الأعمدة

عبد الحفيظ حامد يكتب مايرنو ترسم لوحة الفداء والصمود

لعل مايرنو تعد من أشهر مدن السودان والسبب أنها كانت إمتدادا لتاريخ مجيد في غرب إفريقيا حيث كان تأسيسها على أيدي أحفاد المجاهد العلم الشيخ عثمان دان فوديو الذين هاجروا من غرب إفريقيا بعد معركة (ورنو) الفاصلة ضد الاحتلال البريطاني مؤسس مايرنو الأول هو السلطان محمد بيلو بن السلطان طاهر آخر ملوك مملكة صوكتو الإسلامية في شمال نيجيريا التي أسقطها الإنجليز بعد مقاومة شرسة من المجاهدين في معارك كثيرة.
بايع الفولانيون محمد بيلو بعد استشهاد والده السلطان طاهر في معركة ورنو وهو من قاد الهجرة إلى السودان واستقر به المقام في الضفة الغربية للنيل بالقرب من مدينة سنار في موقع مدينة مايرنو الحالي وعلى الفور أقام النظم القانونية والسلطانية وفق الشريعة الإسلامية وفق ماكان متبع عند أسلافه سلاطين صوكتو ولعل اختيار الفولانيون لسنار لم يكن صدفة كما أورد ذلك كثير من المؤرخين ولكني أعتقد أنه بسبب تاريخ سنار الإسلامي اختارها أحفاد دان فوديو موطنا جديدا لهم. ظلت سلطنة مايرنو شامة في المنطقة حيث عرفت بكل ماهو جميل في السودان من تعايش وتواصل وترابط مع كل مكونات السودان ومكان احترام كل أهل السودان وبيوت السودان الكبيرة من إدارات أهلية وطرق صوفية.
تعاقب على العرش السلطاني المايرنوي بعد المؤسس محمد بيلو على الترتيب السلطان محمد الطاهر بن محمد بيلو وخلفه السلطان بيلو محمد الطاهر وخلفه السلطان أبوبكر محمد الطاهر وكان صديقا شخصيا للرئيس الرحل جعفر نميري ثم السلطان الحالي علي محمد طاهر

تلك نبذة تاريخية سريعة تفرض نفسها على كل من يريد الحديث عن مدينة شامخة بهذا العبق التاريخي الجهادي المجيد
ولعل استلهام كل هذا التاريخ المجيد ظهر في هذا الصمود الأسطوري لهذه المدينة في وجه غزاة الجنجويد المعتدين حيث رسمت مايرنو لوحة جهادية كان اللافت فيها مشاركة كل المجتمع المايرنوي شيب وشباب ونساء أطفال والسلطان يجوب المدينة يحرض المواطنين على الاستماتة في الدفاع عن وطنهم كانت النساء يحملن الطعام للصفوف الأمامية أثناء المعركة وفر شباب مايرنو الطعام والماء والإخلاء للجرحي وأقاموا مستشفيات ميدانية وثبتوا الناس وبثوا الطمأنينة فكان المايرنويون يهرعون إلى الأماكن التي تقع فيها دانات القصف العشوائي لإنقاذ الجرحى وستر الموتى في صبر وتضامن وتناصر عز أن تجد له مثيلا وقبل ذلك اخرص أهل مايرنو كل الأصوات المنافقة والطابور الخامس فلا صوت يعلو على صوت الدفاع عن الأهل والأعراض والوطن الكبير نموذج مايرنو حقيق أن يحتذى حذوه في كل ربوع السودان
لكن كانت التضحيات من كل فئات المجتمع كما قدم شباب من عامة أهل مايرنو أرواحهم فداء للدين والوطن ارتقى ابن سلطان مايرنو عبد الرؤوف شهيدا متقدما الصفوف
ولتكتمل اللوحة في مايرنو لم يجلس كبار السن ومن تجاوزت أعمارهم ال80 عاما متفرجين حيث خرجوا للساحات العامة أثناء القصف وفرشوا تبروقاتهم رافعين أيديهم إلى السماء سائلين المولى عز وجل رد كيد المعتدين .. خرج لهم السلطان وخاطبهم قائلا : لن يخيب دعاؤنا عليهم بإذن الله
كانوا الشيوخ يرددون ترد بك الأعداء من كل وجهة فيارب أرمهيم بالشتت ويحثون التراب في اتجاه العدو.
لقد رفع الصمود الكبير لأهل مايرنو بقيادة سلطانهم الروح المعنوية لقادة الجيش وكتائب المجاهدين فالهبوا ظهر العدو ووجهه بالحمم فولى هاربا ولم يعقب. تواترت إشادات القادة العسكريون بمقف مايرنو الفريد في التضحية والفداء والصمود والغوث والإطعام وإخلاء الجرحى وإخراص الطابور الخامس حيث قال أحد كبار الضباط لقد انتصر الجيش بسبب هذه البيئة الداعمة والمساندة بصورة ليتها تتكرر وتحتذى في كل مدن السودان..
مما ورد عن مؤسس مايرنو الأول أنه كان يشيح وجهه عن المفتش الانجليزي عند مقابلته فسأله المفتش لماذا تشيح وجهك عني رد عليه السلطان لأن أجدادك قتلوا أجدادي وأنا أتعامل معك مجبورا بحكم الواقع ولتسيير أمر مواطني منطقتي فصمت المفتش.. وإشاحة الوجه عن القاتل سنة نبوية فرسولنا الأكرم عندما دخل عليه وحشي قاتل عمه أشاح النبي عنه وجهه بسبب كبر جرمه وقال له غيب وجهك عني
فهل يقتدي السيد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان برسلونا الأكرم وأهله الفولانيون فيشيح وجهه عن قتلة الجنجويد.. فلا دور لهم في مستقبل السودان وأن يكون قراره النهائي والحاسم لاتفاوض مع قتلة الشعب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى