الأخبار

هل تنتقل الحرب إلى ولاية النيل الأزرق الاستراتيجية؟

أفادت القوات المسلحة بأنها تمكنت من التصدي لهجوم واسع النطاق شنته قوات الدعم السريع على منطقة قلي، التي تقع على بعد 94 كيلومتراً غرب مدينة الدمازين، في الثالث من أغسطس 2024، مما يعتبر دليلاً على وصول الحرب إلى الولاية رقم 13 من بين 18 ولاية في السودان.

حدث ذلك بعد بضعة أسابيع من دخول قوات الدعم السريع إلى ولاية سنار وفرض السيطرة على مناطق جبل مويه وسنجة والسوكي.

قامت قيادات الدعم السريع بتهديد القوات المسلحة، المتمثلة في الفرقة الرابعة مشاة والتي تقع في الدمازين، عاصمة ولاية النيل الأزرق، بالانسحاب من المدينة، وطلبت من الإدارات الأهلية التدخل لإقناع الجيش بمغادرة المنطقة لحمايتها من مخاطر المعارك.

تهديد مباشر لولاية النيل الأزرق

بعد أسبوعين من الهدوء في هذه المنطقة، تم إعادة الحديث عن إمكانية قيام الدعم السريع بشن هجوم على ولاية النيل الأزرق ومحاولة السيطرة على مدينة الدمازين.

نشر الموقع الرسمي لقوات الدعم السريع مقطعين من الفيديو يتضمنان تهديدات صريحة بالهجوم على ولاية النيل الأزرق.

مقطع الفيديو الأول يمتد لثلاث دقائق و51 ثانية، وقد تم نشره في 15 أغسطس 2024، حيث يُظهر زيارة اثنين من قادة قوات الدعم السريع إلى مسيد الشريف محمد الأمين الخاتم في منطقة “كركوج”.

المقطع الثاني من الفيديو يمتد لدقيقتين و52 ثانية، وقد نُشر في 17 أغسطس 2024، ولم يتم ذكر موقع تصويره. ويظهر فيه حمودة البيشي مع مجموعة من عناصر قوات الدعم السريع.

قام فريق دبنقا للتحقق من مراجعة مقطعي الفيديو، وتبين أنهما من إنتاج وحدة الإعلام الرسمية لقوات الدعم السريع، ولم يتم تصويرهما كما هو معتاد بواسطة الهواتف المحمولة، بل تم نشرهما على الحساب الرسمي لقوات الدعم السريع على منصة إكس.

تم تحضير المحتوى والرسالة بشكل جيد ودقيق، خاصة أثناء زيارة المسيد، لتجنب حدوث أي مشاكل للشيخ محمد الشريف التجاني.

تم تصوير المقطع الأول من الفيديو في كركوج، بينما تم تصوير المقطع الثاني في مقر قيادة الفرقة 17 في سنجة. هذان المقطعان يتمتعان بدقة من حيث المكان والزمان، ولم يتم التلاعب بمحتواهما باستخدام أي تقنيات فنية.

الأوضاع في إقليم النيل الأزرق

على الرغم من وجود قوات الدعم السريع في محلية التضامن فقط، وهي واحدة من 6 محليات في الإقليم، إلا أن الأوضاع الأمنية في الإقليم لا تزال مستقرة حتى الآن في جميع المحليات، بما في ذلك مدينة الدمازين، حيث يعيش سكانها تحت حظر التجوال من ساعات المساء الأولى وحتى فجر اليوم التالي.

من جهة أخرى، تعاني الولاية من ظروف إنسانية صعبة وفقًا لتقارير لجان المقاومة في المدينة، نظرًا لصعوبة توصيل المواد الغذائية والاحتياجات الأساسية، سواء بسبب إغلاق الطرق نتيجة النزاع أو نتيجة الأمطار الغزيرة التي تتساقط على كافة مناطق الولاية.

أدى ذلك إلى نقص في السلع الأساسية وزيادة مستمرة في أسعارها، مما أثر سلبًا على مستوى المعيشة، خاصة مع تدفق أعداد كبيرة من النازحين من ولاية سنار المجاورة بعد دخول قوات الدعم السريع إليها.

تشهد كافة محليات الولاية، بما في ذلك العاصمة الدمازين، انقطاعاً في شبكات الاتصالات منذ أكثر من 50 يوماً، مما يؤثر على التحويلات المالية من خلال التطبيقات البنكية، في ظل نقص السيولة نتيجة امتناع الأفراد والمؤسسات عن استخدام النقود لأسباب تتعلق بالأمن.

على الرغم من أن خدمات الاتصالات بدأت تعود تدريجياً في بعض المناطق، إلا أن هذه العودة تقتصر فقط على خدمة المكالمات لشبكتي زين وسوداني، مما يزيد من معاناة المواطنين.

من جهتها، أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو مؤخراً عن وجود مجاعة في المناطق التي تسيطر عليها، بما في ذلك تلك التي يقودها جوزيف توكا في جنوب ولاية النيل الأزرق.

 

الأهمية الاستراتيجية لولاية النيل الأزرق

تقع ولاية النيل الأزرق في جنوب شرق السودان وتبلغ مساحتها الكلية 45844 كيلومتر مربع ولا يتجاوز عدد سكانها 1 مليون و 200 ألف نسمة مما يجعلها واحدة من أقل الولايات من حيث تعداد السكان. ونتيجة للأوضاع الأمنية في ولاية سنار المجاورة، نزح إلى المدينة ما يزيد عن 100 ألف مواطن وفق تقديرات المنظمات الدولية مما يفرض عبئا كبيرا على الخدمات العامة في الولاية.

ولاية النيل الأزرق ولاية زراعية في المقام الأول وتصل مساحات الأراضي المستصلحة فيها إلى حوالي 4 مليون فدان ويمتهن 65% من سكان الولاية الزراعة كمهنة أساسية بجانب الرعي حيث تقدر ثروتها الحيوانية بحوالي 6 مليون رأس. تعمل أعداد أقل من السكان في صيد السمك والتعدين حيث تتمتع ولاية النيل الأزرق بثروة هائلة من الكروم والذهب والنحاس الأصفر والماغنسيوم وحجر الرخام وحجر الاسمنت.

لكن المنشأة الأهم في الولاية دون شك هي سد الروصيرص الذي يتحكم في عمليات الري في مشروعي الجزيرة والمناقل، كما أنه يمثل أحد أهم مصادر الكهرباء زهيدة الثمن لمناطق واسعة في السودان.

لولاية النيل الأزرق حدود مشتركة مع دولتي إثيوبيا وجنوب السودان الأمر الذي يتيح لقوات الدعم السريع، حال سيطرتها على الولاية، التحكم في كامل الحدود مع جنوب السودان، ما عدا مناطق سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، في النيل الأزرق وجنوب كردفان. كما أن الوصول للحدود مع إثيوبيا يوفر منفذ اسناد لوجستي قريب يقلل الاعتماد على الاسناد القادم من الحدود الغربية للسودان.

تتواجد في الولاية حاليا ثلاث قوات عسكرية في مقدمتها الجيش السوداني الذي يتمركز في مدينة الدمازين وبعض المواقع المتقدمة في المدينة ومنطقة باو التي كانت تسيطر عليها في السابق قوات مالك عقار ومنطقة قلي. بينما تتواجد قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في المناطق المحيطة بالكرمك واولو ويابوس.

في الأول من أغسطس 2024، تجددت الاشتباكات بين الجيش الشعبي لتحرير السودان (جوزيف تاجو) والقوات المسلحة السودانية في بلدة دنديرو بمحلية الكرمك، النيل الأزرق. ووفقا لمنظمة الهجرة الدولية فإن 25 أسرة نزحت من بلدة دنديرو إلى مواقع أخرى داخل محلية الكرمك.

أما قوات الدعم السريع فينحصر وجودها في منطقتي رورة وجريوة الواقعتين على بعد 75 و 82 كيلومتر إلى الشرق من الدمازين، وقد أكدت مصادر في لجان مقاومة الدمازين لفريق دبنقا للتحقق تواجد قوات الدعم السريع في محلية التضامن.

الدعم السريع يشدد الحصار

منذ دخولها ولاية سنار، تتقدم قوات الدعم السريع بحذر شديد في اتجاه ولاية النيل الأزرق. ويبدو أن ذلك مرتبط بالعديد من العوامل الخاصة بالتركيبة السكانية في الولايتين والتوترات بين المجموعات السكانية المختلفة.

ويؤكد الهجوم التي ارتكب يوم الجمعة الماضي 16 أغسطس 2024 في قرية جلقني في جنوب ولاية سنار وجود هذه المصاعب، مثلما تؤكدها أيضا زيارة قيادات عسكرية من الدعم السريع لمسيد الشيخ محمد الأمين الخاتم في كركوج.

يضاف إلى ذلك، نجاح الجيش السوداني في قتل عبد الرحمن البيشي في نهاية شهر يوليو الماضي في غارة جوية، وهي خسارة فادحة لقوات الدعم السريع لقائد له قدرات كبيرة ومن أبناء المنطقة وكان يعمل في قيادة قوات الدعم السريع في مدينة الدمازين قبل اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023، الأمر الذي وفر له معرفة جيدة بالمنطقة وتعقيداتها.

وتمثل مدينة الدمازين الهدف الرئيسي لقوات الدعم السريع في ولاية النيل الأزرق حيث ستقود السيطرة عليها إلى التوسع في كامل الولاية من دون أي مصاعب. ويوجد في الدمازين مقر الفرقة الرابعة المشاة، كما أن بها مطار تستخدمه القوات المسلحة لإيصال الامدادات للولاية، وتستخدمه كقاعدة انطلاق لبعض مهماتها العسكرية الجوية.

وتنتشر قوات الدعم السريع في نصف دائرة تمتد من مناطق جنوب الدندر إلى الشرق من مدينة الدمازين، مرورا بمدينة سنجة والسوكي إلى الشمال من المدينة وعلى ضفتي النيل الأزرق وانتهاء بالمزموم ورورة وجريوة إلى الغرب من مدينة الدمازين.

ومن المؤكد أن فصل الخريف يعوق تحركات القوات والمعدات في مختلف مناطق الولاية ويجعل من الصعب شن هجوم واسع متزامن على مدينة الدمازين، بينما يعرض استخدام الطريق الرئيسي القادم من الشمال قوات الدعم السريع لخطر القصف بالطيران.

وفي انتظار التطورات على الصعيد العسكري، تستمر معاناة المواطنين في ولاية النيل الأزرق، التي أصبحت ولاية تحت الحصار وليس مدينة تحت الحصار كما هو الحال في الفاشر والأبيض وسنار وغيرها من المدن المحاصرة. معاناة بلا حدود للمواطن: نقص في الغذاء وارتفاع في أسعار الضروريات وغياب الخدمات الأساسية وانقطاع الاتصالات، وفوق هذا وذاك المخاوف الأمنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى