“عالم سفلي” من منظمي رحلات الحج وراء وفيات الحجاج
أثار العدد الكبير للحجاج المتوفين في موسم الحج هذا العام تساؤلات حول عمل وكالات السفر في مختلف البلدان، والتي تقع على عاتقها مسؤولية نقل وتوجيه وإيواء الحجاج في مكة في السعودية.
وقال وزير الصحة السعودي، فهد الجلاجل، الأحد، إن عدد الحجاج الذين توفوا جراء الإجهاد الحراري بلغ1301 شخص، 83% منهم من غير المصرح لهم بالحج.
ونقلت قناة الإخبارية السعودية عن الجلاجل قوله إن أغلب هؤلاء “ساروا مسافات طويلة تحت أشعة الشمس، بلا مأوى ولا راحة، وبينهم عدد من كبار السن ومصابي الأمراض المزمنة”.
قالت وكالة رويترز إن معظم حالات الوفاة سجلت لدى البعثات المصرية، ونقلت عن مصادر طبية وأمنية، الأحد، أن عدد الحجاج المصريين الذين لقوا حتفهم بلغ 672 فيما لا يزال 25 آخرون في عداد المفقودين.
وذكرت خلية الأزمة التي أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتشكيلها لمتابعة وإدارة الوضع الخاص بحالات وفاة الحجاج المصريين في بيان السبت، أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي “كلف بسحب رخص 16 شركة سياحة تحايلت لتسفير الحجاج بصورة غير نظامية وإحالة مسؤوليها للنيابة العامة”.
وأعلنت تونس والأردن وإيران والسنغال وأندونيسيا أيضا عن وفيات بين الحجاج من مواطنيها.
وقالت وكالة الانباء الأردنية ، الأحد، أن حصيلة المتوفين من الحجاج الأردنيين بلغ 99 حاجا “مع وجود 21 آخرين في مستشفيات مكة، 16 منهم في حالة حرجة”
وفي تونس، التي توفي فيها 53 حاجا، أقال الرئيس التونسي قيس سعيد، الجمعة، وزير الشؤون الدينية إبراهيم الشايبي عقب موجة انتقادات واسعة.
تعليقا على هذه المشاهد، قال تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز ” إن وفاة أكثر من ألف حاج في السعودية أثناء أداء فريضة الحج يلقي الضوء على “عالم سفلي من منظمي الرحلات السياحية غير المشروعة والمهربين والمحتالين الذين يستفيدون من بعض الراغبين بالوفاء بواجبهم الديني بالسفر إلى مكة”.
ولفت التقرير إلى أنه بينما يتم نقل الحجاج المسجلين في حافلات مكيفة ويستريحون في خيام مكيفة كذلك، فإن الحجاج غير المسجلين غالبا ما يتعرضون للعوامل الجوية المختلفة، ما يجعلهم أكثر عرضة للحرارة الشديدة.
وتحدث حجاج عن رؤيتهم لأشخاص يفقدون وعيهم وجثث في الشوارع مع وصول درجات الحرارة إلى مستويات قياسية.
ومع مشاركة ما يقرب من مليوني حاج كل عام، كثير منهم من كبار السن أو المرضى، من المعتاد أن يموت البعض بسبب الإجهاد الحراري أو المرض.
وبينما لا تقوم السعودية بإعطاء إحصاءات بانتظام، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان عدد الوفيات هذا العام “استثنائي”.
وفي العام الماضي، توفي 774 حاجاً من إندونيسيا وحدها، وفي عام 1985، توفي أكثر من 1700 شخص حول الأماكن المقدسة، معظمهم بسبب الإجهاد الحراري، حسبما وجدت دراسة في ذلك الوقت.
ونقلت الصحيفة عن إيمان أحمد، المالك المشارك لشركة “الإيمان تورز” في القاهرة قولها إن “هناك الكثير من الجشع حول هذا العمل”.
وقالت أحمد إنها رفضت إرسال حجاج غير مسجلين، لكن منظمي الرحلات السياحية المصريين الآخرين والوسطاء السعوديين حققوا أموالاً طائلة من خلال القيام بذلك.
وسجل أكثر من 1.8 مليون حاج رسميا لأداء فريضة الحج هذا العام، لكن حوالي 400 ألف آخرين حاولوا القيام بالرحلة دون الوثائق المطلوبة، حسبما صرح مسؤول سعودي كبير لوكالة الأنباء الفرنسية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته.
وهذا يعني أن ما يقرب من واحد من كل خمسة حجاج هذا العام تجاوزوا القيود التي تفرضها المملكة، بما في ذلك الطوق الأمني حول مكة الذي يتم إغلاقه قبل أسابيع من الحج.
2019.. ماذا تغير؟
وتتيح المملكة أداء الحج حصراً للسكان ممن لديهم تصاريح وللأجانب الحاصلين على تأشيرات مخصّصة. لكنّ توسّعها في إصدار تأشيرات عامة منذ العام 2019 فتح مجالا أوسع لأداء الحج بشكل أقلّ كلفة، لكن غير قانوني، لآلاف الأجانب.
وشارك 1.8 مليون حاج في موسم الحج في العام 2023، بالإضافة إلى “حوالى 100 ألف حاج غير نظامي”، وفق ما أفاد مسؤول أمني سعودي فضّل عدم ذكر اسمه وكالة فرانس برس.
ومنذ نهاية الشهر الماضي، فرضت السلطات تصريحا خاصا للدخول إلى مكة المكرمة التي تضم الكعبة وصعيد عرفات حيث يؤدي المسلمون الركن الأعظم للحج.
لكن المصري محمد، وهو موظف حكومي متقاعد حضر إلى السعودية بتأشيرة زيارة لابنه المقيم في الرياض، دخل إلى العاصمة قبل ذلك التاريخ بعدما اتفق مع وكيل سفر على تأمين مسكن له وإدخاله خلسة إلى عرفات مقابل نحو 933 دولاراً.
محمد الذي فضّل ذكر اسمه الأول فقط ويقيم في غرفة في مبنى سكني مع سبعة أشخاص آخرين، قال لوكالة فرانس برس “أسعى للحج الرسمي في مصر منذ أكثر من 10 سنوات ولا يصيبني الحظ”.
آمال
تتوقّف آمال المصريين بالحج على قرعة تجريها السلطات لاختيار الحجّاج استنادا إلى برنامج حكومي يبدأ من نحو 3700 دولار، فيما يُكلف “الحج السياحي” مبالغ باهظة يقول محمد إنه “لا يستطيع تحمّلها”.
وفي مقابلات مع صحيفة نيويورك تايمز، قال منظمو رحلات الحج والحجاج وأقارب الموتى إن عدد الحجاج غير المسجلين يبدو أنه مدفوع بتزايد اليأس الاقتصادي في دول مثل مصر والأردن.
ويمكن أن تكلف حزمة الحج الرسمية أكثر من 5 آلاف أو 10 آلاف دولار، اعتمادًا على بلد الحاج الأصلي، وهو ما يتجاوز بكثير إمكانيات كثيرين يأملون في القيام بالرحلة.
لكنهم وصفوا أيضًا الثغرات التي يسهل استغلالها في الأنظمة السعودية التي تسمح للحجاج غير المسجلين بالسفر إلى المملكة بتأشيرة سياحية أو زيارة قبل عدة أسابيع من الحج.
وأضافوا أنه بمجرد وصولهم، يجدون شبكة من السماسرة والمهربين غير الشرعيين الذين يعرضون خدماتهم ويأخذون أموالهم ويتركونهم أحيانًا لتدبر أمرهم بأنفسهم.
وقالت الصحيفة إن المسؤولين السعوديين الذين اتصلت بهم للتعليق لم يستجيبوا لطلبها.
صورة حزينة
من بين الذين وقعوا في ذلك الفخ صفاء التواب، من مدينة الأقصر المصرية.
ولم تتمكن التواب، 55 عامًا، من الحصول على تصريح الحج، لكنها وجدت شركة سياحة مصرية عرضت عليها أن تأخذها مقابل حوالي 3 آلاف دولار، حسبما قال شقيقها أحمد التواب.
وقال في حديث للصحيفة الأميركية إن شقيقته لم تفهم أنها بصدد انتهاك القواعد عندما سافرت إلى السعودية الشهر الماضي.
وبعد وصولها، أخبرت أقاربها أنها وُضعت في سكن غير لائق ومنعتها شركة السياحة من الخروج.
وقال التواب إنه في حين وعدت الشركة بتوفير حافلات مكيفة لنقل الحجاج حول مكة، إلا أنها وجدت نفسها بدلاً من ذلك تسير لأميال تحت الشمس للوصول إلى الأماكن المقدسة.
وتوفيت أخته في منتصف رحلة الحج، لكن عندما اتصل بشركة السياحة أكدت له أنها بخير.
وقال التواب إنه عندما علم ممثل الشركة أن أقاربها علموا بوفاتها، أغلق هاتفه.
وقال محمود قاسم، عضو البرلمان المصري، في طلب للحصول على معلومات من المسؤولين الحكوميين “لقد تم خداع الحجاج”.