تقارب فرضه الواقع الذي تعيشه الدولتان،، السودان وروسيا.. شراكة قادمة..
وزير الدفاع ينهي زيارة ناجحة ومثمرة إلى روسيا..
الحكومة السودانية تنحاز لمصالحها مع موسكو ..
الجيش يسعى إلى تقوية دفاعاته بعد حسم الحرب لصالحه..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو.
يبدو أن ماكينة التقارب الماشي بين السودان وروسيا، تواصل الدورات بشكل متسارع، متجاوزة المعطيات السياسية والأمنية التي تُحدق بالبلدين، فلم تصمت أجواء البلدين من حركة وأزيز الطائرات وهي تنقل كبار المسؤولين من موسكو وإلى بورتسودان وبالعكس، في زيارات متبادلة تبحث سبل تعزيز التعاون المشترك بما يدفع خطى علاقة البلدين على طريق التعزيز والتطوير والمتانة في العديد من المجالات التي تخدم مصلحة شعبي البلدين، لاسيما وأن الكثير من المشتركات تجمع روسيا بالسودان في الراهن الماثل، حيث يواجه البلدان تحديات متعلقة بمحاولات التدخل الخارجي في شؤونهما الخاصة وإعاقة جهودهما لتعزيز الاستقرار والتنمية.
زيارة وزير الدفاع:
وتشكل زيارة وزير الدفاع يس إبراهيم التي اختتمها إلى روسيا على رأس وفد رفيع المستوى، أهميةً كبرى في مسار تعزيز علاقات التعاون المشترك في المجال العسكري، وهذا ما أكده السفير محمد الغزالي التيجاني سراج سفير السودان بروسيا الذي قال إن الوفد السوداني برئاسة وزير الدفاع، أجرى خلال الزيارة لقاءات ثنائية مع قيادات روسية رفيعة تتعلق بسبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، واصفاً مخرجات هذه اللقاءات بالإيجابية والتي تتوافق مع التطورات الحالية التي تضخ دماء التعاون والتقارب في شرايين العلاقة التي بين موسكو والخرطوم.
دعم روسي للسودان:
وكان وفد روسي رفيع يمثل وزارتي الخارجية والدفاع قد حطّ رحله بمطار بورتسودان في أبريل الماضي وأمضى يومين كاملين في المدينة الساحلية بحث مع المسؤولين في الحكومة السودانية سبل تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، حيث أكد نائب وزير الخارجية ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا ميخائيل بوغدانوف، دعم بلاده لسيادة السودان ووحدته والشرعية القائمة فيها، والمتمثلة في مجلس السيادة الانتقالي بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، واعتبر بوغدانوف زيارة الوفد الروسي للسودان تعبيراً عن هذا الموقف، حيث ترفض روسيا التدخلات الأجنبية في السودان ومخططات تمزيقه.
التوجه شرقاً:
ومنذ اندلاع تمرد ميليشيا الدعم السريع في الخامس عشر من أبريل ٢٠٢٣م، بدأت الكثير من الأوراق تتبعثر في المشهد الإقليمي والدولي، أتضحت معها الكثير من الصور وتباينت المواقف، فعرف السودان عدوه من صديقه، لذلك كان اهتمام قيادة البلاد بأن تيمم وجهها شرقاً شطر روسيا، للتلويح بورقة مهمة في وجه الغرب، وبعض دول الإقليم، بأن الحكومة السودانية ماضية بثقة في الانتصار لمصلحتها بالوصول إلى تفاهماتها مع الدب الروسي إلى مراحل متقدمة تنتهي بتنفيذ التزام الخرطوم تجاه موسكو وتفعيل البروتكول واتفاق التعاون المشترك في المجال العسكري والأمني الذي يسمح لروسيا بناء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر.
التزام عسكري:
وكان سفير السودان لدى روسيا محمد الغزالي التيجاني سراج، قد استبق زيارة وزير الدفاع السوداني يس إبراهيم إلى موسكو بتصريحات أكد خلالها الخرطوم لن تتخلى عن التزاماتها تجاه موسكو ببناء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، وقال الغزالي بحسب وكالة سبوتنيك الروسية إنّ المشكلة تكمن في بعض المسائل الإجرائية، مبيناً أن القاعدة الروسية تمثل “نقطة دعم لوجستي في البحر الأحمر”، ونوه السفير إلى أن السودان وروسيا كانا قد وقعا على الاتفاقية التي سيتم بموجبها بناء القاعدة الروسية على البحر الأحمر، ما يعني أن “من واجبهما تنفيذ المشروع”.
واقع متشابه:
التقارب ما بين السودان وروسيا فرضه الواقع الذي تعيشه الدولتان، فكلتا الدولتين تخوض حرباً ضروساََ وتحتاج كل منهما إلى تقوية موقفها العسكري في الميدان، هكذا ابتدر الإعلامي والباحث الأستاذ الركابي حسن يعقوب إفادته للكرامة، مؤكداً حاجة السودان الملحة إلى الدعم العسكري الفني واللوجستي الروسي لحسم معركة الكرامة لصالحه ضد ميليشيا الدعم السريع، مبيناً أن السودان يسعى إلى تقوية دفاعاته حتى بعد حسم الحرب لصالحه، حيث تبرز الحاجة إلى إعادة بناء الجيش وهي عملية ضرورية يحتاجها أي جيش خارج من غمار حرب طويلة، ولما كان موقف الغرب وعلى رأسه أمريكا من الحرب السودانية ينحاز عملياََ إلى جانب ميليشيا الدعم السريع، فإن السودان ينظر إلى ذلك بعين السخط، وبالتالي لا يرجو ولا ينتظر دعماََ أو مساندة من أمريكا وحلفائها، ويضيف الركابي أن روسيا التي تخوض حرباََ ليست ضد أوكرانيا فحسب وإنما ضد القوى الغربية الفاعلة، تبدو في أشدِّ الحاجة إلى موطئ قدم لها على البحر الأحمر يوفر لها نقطة تزود وإمداد لوجستي تحتاجه في مواجهتها.
تبادل مصالح:
ولا يبتعد الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق شرطة دكتور جلال تاور عن رؤية الأستاذ الركابي حسن يعقوب، ويقول في إفادته للكرامة إن علاقة السودان بروسيا ليست وليدة اليوم أو الأمس، وإنما هي قديمة منذ الرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري، ونوه الفريق تاور إلى أن معظم التسليح والمعدات الحربية التي يمتلكها الجيش السوداني في عهد الرئيس نميري، كانت روسية الصنع وخاصة الدبابات تي ٥٥ والتي مازالت موجودة وداخل نطاق الخدمة حتى الآن، وأكد الفريق تاور أن السودان يحتاج حالياً إلى روسيا مثلما احتاج إليها في عهد الرئيس السابق عمر البشير، مبيناً أن الصورة أصبحت أكثر وضوحاً، مشيراً إلى المخطط الأمريكي بالتدخل في الشأن السوداني، والذي نجح من قبل في فصل الجنوب، بدعم وإسناد المجتمع الغربي الذي وقف بأكمله خلف انفصال الجنوب، وها هو المجتمع الغربي نفسه يحاول إعادة الكَرّة لتقسيم ما تبقى من السودان بدايةً بدارفور، وقال الخبير الاستراتيجي والعسكري الفريق شرطة دكتور جلال تاور إن كنا حريصين على وحدة السودان وسلامة أراضيه والحفاظ على ما تبقى منه، وخلق دولة قوية متماسكة في المنطقة، فينبغي أن نتوجه شرقاً ونمضي في ذلك حتى نقيم تحالفات قوية مبنية على التعاون المشترك وتبادل المصالح بما ينفع السودان وشعبه.
خاتمة مهمة:
على كلٍّ فقد حزم السودان أمره وأطلق العنان لسفينته بالتوجه شرقاً دون أن تبالي برياح الكيد والمؤامرات التي يحيكها الغرب، أو محاولات المغازلة الأمريكية بمد جزرة الترغيب والتحبيب وتقديم التنازلات، فقد عبرت الحكومة فخّ جنيف بثباتها على مواقفها، ولعلها ثمرة ناضجة أفرزتها شجرة الحرب التي سترمي بظلال بعيدة تبحث عن مصلحة السودان وليس سواها.