زرعتها مستفيدةً من ( فوضوى ) بواكير الثورة،، الخلايا النائمة .. مخالب الميليشيا..
عبَّدت الطريق أمام الميليشيا لاجتياح العديد من المدن والمناطق الآمنة..
تقليص صلاحيات جهاز الأمن جعل البلاد ساحة مكشوفة أمام الاستخبارات الأجنبية..
يجب محاربة الخلايا عن طريق الاستخبارات والمخابرات العامة..
حملات مكثفة توقف مواطنين وأجانب متعاونين مع التمرد..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو
انتظمت عدداً من ولايات السودان حملاتٌ مكثفة على الخلايا النائمة وأوكار الجريمة، وشملت الحملات المنظمة مواقع الزحام في الأسواق ومحطات المواصلات ومواقع التجمعات المختلفة، أضافة إلى المعابر والمنافذ ومداخل المحليات، وتأتي هذه الحملات احترازاً لفضح وكشف الخلايا النائمة من المتعاونين والداعمين لميليشيا الدعم السريع والذين أصبحت لهم أدوار كبيرة وخطيرة، وقد أسفرت معظم هذه الحملات عن توقيف المئات من الخلايا النائمة من المواطنين والأجانب في عدة ولايات، ووجدت السلطات الأمنية المختصة في حوزة الكثير من الموقوفين أسلحة ومعدات مستندات، تدمغ انتماءهم إلى الميليشيا المتمردة، حيث كانوا ينتظرون ساعة الصفر التي في الغالب هي دخول طلائع ميليشيا الجنجويد إلى المدينة أو المنطقة المعنية وإطلاق أول رصاصة.
خلايا نائمة:
ويدل مصطلح الخلايا النائمة على مجموعة معزولة موالية للعدو، ولكنها موجودة في مناطق الجيش وتعمل تحت حمايته ولكن ولاءها يكون للجهة المعادية، ويمكن أن يكون هذا الولاء مرهوناً باتفاق مالي ( ارتزاق) أو لضرورة انتماء إيدلوجي أو حزبي أو جهوي أو طائفي، من أجل تحقيق أهداف ومصالح العدو داخل المنطقة أو المدينة المعنية، حيث تظل الخلايا النائمة في حالة تخفٍّ تام إلى حين صدور التوجيهات والأوامر لتتحرك وتجهز على أهدافها.
نموذج سنجة:
وشهدت عدة مناطق ومدن سودانية نشاطاً مكثفاً للخلايا النائمة التابعة لميليشيا الدعم السريع، كان آخرها ما حدث في التاسع والعشرين من شهر يونيو الماضي، عندما سقطت مدينة سنجة حاضرة ولاية سنار في أيدي ميليشيا الدعم السريع بمساعدة الخلايا النائمة من أبناء المدينة المنتمين للقحاتة والذين كانوا وبحسب مصادر مأذونة قد سرَّبوا معلومات للميليشيا المتمردة عن خلو مدينة سنجة من القوات المسلحة بعد تحرك قوات الفرقة ١٧ مشاة لإسناد القوات المعنية بحماية مدينة سنار، أو تلك التي كانت تحاصر جيوب الميليشيا في منطقة جبل موية.
استراتيجية الميليشيا:
ومنذ انطلاق الحرب في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، ركزت الاستراتيجية التي تتخذها ميليشيا الدعم السريع على اقتحام السجون وإطلاق سراح النزلاء من معتادي الإجرام الذين شكلوا فيما بعد خلايا داعمة للميليشيا المتمردة ينفذون خططها في سلب ونهب البنوك والمصارف والمؤسسات والأعيان المدنية، إضافة إلى دورهم البارز في عملية ترويع المواطنين، وبجانب معتادي الإجرام من نزلاء السجون، نشطت مجموعات من الخلايا النائمة تقف من وراء منصات إعلامية هدفها بث الشائعات وإثارة البلبلة وسط المجتمع بتخوين الجيش ودعوة المواطنين إلى مغادرة منازلهم وذلك بغرض تعبيد الطريق لدخول الميليشيا المتمردة إلى الولايات واجتياح المدن.
غياب أمني مقصود:
ويُرجع خبراء أمنيون وعسكريون ظاهرة انتشار الخلايا النائمة إلى ما وصفوه بالتراخي الأمني وغياب هيبة الدولة في الكثير من الحالات، بسبب اتساع دائرة الحرب وتداعياتها، هذا فضلاً عن الدعم والإسناد الذي تجده ميليشيا الدعم السريع من ضعاف النفوس من المرتزقة والعملاء والخونة والمرجفين في المدينة، ويقول الفريق حنفي عبد الله أفندي الباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية – المدير العام لمركز السودان لمكافحة الإرهاب إن سلب صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات العامة في بواكير ثورة ديسمبر كان وراء انتشار المتعاونين مع الميليشيا من الطابور الخامس والذين زرعتهم ميليشيا الدعم السريع لينشطوا من وراء ( الكيبورد) من أجل نشر الأكاذيب وتلفيق الاتهامات وتخوين الجيش والوقوف وراء الدعوة الباطلة إلى إصلاح المؤسسة العسكرية، مبيناً في حديثه للكرامة أن الغياب (المقصود) لجهاز الأمن والمخابرات العامة جعل البلاد ساحة مكشوفة وعارية لنشاط الاستخبارات الأجنبية، ولتفكيك المجتمع وشراء الذمم وتجنيد العملاء ليعملوا ضد مصالح البلاد دون متابعة أمنية.
تحذير ومحاربة:
ويحذر الخبير الأمني والاستراتيجي الفريق شرطة دكتور جلال تاور من خطورة الخلايا النائمة التي توجد في صور وأوجه وأشكال متعددة كالقيام بأعمال هامشية لا تسترعي الانتباه والأعمال
الزراعية أو التجارية أو الأعمال الحرة المتنوعة من بائعة الشاي إلى عامل البناء وسائق الركشة والمواصلات العامة والوظائف الحكومية والمهن المتنوعة، والسياسين والصحفيين والكتاب إلى أعلى الوظائف المؤثرة في الدولة، وشدد الفريق جلال تاور في حديثه للكرامة على ضرورة محاربة هذه الخلايا عن طريق الأجهزة الاستخباراتية وأجهزة المخابرات التي لها أساليبها الفنية والمهنية المختصة كالمراقبة اللصيقة بجمع المعلومات وملاحظة التغييرات المالية التي تطرأ على حياتهم، وغيرها من المعايير الدالة على تورطهم.
تفاؤل واطمئنان:
ويبدو الفريق حنفي عبد الله أفندي الباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية – المدير العام لمركز السودان لمكافحة الإرهاب، مطمئناً بقدرة الأجهزة المختصة على محاصرة ظاهرة الخلايا النائمة لاسيما بعد إعادة صلاحيات جهاز الأمن والمخابرات ليضطلع بدوره في ملاحقة ومواجهة حملات المتعاونين والمرجفين في المدينة والمناصرين لميليشيا الدعم السريع المتمردة، وردعهم بالقانون عبر محاكمات عاجلة و عادلة وناجزة وتكثيف الإعلام حولها، منوهاً إلى أهمية إعادة النظر في مسار الإعلام الرسمي للدولة والتوجيه المعنوي من خلال تحريك أدواته الرسمية والشعبية والتقنية وتوظيف الخبرات بفعالية ليكون داعماً أساسياً للمجهود الحربي، ونصيراً له ومعنياً بمهمة كسر شوكة كافة المؤامرات وكل أنواع التخزيل والتخوين والحرب النفسية.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر تبقى عملية محاربة الخلايا النائمة مسؤولية جماعية ومشتركة بين القوات المسلحة والقوات المساندة لها من أجهزة أمنية وشرطية من جهة، وبين المجتمع المحلي من جهة أخرى، حيث يكون له القدح المعلى في التصدي للخلايا النائمة، بما يقع على عاتقه من مسؤولية التبليغ الفوري وتمليك الأجهزة المختصة أية معلومة مهما كانت صغيرة، فكم من معلومة صغيرة قادت إلى فك طلاسم جرائم كبيرة، وليس ثمة جريمة أكبر من الخيانة الوطنية، ويا وطني سلمتَ، غداً نحققُ مشرقَ الأملِ.