهب”. ولفت عثمان إلى أن التحقيق يشمل أيضاً “هجمات عرقية” في أماكن أخرى بما في ذلك في أنحاء أخرى من إقليم دارفور ومن ولاية الجزيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى