أصداء إيجابية لمهاتفة البرهان، ومجتمع كسلا يتداعى لرعايته،، صلاح فرج الله،، عالِم ب(مواصفات خاصة)
مبادرة من شرطة ولاية كسلا تعيد الصحة والبسمة للعالِم الكبير ..
محمد خير: كان لفرج الله القِدح المعلَّى في إنجاح مهرجان الثقافة الأول..
عبد العظيم عوض: على الجهات المختصة تنبيه السفراء للابتعاد عن شؤوننا الداخلية..
مقترح بتكوين صندوق لرعاية المعسرين من العلماء والمبدعين..
دعوات بطباعة دواوين وبحوث ومؤلفات بروفيسور صلاح فرج الله..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
لقيت المهاتفة التي أجراها رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، بالعالم والخبير في عالم الاجتماع بروفيسور، صلاح فرج الله يعقوب، أصداءً واسعة وأثلجت صدور الكثيرين ممن كانوا يشفقون على البروف، وحالته الصحية التي دفعت به نزيلاً بإحدى دور العجزة والمسنين في مدينة كسلا، وشغلت ( الحالة الصلاحية) الخاصة، منصات التواصل الاجتماعي وصدعت رؤوس الأقلام التي سالت حبراً دفَّاقاً ترثى لحال العلماء في بلادي من أمثال بروفيسور صلاح فرج الله الذين أصبحوا نهشاً للحاجة والفاقة والمرض بفعل يد الحرب التي امتدت لتقضي على ما تبقى من إهمال ظل يعاني منه العلماء والمبدعون الذين وقع بينهم وأجهزة الدولة المختصة طلاق بائنٌ بينونة كبرى، نرجو أن تكون صرخة صلاح فرج الله، مؤشراً لإبرام عَقْدٍ جديد يستعيد علاقة المودة والرحمة ما بين الدولة والمثقفين والعلماء والمبدعين.
وفاء واهتمام:
وأن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي مطلقاً، لقد فعلها البرهان، وتناسى لبرهة ليل الحرب الذي أرخى سدوله بأنواع من الهموم والابتلاءات، فحرّك أنامله بحثاً عن رقم هاتف يوصله بالبروفيسور صلاح الدين فرج الله يعقوب، الذي سرقت حالته الصحية، دائرة الاهتمام بأخبار الحرب ومساراتها العملياتية، وتوجهاتها السياسية، فقد اطمأن رئيس مجلس السيادة من خلال المكالمة الهاتفية على الحالة الصحية لبروفيسور صلاح الدين فرج الله الذي حملته مبادرة شرطة ولاية كسلا، بقيادة اللواء شرطة حقوقي د. سفيان عبد الوهاب مدير شرطة الولاية، واللواء شرطة فتح الرحمن محمد توم، مدير مستشفى الشرطة، إلى غرف العناية الطبية بالمستشفى متلقياً العلاج والرعاية الصحية، والواقع أن مكالمة البرهان الهاتفية، تنزلت برداً وسلاماً على صلاح، وشفت صدور قوم مؤمنين من طلابه ومعارفه، فشكراً سعادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وشكراً شرطة ولاية كسلا، وشكراً لوفاء نفر كريم من طلابٍ نهلوا من معين العلم والمعرفة والثقافة التي تخضرُّ بها دواخل بروفيسور صلاح الدين فرج الله يعقوب.
تحية مستحقة:
وتبقى التحية مثنى وثلاث ورباع لمجتمع ولاية كسلا الذي ينضح معاونه بالكرم والأصالة والشهامة، شكراً لهذا المجتمع الكسلاوي بمختلف فئاتهم وأطيافهم وقد ألقموا المرجفين في المدينة حجراً، بعد أن حاولوا الاصطياد في المياه العكرة، مستغلين حالة بروفيسور صلاح فرج الله مطيةً لإثارة الكراهية ضد السلطات المختصة في الدولة، شكراً للمهمومين بقضايا الفكر والإبداع والثقافة والاجتماع في كسلا وهم يتدافعون زرافات ووحداناً للاطمئنان على الحالة الصحية للبروفيسور صلاح الدين فرج الله الذي جاء محمولاً على أكتاف معاناة الحرب لينزل كما الحلم على دار العجزة والمسنين في كسلا، وأحسب أن هذه الدار قد احتفت وافتخرت بأن تكون ملجأً لواحد من علماء السودان الأفذاذ والذي لا عيب فيه سوى زهده في هذه الحياة الدنيا، فشكراً دار العجزة والمسنين كسلا والتي طبقت شهرتها الآفاق بين ليلة وضحاها حتى كادت تفوق بصِيتها وزخمها الإعلامي، شهرة دار عبلة، فعمّي صباحاً دار كسلا واسلمي.
سيرة ومسيرة:
كانت صرخة ميلاد بروفيسور صلاح الدين فرج الله يعقوب في أم درمان التي يفخر بالانتماء إليها، وقد تجلَّى هذا الفخر في الكثير من الكتابات اللاحقة للبروف وبخاصة بوحه الشفيف عن أحياء أبو كدوك وحي الضباط والعباسية التي تعتبر مرتعاً خصباً ومشواراً حياتياً عامراً بالمحبة والمودة ومشحوناً بالذكريات،،
وذكرياتنا
صادقة وجميلة
مهما تجافينا
بنقول حليلها..
تخرج صلاح الدين فرج الله بليسانس آداب في جامعة القاهرة فرع الخرطوم، عمل في وزارة الثقافة، وتم ابتعاثه إلى جمهورية مصر العربية لينال في جامعة القاهرة درجة الماجستير والدكتوراة، ثم عاد وانخرط في المجال الأكاديمي محاضراً بعدد من الجامعات السودانية، وصلاح فرج الله رجلٌ مولع بالثقافة والتراث، وله مساهمات فكرية واسعة في الدراسات الأفريقية وعلم الاجتماع والفلسفة، هذا فضلاً عن كتابته الشعرية، فهو شاعر كتب خمسة دواوين شعر، وعدداً من المؤلفات، وله تجربة استمرت ثلاثين عاماً في البحث العلمي الخاص بالتراث والفلكلور السوداني، ويكفيه فخراً اطروحته التي تنادي بضرورة توظيف التراث من أجل تحقيق التطور والتنمية المستدامة.
رعاية المبدعين المعسرين:
ومن هنا فإن بروفيسور صلاح الدين فرج الله يعتبر واحداً من علماء السودان الأفذاذ في مجال الثقافة والفنون والفكر والإبداع، ولعل زهده في الحياة، وانزوائه وانكفائه خلف البحوث العلمية، وعدم لهثه وراء الشهرة والأضواء، جعل منه عالماً مغموراً، لا يكاد يطرق أسماع الكثيرين في المجتمع السوداني، حيث لا تعرفه سوى ساحات العلم والمعرفة داخل الجامعات،
ويقول دكتور عبد العظيم عوض، الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات إنه كان قد تطرق للوضع المؤسف الذي أوصل رجلاً في قامة وعلم بروفيسور صلاح الدين فرج الله إلى دار للعجزة والمسنين، وامتدح دكتور عبد العظيم في إفادته للكرامة استجابة شرطة ولاية كسلا للحراك والزخم الإعلامي الذي صاحب وجود عالم الاجتماع في دار العجزة والمسنين، حيث سارعت الشرطة بتنفيذ عدة مطلوبات أعادت الصحة والابتسامة إلى جسد وثغر بروفيسور صلاح فرج الله، ونوه دكتور عبد العظيم إلى ضرورة أن تضطلع الجهات المختصة بمسؤولياتها كاملة تجاه سفراء الدول، وتنبيههم للابتعاد عن ملامسة الشأن الداخلي، والتفرغ لمهامهم الدبلوماسية، مجدداً رفضه لمسلك أحد السفراء الذي قال إنه ساهم في صناعة الأزمة الحالية بتبني ورعاية الاتفاق الإطاري، ومحاولته التدخل في علاج صلاح فرج الله، واقترح الأمين العام لمجلس القومي للصحافة والمطبوعات إنشاء صندوق إنساني أهلي بعيداً عن الحكومة ومؤسساتها المعنية كوزارة الرعاية الاجتماعية، من أجل رعاية المعسرين من المبدعين الذين قذفت بهم هذه الحرب اللعينة إلى دور النزوح والإيواء، وكانوا بالأمس فقط من منارات المجتمع السوداني، داعياً أن يقوم هذا الصندوق على التبرعات والهبات بحيث تُجمع أمواله من أبناء السودان المنتشرين في بقاع الأرض، مشدداً على ضرورة أن تكون صرخة بروفيسور صلاح فرج الله هي بداية النهاية لمثل هذه المآسي التي تحيط الآن بالسودان، فالأولى والأجدر بهذه المهمة الوطنية هم جموع الشعب السوداني بدلاً عن السفراء الأجانب.
تميز إبداعي:
صلاح فرج الله من أوائل الجامعيين الذين دخلوا بلاط وزارة الثقافة في سبعينيات القرن الماضي، هكذا ابتدر الكاتب الصحفي الأستاذ محمد محمد خير إفادته للكرامة، وقال إن فرج الله كان ناشطاً جداً في مضمار وزارة الثقافة التي كانت تحتضن آنذاك مؤسسات إبداعية وثقافية ممثلة في الإذاعة والتلفزيون، والفنون الشعبية، والسينما المتجولة، والإعلام الداخلي، والمجلس القومي لرعاية الآداب والفنون، ومصلحة الثقافة، وأبان صاحب عمود من أقاصي الدنيا أن صلاح فرج الله كان بارزاً ومتميزاً في النشاط الثقافي والفني مستنداً في ذلك على أدواته الإبداعية كشاعر وباحث حقيقي منغمس في مجال العلوم والمعارف ليس له أي أفق سلطوي، ولا تشغله دهاليز السياسة، وإنما ينتمي بشكل كامل للواقع الثقافي السوداني.
مهرجان الثقافة:
ويقول الأستاذ محمد محمد خير إن لبروفيسور أيادياً سابغة في نجاح فكرة مهرجان الثقافة الأول الذي نُفّذ في العام 1978م، مبيناً أن فرج الله كان يقوم بمهمة مقرر المهرجان، يساعده في ذلك الممثل علي مهدي، وقال إن المهرجان نجح في تقديم مبادرات لافتة تمثلت في تكريم بعض الشخصيات التي كانت لها اسهامات واضحة ومهمة في المشهد الثقافي والإبداعي السوداني مثل بروفيسور عبد الله الطيب، والشاعر محمد عمر البنَّا، كما أن مهرجان الثقافة تشرّف بدعوة شخصيات متميزة في مجال الثقافة والإبداع الأدبي والفني في العالم العربي كالشاعر عبد الرحمن الأبنودي، ومحمد عفيفي مطر، وعلي شكري، وروجي جارودي، حيث أثرى هؤلاء ساحة المهرجان على مدار أسبوع كامل بحوارات ونقاشات ومقابلات مثمرة، ويضيف الأستاذ محمد محمد خير أن مهرجان الثقافة استمر بعد ذلك كتقليد سنوي حتى العام 1982م، وقد أُدخلت فيه جوائز ومسابقات، وأفرز للساحة الفنية عدداً كبيراً ومتميزاً من المبدعين الذين أصبحوا ملء السمع والبصر والفؤاد، كالفنانين زيدان إبراهيم، وعبد العزيز المبارك، ونجم الدين الفاضل، بالإضافة إلى عدد من الشعراء مثل عالم عباس محمد نور، وحسن أبو كدوك، وسامي سالم، ومحمد نجيب محمد علي، والشنقيطي، وتعكس هذه الأسماء قيمة بروفيسور صلاح فرج الله كرجل مهتم بالفنون والثقافة، مبيناً أن الدولة وتقديراً لهذا الاهتمام والتميز والنشاط البارز، قامت بابتعاث الأستاذ صلاح فرج الله إلى جمهورية مصر العربية لتلقي دراسات عليا نال بموجبها درجتي الماجستير والدكتوراة، ليعود بعدها وينقطع للتدريس الجامعي، وطالب الأستاذ محمد محمد خير في ختام إفادته للكرامة الجهات المختصة بضرورة الاهتمام بطباعة دواوين وكتب وبحوث بروفيسور صلاح فرج الله.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر، فإن كانت للحروب محاسن، فقد لفتت هذه الحرب الانتباه إلى قيمة علمية وثقافية وأدبية فذة كبروفيسور صلاح الدين فرج الله يعقوب الذي نسأل الله أن يشفيه شفاءً لا يغادر سقماً، ونتطلع من الدولة وأجهزتها المختصة أن تلتقط القُفّاز وتبحث السبل الكفيلة لرعاية العلماء والمبدعين من خلال مبادرة حية تبتعد عن النمطية والتقليدية لتكريمهم وهم أحياء بما يستحقون ليحفظوا ماء الوجه، ويبتعد عنهم شبح الحاجة والفاقة والعوز، فمثل هؤلاء يمثلون منارات ينبغي الاهتداء والاقتداء بها، فالعلم ينبوع السعادة كم هدى وكم فكّ أغلالاً وأطواقا، ولتكن هذه الحرب فرصة للمراجعة وإعمال الفكر في كيفية الاستفادة من علمائنا ومبدعينا وتفجير طاقاتهم لبناء السودان الذي نرجو ونبتغي.