وسط غضب شعبي.. تفاقم معضلة الجوع في السودان… الإنتاج ينخفض والمجاعة تهدد السكان
المجاعة باتت وشيكة الوقوع في السودان إذ بدأت آثارها تظهر تدريجياً مع انعدام الغذاء والدواء والرعاية الصحية اللازمة وزيادة عدد وفيات الأطفال، في ظل تراجع الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين من قبل الحكومة، مع اشتداد الحرب في مناطق مختلفة من البلاد واستمرار النزوح واللجوء من منطقة إلى أخرى، وذلك مع ضعف إمكانية إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفارين من الحرب أو حتى الذين أصروا على البقاء في بيوتهم بسبب الاشتباكات.
وأدت الحرب إلى خروج مناطق زراعية ومشاريع كبيرة من دائرة الإنتاج، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في إنتاج الحبوب وارتفاع أسعار الغذاء مع انعدام الدخل جراء توقف دولاب العمل بالدولة، بالإضافة إلى فشل الموسم الزراعي بسبب انعدام مدخلات الإنتاج ومستلزمات العملية الزراعية.
وانتقد مراقبون ومختصون سودانيون صمت الحكومة عن إعلان المجاعة التي بدأت ملامحها بالظهور، قبل استفحالها، وطالبوا وزارة المالية بالاعتراف بالأزمة، وقالوا إن كل ولايات السودان الآن باتت خارج القدرة على توفير الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب، في حين أن المواطن لا يزال يعيش في بيئة غير صالحة للإنسان، حيث بات يأكل أوراق الشجر ويشرب من المياه الراكدة، مع عدم وفرة الأمن والأمان.
ويؤكد الاقتصادي محمد عبد الله لـ “العربي الجديد” أن وطأة الحرب أثرت في كل الخدمات، وهناك الآن الآلاف من السودانيين يموتون جوعًا دون علم أقاربهم أو حتى الجهات المسؤولة بسبب الحصار الذي يلازم كل بيت في غالبية المناطق، وانقطاع التواصل وعدم وفرة الدواء والماء. وأضاف أن مرضى السكري والضغط والأمراض المستعصية يموتون في المعسكرات وفي العراء من دون أن تقدم لهم يد العون، وانتقد بشدة حديث الحكومة عن عدم وجود مجاعة.
كارثة المجاعة تزيد اتساعاً
أما محمد إبراهيم الزين المختص في الشؤون الاجتماعية، فقال لـ “العربي الجديد” إنه بسبب تعنت طرفي الحرب في إدخال المساعدات الإنسانية “الطبية والغذائية” يموت الناس في الطريق العام وفي البيوت المهجورة، ومع ذلك لا تصل إليهم يد العون. وأضاف أن كل التقارير الواردة بشأن وفيات الأطفال أو انعدام الغذاء حقيقية، والكارثة أكبر من ذلك، وفي قرى ولاية الجزيرة أكثر من 50 قرية يموت فيها الناس يومياً بسبب الأمراض ونقص الغذاء، وكل مدن وقرى دارفور تعاني نقص الأدوية والأغذية، ويموت الناس يومياً بأعداد كبيرة. وسأل: “كيف لا توجد مجاعة؟”.
وانتقد المواطن بله سعيد، الجيش والدعم السريع، وقال إن المخدرات والسرقات والفقر والمجاعة انتشرت، وتردّت الخدمات ولا يزال القتل مستمراً. وأضاف أنه لم يبق أحد في السودان، كل الناس نزحت ولم تجد الأمن والأمان أو الرعاية الطبية أو المياه والكهرباء، حتى في مناطق النزوح. وتابع: “أصبح البلد مقبرة السودانيين، أينما تذهب فلن تجد الخدمات، وتتساوى مناطق سيطرة الدعم السريع ومناطق سيطرة الجيش، لا فرق بينهما، لا توجد خدمات أو رعاية طبية، فالمواطن آخر همّ الطرفين”.
وتروي سيدة النفر إبراهيم، ربة منزل من ولاية الجزيرة، لـ “العربي الجديد” قصتها، وقالت إنه “لا خير في هذا ولا ذاك، لقد مات ابني وهو في عمر 12 عامًا بسبب سوء التغذية، وأصيب بفقر الدم، وحاولنا إيجاد العلاج، لكننا لم نستطع الوصول إلى أي مستشفى، فتوفي في الطريق لعدم وجود وسيلة لنقلنا إلى أي منطقة مع انفراط الأمن”.
غضب كبير
وصبّ المواطن مدثر التجاني غضبه على الحال المأساوي، وقال: “لم أتمكن من علاج والدي الذي يعاني داء السكري، حيث حملته على ظهري أملاً في الوصول إلى محطة المواصلات العامة للخروج إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش”. وأضاف: “حين وصلت بصعوبة بالغة، لم أجد علاجًا بحجة أنه انتهى، لأن والدي كان يأخذ جرعات، ما سبّب وفاته”. وقال: “كل السودان أصبح مقبرة للمرضى، لا دواء ولا علاج ولا حتى أطباء، كلهم غادروا إلى معسكرات أو إلى دول أخرى”. وأضاف: “الوضع ينذر بكارثة كبيرة”.
وأشارت التقارير إلى أوضاع كارثية يعانيها السودان في قطاع الصحة ونقص الغذاء والدواء بما ينذر بمجاعة وشيكة وتردٍّ خطير في الخدمات ونقص الإمداد الدوائي، والمعلومات الواردة تشير إلى أكبر حالة نزوح ولجوء للسودانيين في تاريخ البلاد تجاوزت ثمانية عشر مليون مواطن، وتجاوز عدد القتلى بفعل العمليات العسكرية 15 ألف مواطن، مع وقوع آلاف الجرحى والمفقودين الذين لم تتوافر إحصاءات دقيقة بشأنهم.
وتشير الأنباء الواردة من المنظمات ذات الصلة إلى دخول السودان مرحلة المجاعة الوشيكة التي تداهم البلاد بقوة، في ظل تعثر وصول الإمدادات الإغاثية وإغلاق المعابر بسبب الحرب.
لا إعلان رسمي عن مجاعة
ولم يصدر أي إعلان رسمي عن وجود مجاعة في السودان حتى الآن، إلا أن وزير المالية جبريل إبراهيم قال إن الحديث عن المجاعة غير دقيق ولا توجد مجاعة في البلاد، والسودان يملك ما يكفيه من حبوب حتى الآن. وأشار خلال كلمته في مؤتمر بطرسبرغ في روسيا أخيراً إلى وجود تحديات تتمثل بصعوبة توصيل الحبوب إلى عدة مناطق في السودان بسبب الحرب. ولكنه حذر في مايو/ أيار المنصرم من مجاعة محتملة قد تهدد السودان، وذلك خلال الجلسة الافتتاحية للمجلس الاقتصادي للقمة العربية.
منسق الإغاثة الطارئ ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، قال إن الوقت ينفد فيما يواجه نحو خمسة ملايين سوداني خطر مجاعة لم يشهده العالم من قبل، وقال في تسجيل مصور على حسابه الرسمي بموقع إكس إنه يشعر بقلق شديد من خطورة الوضع في السودان.
وفي الأثناء، أعلنت الولايات المتحدة تقديم مساعدات طارئة بقيمة 315 مليون دولار للسودانيين، محذرة من احتمال حدوث مجاعة ذات أبعاد تاريخية، وحمّلت طرفي النزاع مسؤولية الكارثة الإنسانية، وتشمل الإعانات المساعدة الغذائية ومياه الشرب بالإضافة إلى فحوص حالات سوء التغذية وعلاج الأطفال في حالات الطوارئ.
ويأتي ذلك فيما تشير التقديرات إلى أن خمسة ملايين شخص داخل السودان يعانون الجوع الشديد، مع نقص الغذاء أيضًا في دول الجوار التي لجأ إليها مليونا سوداني.
وقالت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد للصحافيين: “نريد أن يستيقظ العالم على الكارثة التي تحدث أمام أعيننا”.
وأضافت: “لقد رأينا توقعات للوفيات تقدّر أن ما يزيد على 2.5 مليون شخص – حوالى 15 في المائة من السكان – في دارفور وكردفان، المناطق الأكثر تضرراً، يمكن أن يموتوا بحلول نهاية سبتمبر/ أيلول”. وشددت المسؤولة الأميركية على أن هذه أكبر أزمة إنسانية على وجه الكوكب، ومع ذلك فهي قابلة بطريقة ما للتفاقم مع اقتراب موسم الأمطار.