الأخبار

ردود أفعال قانونية وسياسية واسعة،، إطلاق سراح المحكومين والمحتجزين بالنيل الأبيض.. غبار كثيف..

 

لغط قانوني حول الإفراج عن محكومين، والإفراج بالضمان..

مخاوف من أن يُسئ القرار إلى أسس وسمعة العدالة..

قلق من تكرار تجربة الخرطوم بانضمام المجرمين إلى المتمردين..

تقرير: إسماعيل جبريل تيسو

أصدر رئيس النيابة العامة بولاية النيل الأبيض، صالح حسين محمود، قرارًا قضى بالإفراج (بالضمان العادي أو مقدرة ) عن جميع المحتجزين والمنتظرين قيد التحري وقيد المحاكمة والمحكومين بسجون ولاية النيل الأبيض، واستند القرار الذي تلقّت الكرامة نسخة منه على الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، حيث تم توجيه وكلاء أعلى النيابات بالولاية بالتنفيذ الفوري، وكان القرار قد اُتخذ خلال اجتماع مشترك ضم رئيس الجهاز القضائي، ورئيس النيابة العامة، ومدير الشرطة ولاية، ومدير السجون، ومسؤول الدائرة المدنية للمحكمة العليا بولاية النيل الأبيض.

ردود أفعال:
وأثار القرار لغطاً كبيراً وردود أفعال واسعة في الأوساط الاجتماعية بولاية النيل الأبيض، إضافة إلى الدوائر القانونية في السودان التي شددت على ضرورة أن تراجع السلطات المختصة هذا القرار، لما يمثله من تهديد مباشر للأمن والسلم المجتمعي بوجود المتهمين خارج السجون، ورأي الكثيرون أن المنطق كان يتطلب من السلطات المختصة بولاية النيل الأبيض وتقديراً لظروف الولاية التي لا تسمح ببقاء هؤلاء المتهمين، أن يتم نقلهم إلى ولايات أخرى، بدلاً من الإفراج عنهم بالضمان، ذلك أن وجودهم في السجن أو القبض عليهم يمثل إجراءً احترازاً يهدف إلى حماية المجتمع منهم.

سجناء مع المتمردين:
ومنذ بواكير حرب الخامس عشر من أبريل اتهمت القوات المسلحة ميليشيا الدعم السريع باقتحام عدد من السجون وإجبار الشرطة على إطلاق سراح من فيها من النزلاء والمساجين، وشهدت بعض المناطق في العاصمة الخرطوم انضمام الكثير من معتادي الإجرام الذين خرجوا من السجون فجاءة إلى ميليشيا الدعم السريع، فيما شكل الكثير من هؤلاء مطلقي السراح خلايا نائمة للميليشيا المتمردة في بعض الولايات التي اجتاحها الدعم السريع.

المقصد من القرار:
وكشف مسؤول في السلطة القضائية فضّل حجب اسمه لعدم التخويل له بالتصريح أن المقصد من القرار تخفيض عدد النزلاء بسجون ولاية النيل الأبيض للحد الأدنى، وذلك نسبة للظرف الاستثنائي الأمني والاقتصادي، وأبان في حديثه للكرامة أن الأمر ليس مطلق، وإنما هو سلطة تقديرية للنيابة أو المحكمة بحسب الحال، وأضاف أن النيابة قد أصدرت قراراها فيما يلي المنتظرين قيد التحري وقد جاء بسلطة تقديرية لوكيل النيابة بأن يكون الإفراج بالضمانة العادية أو المقدرة حسب ما يقتضيه الحال، مبيناً أن المحاكم ستنظر في شأن المنتظرين قيد المحاكمة وأمر إطلاق سراحهم بالضمانة العادية أو المقدرة، وهي سلطة تقديرية أيضاً، ولا تشمل بالطبع كل المنتظرين، وفيما يلي المحكومين، قال المسؤول في السلطة القضائية، إنه ستشكل دائرة ميدانية من المحكمة العليا للنظر في الأحكام ومراجعتها وإطلاق سراح من يمكن إطلاق سراحه منهم، والتوصية بإصدار أمر عفو من السلطات السيادية لمن يمكن أن ينطبق على جرائمهم إمكانية عفو من رأس الدولة.

عيوب القرار:
ويكشف مولانا مأمون مكي حامد المستشار العام المتقاعد عن عيبين قال إنهما اعتورا رئيس النيابة العامة بولاية النيل الأبيض باتخاذه هذا القرار، أولهما الإفراج عن المتهمين تحت المحاكمة والمحكوم عليهم، مبيناً أن هذا الاختصاص ينعقد للقضاء ولا شأن للنيابة العامة به، ويضيف مولانا مأمون أن العيب الثاني يكمن في أن لفظ (الإفراج بالضمان) تعني بمقابل مالي (إيداع) وهو ما ذهب إليه قانون الإجراءات الجنائية، مبيناً أن الصحيح يهو أن يكون الإفراج بالكفالة أو التعهد، ويجوز أن تكون الكفالة مقرونة بضمان مالي وفقاً لمنطوق ( المادة ١٠٧ وما بعدها من القانون الجنائي ).
سمعة النيابة:
قرار غريب ولا يرتكز على أي أسانيد قانونية، يقول القانوني والكاتب الصحفي الأستاذ أشرف خليل، ويوضح في حديثه للكرامة أن النيابة وباعتبارها مختصة بالدعوى العمومية تباشر مهامها وفق نصوص وجوبية وحاكمة في القانون لا يجوز لها مهما استدعت الضرورة أن تتجاوز القانون لتستجيب إلى المظان والتقديرات الاجتماعية والسياسية المدعى بها، وأكد خليل أن إطلاق السراح العام بالتجاوز للنصوص القانونية الحاكمة يترذل بالنيابة ويضع سمعتها على المحك من حيث خضوعها للسلطة التنفيذية مما يطيح بسمعتها كخصم شريف، مبيناً أن هناك جرائم لا يجوز فيها إطلاق السراح بالضمان العادي كجرائم القتل وتقويض النظام الدستوري، وكذلك جرائم الأموال وجرائم الشيكات والسرقة وخيانة الأمانة، إذ يشترط موافقة الشاكي أو إيداع مبالغ مالي يساوي المبلغ موضوع البلاغ، وقال إن المتهمين سيخرجون بالضمان في جرائم لا يجوز الإفراج عنهم فيها بفضل قرار معيب من النيابة.

حلول عديدة:
ويمضي القانوني والكاتب الصحفي الأستاذ أشرف خليل، أبعد من ذلك ويبين أن المعالجة نفسها لا تفي بالأغراض والضرورات الماثلة، مثل (البصيرة أم حمد) وهي بذلك حسب تقديره تشرعن لذلك الخروج الآبق دون امتلاك وطرح أي ضمانات معقولة للرأي العام بأن ذلك الخروج سيفي بنزع فتيل الأزمة وتأمين الناس، ويضيف خليل أن هناك حلول عديدة لتلك المعضلات والظروف الاستثنائية ليس من بينها إطلاق السراح بالضمان العادي، منبهاً إلى خطورة ما راج بأن قرار النائب العام تم في اجتماع مشترك ضم القضاة في ولاية النيل الأبيض، وهو اجتماع مخزي يضر بالقضاء بعد أن أساء على نحو غير مسبوق بأسس العدالة وسمعتها.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فالواضح أن القرار الذي أصدرها رئيس النيابة العامة بولاية النيل الأبيض قد أثار غباراً قانونياً كثيفاً بشأن تداخل الاختصاصات ما بين النيابة والقضاء، ولعله اختبار جديد لإعمال دراسات ومراجعات مهنية بشأن بعض السلطات المخولة للجهازين منعاً للالتباس وتلافياً لوقوع مثل هذه المواقف، وتبقى المخاوف مشروعة من تكرار تجربة إطلاق سراح النزلاء والمسجونين في ولاية الخرطوم بأن ينضم عتاد المجرمين إلى ميليشيا الدعم السريع سواءً بالانضمام المباشر إلى صفوف القتال أو الاختباء في بعض الولايات كخلايا نائمة تنتظر ساعة الصفر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى