محللون سياسيون : خطة جديدة من “الإسلاميين في السودان”
اعتبر خبراء أن تعيين علي كرتي رئيسًا لما يُعرف بالتيار الإسلامي العريض من قبل جماعة الإخوان المسلمين في السودان يشير إلى وجود استراتيجية جديدة تهدف إلى اطالة الصراع المستمر في البلاد منذ أكثر من عام ونصف. هذه الخطوة تأتي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات سياسية واقتصادية متزايدة.
تواجه جماعة الإخوان، التي كانت في السلطة خلال فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير، اتهامات متزايدة بإشعال فتيل النزاع القائم بين الجيش وقوات الدعم السريع. يُعتقد أن هذه الجماعة تسعى إلى استعادة نفوذها السياسي الذي فقدته بعد الثورة الشعبية في 19 أبريل 2019، والتي أدت إلى الإطاحة بالبشير.
في ظل هذه الظروف، يبرز تساؤل حول مدى تأثير هذه التحركات على مستقبل السودان، حيث تتزايد المخاوف من تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية. يتوقع المراقبون أن تستمر التوترات في البلاد، مما قد يؤدي إلى مزيد من الانقسام والصراع بين القوى المختلفة.
منذ اندلاع النزاع العسكري في 15 أبريل 2023، سارع مؤيدو الرئيس السابق عمر البشير، بقيادة علي كرتي، إلى دعم الجيش وأعلنوا انخراطهم في القتال بجانبه من خلال مليشياتهم المتنوعة، حيث يُتهمون بأنهم يتحكمون حاليًا في قرار الحرب.
أكد الخبير في الجماعات الإسلامية صلاح حسن جمعة أن انتخاب علي كرتي لرئاسة التيار الإسلامي العريض، بالإضافة إلى قيادته لما يُعرف بـ”الحركة الإسلامية السودانية”، يدل على أن هذا الرجل يسعى إلى توحيد جميع تيارات الإسلام في يده ليوجهها نحو خيار الحرب.
وأشار في تصريحاته لـ “إرم نيوز” إلى أن “هناك عدة مجموعات من الإسلاميين في السودان لا تؤيد رواية الحرب، وظلوا متسمين بالحياد، بالإضافة إلى آخرين بدأت قناعاتهم تتزعزع بشأن استمرار الحرب، مما جعلهم يطالبون بإنهاء النزاع من خلال الحوار. ولذلك، أراد علي كرتي من خلال خطوته الأخيرة أن لا يمنح هؤلاء وأولئك الفرصة للاختباء أو الخروج من الموقف، طالما أنه يمتلك السلطة اتخاذ القرار”.
تشكل التيار الإسلامي الواسع بعد انقلاب المكون العسكري على الحكومة الانتقالية المدنية برئاسة عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021، ويشمل جميع عناصر نظام البشير، وذلك تحت شعارات الحفاظ على السيادة الوطنية وتطبيق قيم الدين على مختلف جوانب الحياة وإصلاح المسألة السياسية.
أشار حسن جمعة إلى أن فكرة تأسيس التيار الإسلامي الواسع تعود إلى القيادي في نظام البشير، أمين حسن عمر، الذي وقع ميثاق التأسيس باسم الحركة الإسلامية. لقد عارض الحكومة الانتقالية من خلال ما سمي بـ”احتجاجات الزحف الأخضر”، حتى أسقطها، مما أدى إلى دخول البلاد في الحرب الحالية.
وأشار إلى أن “إعلان علي كرتي رئيسًا للتيار، بعد مرور عام ونصف على الحرب، يُعتبر خطوة تهدف إلى تمكين مؤيدي الحرب من السيطرة على جميع التيارات الإسلامية، وتأثيرها على قراراتها المتعلقة بالصراع الجاري، لاسيما بعد أن تراجعت بعض هذه التيارات عن تأييد الحرب، مثل مجموعة إبراهيم غندور وبعض التيارات السلفية والشخصيات الإسلامية ومجموعة المؤتمر الشعبي”.
وأوضح أنه نظرًا لخشيته من أن تتزايد هذه المجموعات الرافضة لدعم الحرب، فقد بادر مجموعة من مؤيدي الحرب إلى اختيار علي كرتي رئيسًا للتيار الإسلامي العريض، بهدف السيطرة على جميع المجموعات التي تلتزم بما يُعرف بـ “الإمرة التنظيمية”، مما يعني أنه بعد ذلك سيقوم “كرتي” بإصدار الأوامر لهم وعليهم طاعته.
يتغلغلون في الجيش
يؤكد الخبراء أن الحركة الإسلامية قد تمكنت من التغلغل في الجيش السوداني، حيث تسيطر على قراراته عبر أعضائها الذين تم زرعهم في الهيكل العسكري على مدار ثلاثين عامًا من حكم السودان.
منذ الإطاحة بنظام البشير، استمرت الاتهامات التي تواجه جنرالات الجيش السوداني بأنهم يعترضون طريق تحقيق مطالب الثورة الشعبية، على الرغم من أنهم أعلنوا دعمهم لهذه المطالب وقاموا بإزاحة البشير عن الحكم. ومع ذلك، لا يزالون يعيقون خطوات تفكيك نظام الحركة الإسلامية، وفقاً لما ذكره علاء الدين بابكر، عضو لجنة تفكيك نظام البشير السابقة.
قال بابكر لـ”إرم نيوز” إن “الجانب العسكري، بقيادة قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، قام بالانقلاب على حكومة الفترة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر 2021، بهدف إحباط جهود تفكيك نظام البشير التي كانت اللجنة تقوم بها في ذلك الحين.”
وأكد أن “العنصر العسكري قد ألغى جميع القرارات التي اتخذتها الحكومة المدنية بشأن تفكيك نظام عمر البشير، واستعاد كافة الأموال والأصول التي تم استردادها لصالح الدولة من خلال لجنة التفكيك”.
وصف بابكر ما حدث من انقلاب على حكومة حمدوك والإجراءات التي تلت ذلك حتى الوصول إلى الحرب الحالية في البلاد بأنه “تفكيك لمطالب الثورة الشعبية والإبقاء على تعزيز نظام البشير والحركة الإسلامية”.
في مارس/آذار الماضي، فاجأت إحدى القياديات في نظام الرئيس المعزول عمر البشير الجميع عندما أفادت بأن تنظيم الحركة الإسلامية قد “أخضع قادة الجيش للتحقيق” بشأن أسباب انهيار نظام البشير.
أكدت سناء حمد، في مقابلة لها على “يوتيوب”، أن “القادة العسكريين الذين تم التحقيق معهم هم جزء من اللجنة الأمنية التي أعلنت تأييدها لمطالب الثورة الشعبية، وخلعت الرئيس البشير من الحكم”.
وأوضحت أن “التحقيق مع قادة الجيش تم بتكليف من الأمين العام الراحل للحركة الإسلامية، الزبير أحمد الحسن، وأن القادة العسكريين الذين تم التحقيق معهم وقعوا على إفاداتهم بعد الانتهاء من عملية التحقيق”.
منذ بداية الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في 15 أبريل/نيسان من العام الماضي، عبرت الحركة الإسلامية عن دعمها للجيش السوداني، وانضمت كتائبها العسكرية إلى القتال ضد قوات الدعم السريع.
أشهر المجموعات الإسلامية التي تُشارك في القتال بجانب الجيش السوداني تعرف باسم “كتائب البراء بن مالك”، وهي ميليشيا تضم مجموعة من المقاتلين الذين ينتمون لجهاز الأمن السري للحركة الإسلامية المعروف بـ”الأمن الشعبي”.
لوردات الحرب
يقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أبو عبيدة برغوث إن “التيار الإسلامي العريض” يتكون من مجموعة من أمراء الحرب والعنصريين الذين يسعون للسيطرة على الوضع في السودان إما من خلال البقاء في السلطة أو تدمير البلاد عبر النزاع المسلح.
قال برغوث لـ”إرم نيوز” إن ما يُعرف بالتيار الإسلامي العريض هو نتاج علي كرتي، ويعتبر أحد أساليبه للهيمنة على الجماعات الإسلامية المتطرفة، مما يساهم في اطالة النزاع.
وتوقع أن يزيد علي كرتي من تعقيد الأوضاع في السودان إذا تمكن من تجنيد عدد أكبر من المقاتلين باسم التيار الإسلامي العريض ودفعهم إلى القتال. كما لا يستبعد إنشاء مليشيات جديدة يزودونها بالأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة، حسب قوله.
وأوضح أن كرتي هو الأكثر تشددًا في رفض اتخاذ أي مواقف تدعم وقف الحرب، معتبرًا ذلك آخر وسيلة لحماية وجود الحركة الإسلامية في الساحة العامة ومؤسسات الدولة.
أوضح أن الحرب أعادت تمكين الحركة الإسلامية في الأمور السودانية، بعد نجاحها في إدانة القوى التي تدعم الديمقراطية التعددية، حيث تعرض أعضاؤها للملاحقة من قبَل الجهات القضائية والأمنية والعسكرية.