اندبندنت البريطانية: السودان بين حكومتين… كل السيناريوهات السيئة متوقعة.
أعلن الطرفان المتحاربان نيتهما تشكيل وزارتين في بورتسودان إحداهما تابعة للجيش وأخرى بالخرطوم تخص “الدعم السريع”
ملخص
توعد طرفا حرب السودان بحسم المعركة عسكرياً لصالحه قريباً مما يعد مؤشراً خطراً قد يؤدي إلى طول أمد هذا الصراع واتساع رقعته جغرافياً.
ما إن اختتمت مفاوضات جنيف التي رعتها الوساطة الأميركية – السعودية لحل الأزمة السودانية خلال الفترة من الـ14 إلى الـ23 من أغسطس (آب) الجاري دون أن تفلح في وقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين (الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”)، تصاعدت حدة القتال على جبهات عدة في ولايات الخرطوم ودارفور والجزيرة وسنار باستخدام الطيران الحربي والقصف المدفعي، فضلاً عن توعد كل طرف للآخر بحسم المعركة عسكرياً لصالحه قريباً، مما يعد مؤشراً خطراً قد يؤدي إلى طول أمد هذا الصراع واتساع رقعته جغرافياً.
وفي الوقت نفسه أعلن الطرفان المتحاربان نيتهما تشكيل حكومة في كل من بورتسودان تابعة للجيش وأخرى في الخرطوم تخص “الدعم السريع”، وهو ما يطرح ثمة تساؤلات عن مدى واقعية إعلان هاتين الحكومتين، وأثرها في مستقبل الدولة السودانية، وموقف المجتمع الدولي والإقليمي منها؟
واقع مرير
علق المتخصص في الاقتصاد السياسي حسن بشير محمد نور بقوله “على رغم أن محادثات جنيف كانت الأهم في الشأن السوداني منذ اندلاع الحرب، لكنها لم تحقق اختراقاً في جانب وقف العدائيات بين الجيش و’الدعم السريع’، ناهيك بوقف إطلاق النار، فيما نجحت نسبياً في التوصل إلى في فتح ممرين أمنيين في كل من أدري على الحدود الغربية والدبة شمالاً لإدخال المساعدات الإنسانية للمتضررين في ولايات البلاد المختلفة، وذلك لتتصدى للمجاعة التي بدأت تفتك بأعداد كبيرة من السودانيين، بخاصة في معسكرات النزوح بدارفور، فضلاً عن انتشار الأوبئة الفتاكة كالكوليرا والحصبة والملاريا، إلى جانب آثار السيول والفيضانات فجميعها أزمات تكالبت على الشعب السوداني”. وتابع، “في تقديري إن قول قائد الجيش عبدالفتاح البرهان خلال لقائه مع الصحافيين في مدينة بورتسودان أول أمس السبت بأن الحرب في بلاده لن تتوقف إلا بهزيمة ‘الدعم السريع’، هو هدف يبدو طويل الأجل، خصوصاً أنه جاء على لسانه قوله إنه بإمكانهم الصمود لـ100 عام، مما يشير إلى أنهم كقادة عسكريين غير مقتنعين بأن النصر أو الحسم العسكري لهذه الحرب سيكون قريباً مما من شأنه أن يزيد معاناة السودانيين، سواء الموجودون داخل البلاد وخارجها”.
واعتبر محمد نور أنه “في الوقت نفسه أفصح البرهان عن أنهم ماضون نحو تشكيل حكومة لتسيير أعمال الفترة الانتقالية كما سماها، لكن غير معروف أي فترة انتقالية يعنيها وفي أي بلد، وفي المقابل صرح مستشار ‘الدعم السريع’ الباشا طبيق بأن تعنت قيادات الجيش ورفضها للتفاوض قد يقودهم لإعلان حكومة في الخرطوم، بالتالي نجد أن إرهاصات التقسيم بدت واضحة، ويبدو أن البلاد تسير نحو التشظي، إضافة إلى أن هناك دعوة ثالثة من أطراف أخرى لتشكيل على ما يبدو حكومة منفى، وبهذه الصورة فإن كل السيناريوهات السيئة متوقعة”. وأردف “بالنسبة إلى المجتمع الدولي لا يبدو أن هناك رؤية واضحة من جانبه للتعامل مع هذا الواقع المرير، فلا أعتقد سيفعل شيئاً بل سيكون موقفه كما جرى في الدول المتشظية مثل ليبيا التي توجد بها ثلاث حكومات، وهناك التجربة الصومالية، فضلاً عن مسألة العراق التي أصبحت أمراً واقعاً من خلال المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد، وكذلك سوريا التي يوجد بها مناطق خارج سلطة الحكومة الموجودة في دمشق”.
وزاد المتخصص في الاقتصاد السياسي، “غالباً سيتعامل المجتمع الدولي مع تشكيل مثل هذه الحكومات كأمر واقع لأنه في الأساس إذا كان لديه دور يريد اتباعه فسيكون في إيقاف الحرب وليس حول كيف يتعامل مع هذا الشتات من الحكومات، لذلك يجب أن يكون التعامل مع الحق وليس مع الحكومات التي يتم تشكيلها، والتي لا قيمة لها لأنها لا تحظى بأي سند أو تمثيل شعبي، بخاصة أن شرعية البرهان آتية من الانقلاب الذي نفذه خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2021 ضد حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك برفقة قائد ‘الدعم السريع’ محمد حمدان دقلو (حميدتي) وحصل التخاصم والحرب بينهما، وفي المقابل أصبح من الجانب الآخر (الدعم السريع) يفرض سلطته بقوة السلاح على المناطق التي يسيطر عليه”.
وأضاف، “بالتالي لا يمكن أن تكون هناك حكومة مدنية حقيقية فاعلة مهما كانت من أي طرف، إذ إنها ستكون لعبة في يد الجنرالين المتحاربين وستكون من ضمن لعبة الحرب ومعاناتها ولن تحل أية مشكلة من مشكلات البلاد، وبما أن المجتمع الدولي لم يعترف بحكومة البرهان بعد انقلابه عندما كانت تضم ‘الدعم السريع’ فمن الطبيعي أن لا يتعامل مع أي حكومة جديدة لكلا الطرفين والاعتراف بها، بخاصة أن المجتمع الغربي ممثلاً في الولايات المتحدة وحلفائها والاتحاد الأوروبي، ظل يتعامل مع الجيش و’الدعم السريع’ كقوتين عسكريتين لا يمثلان الجانب المدني، بالتالي هذا مؤشر يؤكد عدم اعترافهم بأي حكومة ينوي أي طرف تشكيلها باعتبار أن ما بني على باطل فهو باطل”.
وأشار محمد نور إلى أنه “بالنسبة لتطورات الحرب فإنها بلا شك ستستعر عقب انتهاء فصل الخريف الحالي الذي حد من تحركات قوات ‘الدعم السريع’، بخاصة في المنطقة المتاخمة لحدود ولاية القضارف، وكذلك حدود النيل الأزرق، ومن المؤكد أنه إذا كانت هذه القوات تسعى لتشكيل حكومة والتي تتطلب سيطرة على أرض متماسكة، فإنها ستعمل قدر الإمكان على إسقاط الجيوب الموجودة بصورة أساسية في النيل الأبيض وبعض مناطق كردفان والفاشر”.
عزلة داخلية
من ناحية أخرى قال الكاتب والسفير السابق في وزارة الخارجية السودانية العبيد أحمد مروح، “في اعتقادي أن إعلان حكومتين في السودان لم يعد أمراً واقعاً، على رغم فشل المحادثات التي جرت في جنيف، وعدم ظهور بادرة في الأفق المنظور لوقف إطلاق النار في السودان”. وأضاف “صحيح أن لخبراء الدستور جملة ملاحظات على الأساس الدستوري الذي تقوم عليه السلطة السودانية الحالية، والتي تتخذ من بورتسودان عاصمة إدارية موقتة، لكنها في نهاية الأمر هي التي يتعامل معها المجتمع الدولي بما في ذلك الأمم المتحدة، وليس مستغرباً أن يعلن تشكيل حكومة كاملة، على أساس الوثيقة الدستورية الموقعة في 2019، بخاصة أنه لم يتم التخلي عنها بواسطة السلطة القائمة، بل لا تزال القرارات تصدر على أساسها”.
وواصل مروح، “بالتالي فإن إعلان أي قوى مدنية أو عسكرية أخرى، كما في حال ميليشيات ‘الدعم السريع’ وتنسيقية القوى المدنية (تقدم) حكومة في المناطق التي لا تخضع لسيطرة القوات المسلحة، كسلطة أمر واقع، سيكون في تقديري مغامرة غير محسوبة العواقب، وقد ترتد عليهما بنتائج عكسية وتزيد من عزلتهما الداخلية، بخاصة أن مأساة فصل جنوب السودان في عهد النظام السابق لا تزال حاضرة في أذهان السودانيين”. وأردف، “أما على الصعيد الخارجي فلا أعتقد أن وضعاً كهذا، إن حدث، سيجد من يعترف به، وهو في أحسن الأحوال سيكون مثل الوضع في أرض الصومال أو قبرص التركية”. ومضى السفير السابق “أعتقد أنه لا يزال أمام المجتمع الدولي والإقليمي فرصة لإيجاد تسوية سياسية في السودان تقود إلى وقف الحرب، من خلال دعم جهود الاتحاد الأفريقي في استكمال خطوات الحوار السوداني – السوداني وذلك تأسيساً على التجربة التي رعتها القاهرة في مطلع يوليو (تموز) الماضي، وسيكون من شأن ذلك تخفيف حدة التجاذبات السياسية بين الفرقاء السودانيين، مما سينعكس على أوضاع المتقاتلين في ميدان المعركة”.
تدخل خارجي
من جانبه يرى الكاتب السوداني ماهر أبو الجوخ أن “مسألة إعلان حكومتين في السودان أمر وارد وغير مستبعد، بخاصة في ظل تمسك مجموعة بورتسودان بانتزاع الصفة الشرعية كأحد شروطها للانخراط في المفاوضات، وهو ما سيشجع ‘الدعم السريع’ على الإسراع في إعلان حكومة موازية في مناطق سيطرته، لكن التداعي الكارثي لهذا التوجه هو انعكاسه على مجمل الأوضاع العسكرية بشروع الطرفين في التمدد على حساب الطرف الآخر لتعزيز الشرعية، مما يعني شروعهما فعلياً في توسعة دائرة الصراع العسكري بينهما بوتيرة أعنف من السابق، فإذا كانت الحرب خلال الـ16 شهراً الماضية أحرقت معظم مكتسبات البلاد، فإن مؤشرات ومعلومات استعدادات الطرفين للجولة الجديدة يظهر أنهما سيدكان ما تبقى من بنى تحتية، وهو تأكيد عملي لوعيد منسوبي النظام السابق وحزب البشير المحلول أما نصر كاسح أو تدمير شامل”.
وتابع أبو الجوخ “الوضع الدستوري في السودان منذ انقلاب أكتوبر 2021 لا يحظى بالاعتراف الدولي والإقليمي، إذ إن عضويته مجمدة في الاتحاد الأفريقي، فضلاً عن انسحاب حكومة بورتسودان من منظمة (إيغاد)، لكنها احتفظت بعضويتها في جامعة الدول العربية لاعترافها بالسلطة القائمة، ومن المؤكد أن الوضع السوداني يختلف عن الوضع اليمني الذي تم فيه الاعتراف إقليمياً ودولياً بحكومة عدن في مواجهة الحوثي الذي يسيطر على العاصمة صنعاء، لذلك أن السيناريو الأرجح في نظري يتمثل في استمرار المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بالطرفين المتحاربين مع عدم استبعاد حدوث تصدعات أفريقية عربية في مسألة الاعتراف بأي من الحكومتين”. وزاد “لكن السياق العام يشير إلى أمرين مهمين، الأول عدم إقدام أياً من الطرفين على إعلان حكومة ما لم يتحصل على ضمانات إقليمية ودولية للاعتراف بها حتى لا تحدث له نكسة دبلوماسية وسياسية، والثاني هو التعامل مع الطرفين كأمر واقع كل في نطاق سيطرته كما حدث خلال مفاوضات جنيف الأخيرة دون أن يترتب على ذلك أي اعتراف بالحكومات المشكلة”.
وختم الكاتب السوداني، “في ظل هذه التداعيات فإن مستقبل الدولة السودانية يواجه أخطاراً عديدة منها تزايد العنف والتدمير بسبب تطاول أمد الحرب، فضلاً عن ترسيخ واقع التقسيم، والذي قد ينتج دولتين متكارهتين، إضافة إلى استمرار نظرية الطلاق والتفتت لتعم أماكن أخرى، بالتالي اختفاء السودان من الخريطة، لكن الترياق الذي بإمكانه منع هذا السيناريو المدمر هو تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين، وهذا أمر بعيد المنال في الوقت الحالي، مما يعني حرباً طويلة الأمد أو تدخلاً خارجياً ذا طابع إقليمي أو دولي أو خليطاً يجبر الطرفين على وقف الحرب قسراً لا اختياراً”.