شمال دارفور…. الفرار من جحيم الفاشر إلى نار طويلة
بعد ايام من المعاناة تمكنت الحاجة مريم من الوصول إلى منطقة “طويلة” 64 كيلو متر غربي مدينة الفاشر تاركة ورائها اثنين من ابنائها اللذين وعداها بأن يلحقان بها بعد ترتيب بعض اوضاع المنزل في مدينة الفاشر التي اصبح البقاء فيها لا يطاق بسبب المعارك التي تشهدها المدينة منذ مايو الماضي، قضت الحاجة مريم ليلتها في احد مراكز الايواء وهي قلقة على ابنيها وتنتظر بلهفة ان تشرق الشمس لتذهب إلى مركز الاتصالات “استارلينك” لتتواصل مع أبنيها.
صدمت مريم عندما علمت بأن احد ابنائها اصيب بقذيفة “دانة” سقطت في منزلهم وتم نقله إلى المستشفى، يقول رئيس لجنة استقبال النازحين بمنطقة طويلة ان الحادث كان صادماً لكثير ممن كانوا في المركز.
قررت الحاجة مريم العودة إلى الفاشر للوقوف بجانب ابنها المصاب وهي لا تدري إلى اي مستشفى تم نقله، لكن تمكن اعضاء اللجنة وعدد من المتواجدين بمركز الايواء من اقناعها بتأجيل العودة إلى الفاشر في محاولة منهم لامتصاص الصدمة التي ألمت بها.
موجات نزوح
في مقابل محاولات الحاجة مريم للعوة إلى الفاشر لم تتوقف تدفقات النازحين إلى منطقة طويلة منذ ان اعلنت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور مسئوليتها عن تأمين المنطقة بحكم ان الحركة تأخذ منحى حيادياً من الحرب الدائرة بين القوات المسلحة السودانية والحركات المسلحة المساندة لها ضد قـ.وات الدعـ.م السـ.ريع.
وبحسب آخر احصائيات أجريت قبل عيد الاضحى المبارك “الاسبوع الماضي” بواسطة لجنة طوارئ استقبال النازحين بمنطقة طويلة فان اعداد النازحين الذين وصلوا المنطقة بلغت اكثر من 39 ألف أسرة.
تقول اللجنة المعنية باستقبالهم وتهيئة المراكز لإيوائهم انهم يعيشون وضعاً انسانياً سيئاً، وقال رئيس اللجنة مصعب الزين عمر لراديو دبنقا ان القادمين إلى طويلة بعضهم من سكان طويلة الذين نزحوا منها في يونيو العام الماضي جراء الاحداث التي شهدتها في الاشهر الاولى للحـ.رب، اضافة إلى نازحين من سكان مدينة الفاشر. وقال الفئة الاولى عادت إلى مساكنها رغم انها مدمرة ومنهوبة والفئة الثانية تم اعداد مراكز ايواء لاستيعابهم، واشار إلى اتجاه اللجنة إلى انشاء مركز ايواء رابع بعد ان اكتظت المراكز الثلاثة، بينما لا زالت تدفقات النازحين إلى المنطقة مستمرة، ووصف مصعب وضع النازحين بالسيئ مع تزايد الامراض الناتجة عن نقص الغذاء.
حكايات الطريق
في المسافة بين الفاشر وطويلة تبعد حوالي 64 كيلو متر يواجه الفارون معاناة كبيرة اثناء هروبهم من جحيم المواجهات بين اطراف القـ.تال، ويقول رئيس لجنة استقبال النازحين ان بعض النازحين يضطرون إلى التوقف في منطقة “شقرا” في منتصف الطريق لانتظار الطوف الذي خصصته حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور لإجلاء النازحين من مدينة الفاشر إلى طويلة.
بينما اشار مسئول الاعلام والشباب والرياضة بالسلطة المدنية، دائرة طويلة محمد يعقوب ان الحركة استطاعت ان تجعل منطقة طويلة ملاذاً للفارين من جحيـ.م الحـ.رب في الفاشر، واضاف: الوضع الأمني مستقر والمواطنين والنازحين لا يواجهون اي مشاكل أمنية، على عكس الوضع الانساني المرير الذي يعيشه انسان المنطقة.
الحاجة للإغاثة
رئيس لجنة طوارئ استقبال النازحين مصعب الزين قال لراديو دبنقا ان اللجنة تواجه تحدياً يتمثل في كيفية ايجاد الدعم لتوفير الاحتياجات الضرورية للنازحين في المراكز، وهم يواجهون وضعاً وصفه بالسيئ، وذكر ان مبادرات شباب المنطقة قادرة الان فقط على توفير مياه الشرب، والمساهمة في علاج بعض الحالات المرضية بالتنسيق مع مكتبي الصحة والشئون الانسانية بالسلطة المدنية، لكنه اشار إلى ان التحدي يكمن ان المراكز الصحية لا تتوفر فيها الادوية بسبب ان الحرب اعاقت دخول الادوية والاحتياجات الحياتية للمنطقة.
وأكد ان النازحين يحتاجون إلى المساعدات والاعانات بصورة عاجلة لجهة ان الاسر وصلت إلى المنطقة وهي لا تمتلك اي شيء، فضلاً ان فصل الخريف بات على الابواب، لذلك يحتاجون إلى مشمعات تقيهم الامطار، ودعا المنظمات وابناء دارفور في الخارج إلى المساهمة في اغاثة النازحين في طويلة.
من جهته قال رئيس لجنة الاعلام والشباب الرياضة محمد يعقوب لراديو دبنقا انهم ينتظرون الآن المنظمات الانسانية ان تأتي لتوفر الخدمات الاساسية لان المرافق الخدمية في المنطقة تعرضت للنـ.هب والتخـ.ريب خلال الاحداث التي شهدتها في يونيو العام الماضي، مشيراً إلى انه طيلة الفترة الماضية لا توجد ممرات انسانية آمنة لإدخال الاغاثة إلى المواطنين، وقال ان هذا الوضع المتردي تنتج عنه وفيات للأطفال والنساء الحوامل بصورة يومية بسبب سوء التغذية.
وفيات بسوء التغذية
الوضع الغذائي في منطقة طويلة بات حرجاً بسبب تدفقات النازحين واكتظاظ المنطقة بالسكان وهي تعاني من قبل بسبب المعارك التي دارت فيها قبل موسم الخريف الماضي واصبح بذلك سكانها بلا مخزون غذائي وفي ظل عدم وجود منظمات لتقديم المساعدات الغذائية للأسر المحتاجة الأمر الذي نتج عنه أمراض نقص الغذاء.
وتقول عضو مكتب الاعلام والشباب الرياضة دائرة طويلة رويدا عبد الرحمن خميس لراديو دبنقا ان النساء الحوامل والاطفال في طويلة يواجهون معاناة ومصيراً مجهولاً بسبب شح الغذاء، وكشفت عن حالات وفيات وسط الاطفال والنساء بسوء التغذية وانعدام الخدمات الصحية وصعوبة الوضع الاقتصادي للأسر.
وقالت رويدا عبد الرحمن ان منطقة طويلة يوجد فيها مركز صحي واحد فقط ويفتقر للأدوية وأجهزة الفحص الطبي والأسِرة لدرجة ان المرضى يرقدون على الارض، كما توجد ثلاث قابلات فقط وليست لديهن معدات للتوليد، واشارت إلى ان شباب طويلة قاموا بمبادرة لجمع مساهمات مالية وتمكنوا من توفير بعض العلاجات للمرضى في احد المراكز الصحية.
فيما ذكر رئيس لجنة طوارئ استقبال النازحين مصعب الزين ان اللجنة تعمل الان بالتنسيق مع مكتب الصحة بالسلطة المدنية التابعة لحركة تحرير السودان على توفير بعض الاحتياجات لعلاج بعض الحالات المرضية، لكنه أوضح ان المركز الصحي يفتقد للأدوية والمعدات الطبية.
اغلاق المعابر
كانت منطقة طويلة تعتمد على امدادها من السلع الاستهلاكية والبضائع واحتياجاتها الحياتية من مدينة الفاشر، لكن منذ ان اطبقت قوات الدعم السريع حصارها على الفاشر في مايو الماضي توقف الحركة التجارية وتدفق المواد والسلع الاستهلاكية، ولم يبق للمنطقة الا معبر ثانوي وهو طريق جبل مرة الوعر، واشار الشاب محمد يعقوب إلى ان هذا الوضع خلف حالة من ارتفاع الاسعار حتى اصبحت فوق طاقة المواطن، واضاف: السلع والمواد الاستهلاكية تصل المنطقة بكميات قليلة واسعار مرتفعة بسبب صعوبات الترحيل، وذكر ان سعر رطل السكر بلغ الفي جنيه، وكيلو اللحمة تجاوز السبعة ألف جنيه، وكمية دخن لا تكفي الاسرة الصغيرة لوجبة واحدة بمبلغ 4 ألف جنيه.
فيما وجه رئيس لجنة استقبال النازحين مصعب الزين نداء للمنظمات الانسانية والخيرين من ابناء دارفور للإسهام في رفع المعاناة عن النازحين في منطقة طويلة، كما طالب طرفي الحـ.رب بفتح المسارات الانسانية لوصول الاغاثة للمنطقة.
خدمة المياه
في ظل الاكتظاظ السكاني الذي تشهده منطقة طويلة منذ نحو اكثر من شهر تعاني المنطقة ازمة في مياه الشرب وتضيق حلقتها كلما وفدت مجموعات من الفارين من مدينة الفاشر ويقول مسئول الاعلام بدائرة طويلة محمد يعقوب ان المنطقة توجد فيها 5 ابار فقط لمياه الشرب، واشار إلى انها غير كافية للأعداد الكبيرة للسكان والنازحين، علاوة على انها آبار استثمارية زاد ملاكها اسعار المياه بعد ارتفاع اسعار الوقود حيث بلغ سعر برميل المياه ثلاثة آلاف جنيه، ونوه إلى ان قيادة السلطة المدنية دائرة طويلة وفرت سيارة لجلب المياه للنازحين في مراكز الايواء.
التعليم في طويلة
في ظل توقف المدارس في اغلب ارجاء البلاد وتوقف نحو 19 مليون طفل عن الدراسة بحسب منظمة يونسيف فإن اطفال منطقة طويلة يحظون بفرصة الدراسة، فمنذ نوفمبر الماضي استطاعت السلطة المدنية التابعة لحركة تحرير السودان افتتاح 5 مدارس ويقول محمد يعقوب ان أبناء المنطقة انخرطوا في التدريس متطوعين لتعليم الاطفال، مشيراً إلى انه قبل اسبوع انتهت الامتحانات النهائية وتم توزيع النتائج للتلاميذ، لكنه رغم ذلك أكد على ضرورة تدخل منظمة يونسيف لدعم التعليم في المنطقة لأنها تفتقد لكل معينات ومقومات التعليم من اجلاس وادوات مدرسية ومكتبية.