الأخبار

هل يستثمر طرفي النزاع في السودان من الفرصة الأخيرة من واشنطن ؟

لمدة عام ونصف، يعاني السودان من حالة ضياع بينما يسعى لإيجاد حل يخفف من جراحه التي لا تزال تنزف في أجواء الصراع. فهل ستكون دعوة بايدن علاجاً لهذه المعاناة؟

في يوم الثلاثاء الماضي، دعا الرئيس الأمريكي جو بايدن طرفي النزاع في السودان للعودة إلى طاولة المفاوضات من أجل إنهاء الحرب التي تستمر منذ أكثر من 17 شهراً.

جاءت الاستجابة سريعاً من كلا طرفي النزاع، قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بلقب “حميدتي”، حيث أبديا استعدادهما للبحث عن حلول سلمية للصراع المستمر في البلاد الإفريقية منذ منتصف أبريل من العام الماضي.

تحركات وثقل أمريكي

وفيما يتعلق بتأثير هذه الدعوة، أشار الكاتب والمحلل السياسي أمير بابكر إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تبدو وكأنها “بدأت تضع كل ثقلها في ظل الوضع المأساوي في السودان”.

قال لـ”العين الإخبارية”: “بعد المبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، والنتائج الحاسمة للاجتماعات في جنيف بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في السودان، وعدم حضور ممثلي الجيش، ها هو الرئيس الأمريكي يطرح دعوته، وقد تكون هذه الدعوة الأخيرة على هذا المستوى”.

أشار بابكر إلى أن دعوة بايدن جاءت بعد تحركات مستمرة للمبعوث الأمريكي توم بييريلو، كما تزامنت مع زيارة وزير الخارجية بلينكن إلى القاهرة، مما يدل على وجود جهد مسبق تم للإعداد لهذه الدعوة والتأكد من أن لها تأثيرًا فعّالًا في الدفع نحو الحلول الممكنة للأزمة السودانية.

اعتبر المحلل السوداني أن ردود فعل طرفي النزاع “كانت سريعة وإيجابية، بخلاف ما شهدناه في حالات سابقة، وقد حملت إشارات تفيد بأن التحركات الدولية والإقليمية استطاعت أن تضغط على الأطراف للانخراط بشكل إيجابي مع الجهود المبذولة”.

وقال “إن طرفي النزاع قد وصلا إلى مرحلة من التأثر بسبب طول مدة الحرب وما لها من آثار سلبية على القوات في الميدان، إضافة إلى تأثيرها على المدنيين منذ بداية النزاع وحتى الآن”.

قال بابكر: “من الطبيعي أن يُحل النزاع عن طريق التفاوض، وما استمر الطرفان في استخدامه طوال عام ونصف من القتال هو عنصر الوقت، لمحاولة تحقيق التفوق لأحدهما على الآخر، ولكنهم لم ينجحوا في ذلك.”

لذلك، يرى بابكر أن دعوة الرئيس الأمريكي قد تمثل فرصة مناسبة لكليهما للحفاظ على ماء الوجه، وقد تكون أيضًا العصا الأخيرة التي بعدها سيتغير الموقف الدولي المدعوم من قبل الولايات المتحدة.

البرهان وحميدتي منفتحان

في رده على الدعوة الأمريكية، قال البرهان يوم أمس الأربعاء إن الحكومة تظل “مستعدة لاستقبال جميع الجهود البناءة التي تهدف إلى إنهاء هذه الحرب القاسية”.

وأفاد في بيانه: “نحن مستعدون للتعاون مع كافة الشركاء الدوليين من أجل تحقيق حل سلمي يخفف معاناة شعبنا ويمهد الطريق نحو الأمن والاستقرار وإرساء سيادة القانون وممارسة الديمقراطية في السلطة”.

لاحقًا، اتبع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو نفس النهج، معبرًا عن نفس الموقف في وقت مبكر من صباح يوم الخميس.

قال دقلو على منصة إكس: “نجدد التزامنا بمفاوضات وقف إطلاق النار، حيث نعتقد أن طريق السلام يمر عبر الحوار وليس من خلال العنف العشوائي، وسنستمر في المشاركة في عمليات السلام لضمان مستقبلاً خالياً من الخوف والمعاناة لجميع المدنيين السودانيين”.

ما بين الاستجابة وكسب الزمن

لكن المسألة، وفقاً لرأي رئيسة تحرير صحيفة “التغيير” السودانية رشا عوض، تختلف.

ترى أن “حميدتي كان دائمًا إيجابيًا في قبول دعوات الحوار، وأكثر تعاونًا مع المجتمع الدولي، وخطابه السياسي يحمل طابع السلام”.

قالت رشا عوض، في حديثها لموقع “العين الإخبارية”، “أما البرهان فمن الصعب تصديقه في رغبته بإنهاء الصراع، لأنه كان كذلك بالفعل عندما أحبط منبر جنيف”حسب قولها.

وأشارت إلى أن “البرهان خاضع للتأثيرات الإسلامية وسيتجه نحو تصعيد عسكري غير محسوب ما لم يُمارَس عليه ضغط دولي كبير، ويجب أن يكون الضغط شاملاً للإسلاميين الذين يسيطرون عليه”، معبرة عن قلقها من أن “يكون الخطاب الدبلوماسي للبرهان مجرد وسيلة لكسب الوقت”.

في الشهر الماضي، أجرت الولايات المتحدة محادثات في جنيف بهدف إنهاء الحرب في السودان التي أدت إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، والسعي لتحقيق تقدم في وصول المساعدات، ولكن دون التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

حضر المباحثات ممثلون عن قوات الدعم السريع، بينما غاب الجيش الذي أعرب عن تحفظاته بشأن آلية المباحثات، واكتفى الوسطاء بالتواصل مع ممثليه عن طريق الهاتف.

وافق الجيش وقوات الدعم السريع في ذلك الحين على إنشاء ممرين آمنين لتقديم المساعدات الإنسانية بهدف التخفيف من آثار الحرب المستمرة، وذلك في بيان نهائي عقب المفاوضات التي جرت في سويسرا.

سبق أن قام طرفا النزاع بإجراء عدة جولات من المفاوضات، خاصة في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، دون القدرة على تحقيق تقدم ملموس أو التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار.

أدوات دبلوماسية ناعمة

يقول الكاتب والمحلل السياسي الهضيبي يس أن “الإدارة الأمريكية لا زالت تعتمد على وسائل الدبلوماسية الناعمة بدلاً من استخدام الضغوط الأكثر فعالية لوقف الحرب في السودان، وهذا يعكس بالطبع أسلوب الحزب الديمقراطي في إدارة العلاقات الخارجية”.

في حديثه لـ”العين الإخبارية”، ذكر يس: “على الرغم من أن خطوة الرئيس بايدن تجاه السودان جاءت متأخرة، إلا أن الولايات المتحدة بدأت تدرك مدى الخطر الذي قد يتهددها إذا استمرت الحرب دون حل، حيث إن ذلك يشكل تهديدًا لمصالحها في أفريقيا على حساب دول أخرى”.

لم يحدد الرئيس الأمريكي موعد أو مكان المفاوضات أو مضمونها، بما في ذلك الملفات التي ستبدأ منها المحادثات، وتلك التي ستُترك للجولات النهائية، كما لم يوضح ما إذا كانت هناك شروط مسبقة للتفاوض أم لا.

تُشير الأمم المتحدة إلى أن السودان، الذي كان من أفقر دول العالم حتى قبل اندلاع الحرب، يعاني من “إحدى أسوأ أزمات النزوح على مستوى العالم، وهو مهدد بأن يتعرض قريباً لأسوأ أزمة جوع على الإطلاق”.

منذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” حربًا أودت بحياة حوالي 20 ألف شخص، وأدت إلى تهجير أكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى