الأعمدة

تسعى بكل السبل للاستئثار بالملف السوداني،، واشنطن.. سباق مع روسيا نحو بورتسودان..

بلينكن يؤكد قيادة مفاوضات جنيف بنفسه..

واشنطن لا تتحرك بمعزل عن أهواء فرنسا وبريطانيا في القارة السمراء..
تخبط مريب بفتح منبر جنيف دون التوصل إلى نتائج في منبر جدة..
الإسراع نحو جنيف، محاولة من إدارة بايدن لحفظ ماء الوجه في الانتخابات..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..

قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إنه سيتولى شخصياً قيادة المفاوضات حول وقف إطلاق النار بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في جنيف السويسرية، وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن محادثات جنيف التي ترعاها المملكة العربية السعودية، تهدف إلى تحقيق وقف شامل للعنف في البلاد، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المحتاجين، بالإضافة إلى إنشاء آلية فعالة للرصد والتحقق لضمان تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل إليه، ومن المقرر أن يشارك في هذه المحادثات التي ستنطلق في الرابع عشر من أغسطس المقبل، كلٌّ من الاتحاد الأفريقي، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والأمم المتحدة بصفة مراقب.
رعاية وفشل:
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة العربية السعودية قد رعتا في السادس من مايو ٢٠٢٣م منبر جدة الذي كان يهدف إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، والتوصل إلى هدنة وتطبيق إجراءات لبناء الثقة بين الجيش والدعم السريع، من أجل تمهيد الطريق ليتوصل الجانبان إلى وقف دائم للعدائيات، إذ اجتهد الوسيط السعودي والامريكي لتكون خطوة وقف العدائيات نقطةً ينطلق منها المنبر التفاوضي للخوض في الشأن السياسي بين السودانيين أنفسهم من أجل وضع الحل الذي يقود سفينة البلاد إلى جودي الاستقرار السياسي والانتقال الديمقراطي، ولكن تبخرت كل هذه الأحلام لعدم التزام ميليشيا الدعم السريع بما تم التوقيع عليه في إعلان جدة.
لوم وتعنيف:
وتُلقي أوساط سودانية باللائمة على الولايات المتحدة الأمريكية، وتُعنِّفُها لعدم اجتهادها في ممارسة ضغوط على ميليشيا الدعم السريع لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في منبر جدة في الحادي عشر من مايو ٢٠٢٣م بشأن خروج الميليشيا المتمردة من منازل وبيوت المواطنين ومن الأعيان المدنية، ولم تكتفِ واشنطن بصمتها الغريب والمريب تجاه تعنت الميليشيا المتمردة في تنفيذ مخرجات منبر جدة، بل دعت إلى جولة ثانية في أواخر أكتوبر ٢٠٢٣م، بعد تعليق الجولة الأولى لنحو أربعة أشهر، وكان من الطبيعي والمنطقي أن تتذوق الجولة الثانية ذات طعم فشل الجولة الأولى، وينفضُّ سامرها دون التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.
دعوة غريبة:
ووجهت الولايات المتحدة الأمريكية الدعوة للقوات المسلحة السودانية دوناً عن الحكومة السودانية لحضور مفاوضات جنيف السويسرية، وأثارت الدعوة الغريبة لغطاً شديداً في الشارع السوداني، واعتبر المتحدث باسم حركة جيش تحرير السودان الصادق علي النور، أن تقديم واشنطن الدعوة للجيش لحضور مفاوضات جنيف دون الحكومة، يمثل اختزالاً للسيادة الوطنية، وعدم الاعتراف بها، وقال النور إنه كان يُفترض أن تُوجه الدعوة إلى الحكومة السودانية، ومن ثم يتم التشاور الداخلي عن الوفد الذي سيفاوض، وتختار بموجب ذلك الحكومة من يمثلها، منتقداً حصر الدعوة الأمريكية بين الجيش والدعم السريع، وتجاوز القوات المشتركة، مبيناً أن الخطوة تعني تجزئة الحلول وإطالة أمد الحرب، باعتبار أن قضية إيقاف الحرب ينبغي أن يشارك فيها الجميع.
تنصل من جدة:
ولم يخفِ الناطق الرسمي باسم حركة جيش تحرير السودان الصادق علي النور اتهامه الصريح للإدارة الأمريكية بمحاولة التنصل من منبر جدة ومخرجاته التي دعت في مايو ٢٠٢٣م ميليشيا الدعم السريع إلى الخروج من منازل المواطنين ومن المرافق والخدمية والأعيان المدنية، مبيناً أن واشنطن تحاول أن تُخرج الدعم السريع من عنق زجاجة مخرجات منبر جدة، وأن تتذرع بالشأن الإنساني ليكون بوابة للهروب النهائي من الاتفاق الذي انتهى إليه منبر جدة، وأبدى الصادق النور استغرابه من بحث واشنطن عن منابر أخرى في ظل وجود منبر جدة، مؤكداً أن الدولة لا يمكن أن تتفاوض والدعم السريع في بيوت الناس.
واجهة استعمار:
ويؤكد خبير في إدارة النزاعات فضّل حجب اسمه إن واشنطن تمثل واجهة الاستعمار الغربي البغيض، فهي لا تتحرك بمعزل عن أهواء المستعمر القديم للقارة المتمثل في بريطانيا وفرنسا، التي قال إنها تعيش علي موارد الشعوب ومدخراتها، وأبان في حديثه للكرامة أن الهم الأكبر لهذه القوى الثلاثية هو التنافس الحاد مع اللاعب الجديد الذي أصبح يمثل تهديداً في أماكن نفوذها القديم، الذي هو الدب الروسي الذي رفع علمه في افريقيا الجديدة وتحديداً دول الساحل الغنية بدلاً عن العلم الفرنسي، مؤكداً أن مفهوم التحرر والانعتاق من اللص القديم، ارتبط بالتحالف الجديد مع القوى العظمي الأخرى التي لا تأريخ استعماري ليها في القارة السمراء، وأكد الخبير في فض النزاعات أن الوجود الروسي في البحر الأحمر يعد امتداداً جيوسياسياً يُقلِق مضاجع الغرب في مناطق اليورانيوم والذهب الممتدة من الساحل وحتى السودان، ويهدد في الوقت نفسه أهم المعابر التجارية العالمية لأهم الحلفاء النفطيين للولايات المتحدة الأمريكية، لذلك يأتي تحرك واشنطن في المنطقة في محاولة لإغلاق الباب أمام المد الروسي وإبقاء حال العالم على ماهي عليه، لتعزيز خيارات النظرية الواقعية الثلاثية في العلاقات الدولية، والتي تضمن الريادة للإمبراطوريات القديمة المتصدعة والتي تسود العالم اليوم.
مؤشرات عديدة:
إسراع الولايات المتحدة الأمريكية إلى نقل التفاوض من منبر جدة إلى بلاد الحياد العالمي سويسرا، له مؤشرات عديدة، هكذا يقول الخبير في فضّ النزاعات والذي مضى في حديثه للكرامة بتفصيل هذه المؤشرات التي يقول إن أهمها هو إبعاد روسيا عن أماكن الصحوة الجديدة في القارة السمراء، باعتبار أن المشروع الروسي لو ارتباط بأشواق الشعوب، مثلما حدث في فترات التحرر الأفريقي في ستينيات القرن الماضي، وقال في حديثه للكرامة إن الخطوة تضمن وجوداً مجانياً للولايات المتحدة الأمريكية أو لحلفائها من لصوص العالم القدماء ( فرنسا وبريطانيا) في قارة الموارد الغنية لإدارتها باعتبار أن أفريقيا تعدُّ الأكثر سوءً في العالم، ونوه إلى أن إدارة جو بايدن تحاول من خلال اهتمامها في بملف الأزمة في السودان ومحاولة إسكات صوت البنادق، إدراك ما يمكن إدراكه من للحفاظ على ما تبقى من ماء وجه في الانتخابات الأمريكية القادمة، باعتبار أن الناخب الأمريكي يرى السودان أكثر تضرراً من غزة في الدمار والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، حيث سببت هذه الحرب أكبر موجة نزوح ولجوء في العالم الحديث.

أطماع في السودان:
ويكشف خبير استراتيجي ذي صلة بالملف أن صراع الإرادات بين كبار دول العالم في المنطقة الأفريقية عامة، وحول السودان بصفة خاصة، ظل سمة سائدة وبأهداف متعددة أبرزها أن تستأثر هذه الدول بموارد السودان دون شعبه، وأن يظل هذا البلد الأفريقي الغني بثرواته وإمكانياته التي تجعل منه سلة غذاء العالم، في حالة صراعات ونزاعات داخلية مستمرة، تقوّض من استقراره لتسهل عملية تجزئته وتفتيته، وقال الخبير الاستراتيجي في حديثه للكرامة إن منبر جدة كان صناعة أمريكية، ومثله منبر وجنيف، مؤكداً أنه ليس في تاريخ التدخل الأمريكي في السودان وتبعاته ما يؤهلها أخلاقياً ولا مهنياً ولا مادياً للاستئثار بملف السودان، ويمنع الآخرين وتحديداً روسيا من أن تحضر وتبسط يدي أفكارها ورؤاها لمعالجة الأزمة، فالمصالح هي الأصل في علاقات الدول، والولايات المتحدة الأمريكية أكثر من أضرَّ بمصالح السودان وأمنه القومي عبر الحقب والشواهد، فقد حالت واشنطن دون تحقيق أمن ونهضة واستقرار السودان من خلال اتخاذ أساليب أصبحت مفضوحة ومكررة، ولكننا لا نتعظ من الدروس والعبر من خلال تعاطينا مع الولايات المتحدة الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى