خطوات مهمة باتجاه التطبيع النهائي في المجالات كافة،، السودان وروسيا.. تفاهمات اقتصادية وشراكات استراتيجية ..
توجه منطقي للسودان في ظل بروز ملامح لنظام عالمي جديد..
مخرجات مهمة لزيارة وفد البنك المركزي الروسي لبورتسودان..
توافق على تقليل الاعتماد على النقد الأجنبي باستخدام العملة الوطنية..
السفير علي يوسف: تحول مهم في الاقتصاد والتجارة الدولية..
د. هيثم فتحي: الزيارة ستزيل معوقات الاستثمارات الروسية في مختلف المجالات..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو.
تمضي العلاقات السودانية الروسية على خطى الواثق وصولاً إلى مرحلة التطبيع النهائي في مختلف المجالات، وشهدت الأشهر الأربعة الماضية حراكاً متصلاً ومتواصلاً بين المسؤولين في البلدين بغية التوصل إلى تفاهمات في مجالات التعاون المشترك سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وشكَّلت زيارة الوفد المصرفي رفيع المستوى من البنك المركزي الروسي الذي أنهى زيارة ناجحة ومثمرة إلى مدينة بورتسودان، شكَّلت منعطفاً مهماً في مسار العلاقة ما بين الخرطوم وروسيا عطفاً على القضايا التي بحثها مع الجانب السوداني، وارتكازاً على التشابه القائم بين المعطيات الاقتصادية لكلا البلدين اللذين يخوضان غمار حرب وجودية ارهقت جسديهما ودكّت أرضية اقتصاديهما دكاً دكا.
تفاكر مصرفي:
وتفاكر وفد البنك المركزي الروسي مع نظيره السوداني حول السبل الكفيلة لتطوير وتعزيز العلاقات المصرفية بين السودان وروسيا، وفتح آفاق جديدة للتعاون بين البلدين في المجال المالي والمصرفي، من خلال تبني أحدث التقنيات لتحسين كفاءة وفعالية الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء في كلا البلدين، بالإضافة إلى بحث مجموعة من الفرص الواعدة للتعاون المصرفي، وتبادل التجارب المصرفية والمالية، من بينها تسهيل الدخول في علاقات مراسلة مصرفية بين البنوك السودانية والروسية وفتح فروع في كلا البلدين بما يسهم في دعم التبادل التجاري وزيادة حجم الصادرات والواردات بين السودان وروسيا.
العملات الوطنية:
وطرقت مباحثات وفدي البنك المركزي الروسي والسوداني باباً مهماً يتعلق بإمكانية استخدام العملات الوطنية ( الجنيه السوداني والروبل الروسي ) في تسوية المعاملات التجارية بين البلدين، في توجه من الخرطوم وموسكو لتقليل الاعتماد على العملات الأجنبية، في ظل الوضع الاقتصادي الخانق الذي يكابده البلدان، وعلى الرغم من تقليل بعض المراقبين الاقتصاديين من تأثيرات الخطوة على حل أزمة نقص العملات الأجنبية الصعبة كالدولار، إلا أن الفكرة تعكس جدية البلدين في التعاون معاً من أجل محاصرة انفلات العملات الأجنبية التي استغلت فرصة الحرب فمارست ارتفاعاً جنونياً مقابل العملة الوطنية.
استثمارات المعادن:
ولما كانت روسيا تشكل وجوداً مهماً في قطاع المعادن في السودان فقد كانت زيارة وفد البنك المركزي الروسي سانحة لبحث ومناقشة فرص الاستثمار المشترك في قطاع المعادن الذاخر بالموارد المعدنية التي يتميز بها السودان وفي مقدمتها المعدن النفيس الذهب، حيث تداول الجانبان السوداني والروسي سبل دعم وتعزيز الاستثمارات الروسية في قطاع المعادن والدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه القطاع المصرفي في كل من السودان وروسيا في تمويل هذه المشروعات الحيوية التي ستعود بالنفع على تطوير قطاع المعادن في السودان وتعزز من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين الخرطوم وموسكو، وقد أكد الوفدان تطلعهما لمواصلة العمل المشترك والتنسيق المستمر لتحقيق أهداف التعاون المصرفي على المدى الطويل، بما يحقق مصالح البلدين وشعبيهما.
توجه منطقي:
ويبتدر السفير دكتور علي يوسف الشريف سفير السودان الأسبق لدى الصين والاتحاد الأوربي حديثه للكرامة منوهاً إلى التغييرات المهمة التي تحدث في خارطة توزيع القوة العالمية، وبداية بروز ملامح لنظام عالمي جديد، متعدد الأقطاب بديلاً لأُحادية الولايات المتحدة الأمريكية التي تبدو في طريقها إلى زوال، وفي ظل الضغوط التي تمارسها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة، سواءً تل أبيب، أو أبوظبي على الخرطوم من خلال دعم ميليشيا الدعم السريع، فقد اتجه السودان لخلق علاقات وبناء تحالفات وثيقة ومهمة مع روسيا التي قال إن لها علاقات تأريخية مع السودان، خاصة وأن تسليح الجيش السوداني أغلبه روسي، وأبان السفير دكتور علي يوسف أنه من الطبيعي أن يتحالف السودان مع الدول التي تسانده وتدعمه عسكرياً وسياسياً.
تحوُّل في التجارة الدولية:
ووصف السفير دكتور علي يوسف الشريف سفير السودان الأسبق لدى الصين والاتحاد الأوربي زيارة الوفد البنك المركزي الروسي للسوان بالمهمة ارتكازاً على المكانة الاقتصادية الكبير لروسيا، ودورها الفعَّال في التجارة الدولية والاستثمارات الخارجية، وامتدح السفير علي يوسف في إفادته للكرامة اعتزام السودان وروسيا أن يكون التبادل التجاري بين البلدين بالعملات المحلية بدلاً من وساطة الدولار، وقال إن الخطوة تعتبر تحولاً مهماً في التجارة الدولية والاقتصاد الدولي، تشاكل التجربة الصينية التي قال إنها خطت خطوات متقدمة جداً في هذا المجال باستخدام بكين عملتها الوطنية “يوان ” كعملة وسيطة في المعاملات التجارية بين الصين والدول الأخرى، مبيناً أن التوجه بأن يكون التبادل التجاري بين الخرطوم وموسكو بالعملة الوطنية شيءٌ إيجابي فيه استغلالية للقرار الاقتصادي التجاري السوداني، ونوه السفير علي يوسف الشريف على ضرورة وجود تعاون عالي على مستوى البنوك والمصارف والمؤسسات المالية بين السودان وروسيا من جهة، وبين الدولتين مع دول أخرى كالصين والهند من جهة أخرى.
خبرات روسية:
ورغم أن حجم التبادل التجاري الحالي بين السودان وروسيا يبلغ فقط 500 مليون دولار، إلا أن المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي أقر بإمكانية أن يستفيد السودان من الخبرات الروسية في العديد من المجالات والقطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الزراعة والثروة الحيوانية والتعدين والمصنوعات الجلدية والنفط إضافة إلى السكك الحديدية والسدود والكهرباء خاصة، وقال دكتور هيثم فتحي في إفادته للكرامة إن روسيا وبجانب أنها تمتلك أكبر صندوق للاستثمار المباشر، فهي تتميز بخبرات تراكمية هائلة في زراعة القمح، إذ تعتبر من أكبر مصدري القمح في العالم لما تمتلكه من تكنولوجيا حديثة في هذا المجال، وبالتالي فإن تعاون السودان مع روسيا سيكون له مردودات إيجابية كبيرة على الاقتصاد.
إزالة معوقات:
وتوقع المحلل الاقتصادي دكتور هيثم فتحي أن تسهم زيارة الوفد الروسي والاجتماعات التي عقدها مع الجانب السوداني في إزالة المعوقات أمام استثمارات روسية في مختلف المجالات.. وحول اعتزام السودان وروسيا استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية، اعتبر دكتور هيثم الخطوة حلاً جزئياً يشمل التبادل التجاري بين السودان وروسيا فقط، مبيناً أن الروبل الروسي ليس بإمكانه أن يحل أزمة نقص الدولار، ولكن إذا تم اتخاذ هذه الخطوة رسمياً فإن ذلك من شأنه أن يعمل على تيسير التعامل بين السودان وروسيا، على مستوى التبادل التجاري، ما قد يُلقي بظلاله لاحقاً على أزمة توافر العملات الأجنبية لكن في حدود حجم التعاملات الاقتصادية بين البلدين.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فإن زيارة الوفد المصرفي الروسي رفيع المستوى إلى السودان قد مثلت وبحسب مراقبين خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي بين السودان وروسيا، ووهي خطوة سيكون لها انعكاس إيجابي على فتح الباب واسعاً أمام مزيد من حركة الشراكات الاستراتيجية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار المالي في كلا البلدين اللذين يصران على الوصول بتعاونهما إلى غاياته المنشودة، ومن سار على الدرب وصل.