صنعتها الإنقاذ.. وتطورت مستغلةً فوضى الفترة الانتقالية،، تمدد الدعم السريع.. من المسؤول؟؟..
عوامل كثيرة استثمرها حميدتي لتمكين الدعم السريع قانونياً وسياسياً واقتصادياً..
عقد عدة صفقات ضخمة لاستيراد السلاح من شرق أوروبا وأمريكا لصالح الدعم السريع..
الفريق حنفي: حرب اليمن شرعنت الارتزاق، ومدت الدعم السريع بأموال ضخمة خارج سلطة الدولة..
علي ميرغني: سعي حميدتي إلى تزويد قواته بأسلحة نوعية برز قبل سقوط البشير..
تقرير: إسماعيل جبريل تيسو..
أكدت القيادية بالمؤتمر الوطني الأستاذة أميرة الفاضل، أن المؤتمر الوطني كان وراء صناعة وتكوين ميليشيا الدعم السريع لتساند القوات المسلحة في مقاومة التمرد في إقليم دارفور، معتبرةً الخطوة ليست بالجديدة، في إشارة إلى تجربة مماثلة كانت موجودة في فترة الديمقراطية الثالثة التي كان يمسك بمقاليد الحكم فيها حزب الأمة القومي بزعامة الإمام الصادق المهدي رئيس الوزراء الذي أشارت إلى أنه استعان بمكونات قبلية لمواجهة التمرد في كردفان الكبرى، وقالت الفاضل في حوارها الذي أجرته معها الكرامة، وأثار جدلاً وغباراً كثيفاً، إن أدوار الدعم السريع وحتى سقوط نظام الإنقاذ الذي كان يديره المؤتمر الوطني، كانت محدودة، ولكن تمدد هذه الأدوار هي مسؤولية حكومة ما بعد السقوط.
رفض وتفنيد:
ورفض رئيس المكتب التنفيذي لتجمع الاتحادي، القيادي بقوى الحرية والتغيير وتنسيقية القوى الديمقراطية ” تقدم ” الأستاذ بابكر فيصل ما أوردته الأستاذة أميرة الفاضل، وأكد فيصل وفقاً لصحيفة التغيير السودانية أنه وارتكازاً على معلومات قال إنه تحصل عليها من قيادة القوات المسلحة وليس أي جهة أخرى، أنه في العام 2013م كان تعداد قوات الدعم السريع 30 ألف مقاتل، ارتفع العدد إلى 50 ألف في العام 2017م ثم إلى 70 ألف في 11 أبريل 2019م، وبشأن التمدد الاقتصادي للدعم السريع قال الأستاذ بابكر فيصل إن (شركة الجنيد المتعددة، بنك الخليج، بنك الثروة الحيوانية إلخ) تم تأسيسها في فترة حكم الإنقاذ وقبل سقوط الطاغية المخلوع، وإن العلاقات الخارجية للدعم السريع تم بناؤها في فترة حكم حزب المؤتمر الوطني وبتوجيه مباشر من رئيس الحزب (الطاغية البشير) وكانت أهمها العلاقة مع جهتين رئيسيتين، هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة في إطار حرب اليمن 2015م حيث طلب البشير من قيادة الدولتين الخليجيتين التعامل مع قيادة الدعم السريع مباشرة وليس عبر القوات المسلحة أو الحكومة السودانية (وزارة الخارجية) مما فتح باباً واسعاً للتعامل بين الطرفين ترتب عليه قيام الكثير من المصالح الاقتصادية والمالية.
علاقات الدعم الخارجية:
واستعرض الأستاذ بابكر فيصل العلاقات الخارجية للدعم السريع التي قال إنها كانت مباشرة مع الاتحاد الأوروبي (27 دولة) في إطار المسؤولية التي منحها نظام المؤتمر الوطني لقوات الدعم السريع لحماية حدود السودان ووقف الهجرة غير الشرعية والاتجار في البشر والجريمة العابرة للحدود بروتوكول 2017م في حدود 100مليون يورو، فضلاً عن التدريب العسكري والمعدات والمركبات، مبيناً أن التدفقات المالية الهائلة التي تحصلت عليها قوات الدعم السريع جراء مشاركتها في حرب اليمن فضلاً عن الاستثمارات الاقتصادية الداخلية ( الذهب وغيره) والعلاقات الخارجية في ظل حكم المؤتمر الوطني، هي الأساس الذي قامت عليه القوة العسكرية والمالية الضخمة للقوات الدعم السريع.
ذروة التمكين:
ويقول الخبير الاستراتيجي الفريق حنفي عبد الله أفندي مدير مركز السودان لدراسات مكافحة الإرهاب، والباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، إن ذروة تمكين قوات الدعم السريع، بدأت بعد إقرار قانونها في العام 2017م والذي منحها صفة قوة أمن مستقلة، وقال حنفي في إفادته للكرامة إنه وتبعاً لهذه الخطوة فقد امتلك محمد حمدان دقلو استقلالية واسعة للتمدد في زيادة قدرات التسليح للدعم السريع عدة وعتاداً، وبلغ مستويات كبيرة مقارنةً بوضعها كقوة كانت ضمن تشكيلات جهاز الأمن والمخابرات العامة، مبيناً أن قوات الدعم السريع كانت تخضع للتراتبية العسكرية، ومقتضيات التسليح والتجنيد، مبيناً أن عهد الرئيس البشير مكَّن الدعم السريع قانونياً وسياسياً واقتصادياً، وأن حرب اليمن شرعنت الارتزاق في الدعم السريع ومدته بمصادر اقتصادية ضخمة خارج سلطة الدولة، ثم كانت عدة قرارات سمحت بتضخم وانتشار الدعم السريع وإعادة تموضعه على مدى السنين الأخيرة، وبلغ الدعم السريع قمة انفلاته نحو التمكين الحقيقي، بحلول العام 2019م، عندما أصبح محمد حمدان دقلو الرجل الثاني في الدولة، ثم رئيساً للجنة الاقتصادية رغم وجود دكتور عبد الله حمدوك الخبير الاقتصادي، ورئيس مجلس الوزراء الذي رضي أن يكون نائباً له، حيث استغل حميدتي وضعه الدستوري، ومضي في بناء امبراطورية تجارية واقتصادية ليحقق من خلالها طفرة هائلة لقوات الدعم السريع كقوة موازية للجيش والقوات النظامية الأخرى، بحيث تصبح بوصلة تتحكم بالبلاد عسكرياً وأمنياً واقتصادياً وسياسياً، ولم يغفل الرجل الجوانب الاجتماعية، فعمد إلى تلميع صورته وسط المكونات الاجتماعية من خلال حشد زعماء القبائل والعشائر والإدارة الأهلية، والطرق الصوفية، وقادة الرأي والإعلام، والرياضة، ومنظمات المجتمع المدني، وفئات الشباب، ثم انخرط في بناء شبكات استشارية واسعة (سياسياً وإعلامياً)، مسنوداً بالحاضنة السياسية ( قوى الحرية والتغيير)، ومستفيداً من لجنة إزالة التمكين في تنفيذ مخطط إفراغ مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وحل هيئة العمليات التابعة لجهاز الأمن والمخابرات، والسيطرة على معسكراتها وإمكاناتها العسكرية واللوجستية وتحويلها لإسناد إضافي للدعم السريع، واستقطاب أبرز عناصرها المدربة، وتعيينهم في الدعم السريع، وتسريع خطاه تجاه المحاور الإقليمية والدولية من أجل حفظ التوازن الداخلي في صراعه المرتقب مع القوات المسلحة.
عوامل تضخم والتمدد:
ويستعرض الخبير العسكري مقدم ركن متقاعد علي ميرغني، عدة عوامل ومواقف قال إنها ساعدت في تضخم وتمدد سلطات محمد حمدان دقلو وتوليه عدداً من السلطات والمناصب عقب 11 أبريل 2019م، مبيناً أن بعض هذه المواقف تمت إما بموافقة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، أو بتجاهله لها، والبعض الأخر تم بمشاركة المكون المدني، وأشار ميرغني في إفادته للكرامة إلى تجاهل الجميع تولِّي حميدتي منصب نائب رئيس مجلس السيادي الانتقالي، رغم أن الوثيقة الدستورية لم تنص على هذا المنصب، مبيناً أن حميدتي وقَّع اتفاق سلام جوبا مع حركات الكفاح المسلح بوصفه النائب لرئيس مجلس السيادة الانتقالي، ونوه الخبير العسكري مقدم متقاعد علي ميرغني إلى أنه ومن قبل سقوط البشير برز سعي حميدتي إلى تزويد قواته بأسلحة نوعية، كاشفاً عن معلومة مهمة مفادها أن ناقلات الجنود المدرعة وعربات القتال المدرعة التي شاركت في حملة نزع السلاح في إقليم دارفور، في خواتيم حكم الإنقاذ، لم تُعد إلى سلاح المدرعات بالشجرة، بل تم توجيهها إلى معسكر الزُرق، ولم تصدر أي خطوة من الجيش في عهد البشير.
الخروج من عباءة الجيش:
قوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو مثل كرة الثلج، وضع بذرتها الرئيس المعزول عمر البشير، ثم بدت التدحرج والتضخم عبر عدة مراحل شارك فيها العسكريون والمدنيون، هكذا تناول الخبير العسكري مقدم متقاعد علي ميرغني مسار تجربة الدعم السريع، منتقلاً للحديث عن عدد قوات الدعم السريع التي قال إنه ومن خلال مصادره الخاصة، فقد وصل إلى مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض عدد 25 ألف مقاتل وذلك قبيل 11 أبريل 2023م، قادمين من دارفور ومن المثلث، حيث عاد من هذا العدد 12 ألف مقاتل، ودخل ما تبقى من العدد إلى العاصمة الخرطوم، ويقول الخبير العسكري علي ميرغني إن قانون قوات الدعم السريع تعرض إلى تعديلات كثيرة متواترة جعلت الوضع أقرب لعدم وجود قانون أصلاً، خاصة عقب قرار إلغاء المادة خمسة، مبيناً أن هذه القرار أخرج قوات الدعم السريع من عباءة القوات المسلحة، ليس من حيث التسليح فحسب وإنما من حيث العدد، معتقداً أن قوات الدعم السريع ساعة اندلاع حرب رمضان 2023م، وصل عددها ما بين 100 ألف إلى 110 ألف مقاتل، ولكن العدد تضاعف عندما انضمت للدعم السريع قوات الفزع وهي ميليشيات قبلية ليس لها نمر عسكرية ولا مرتبات، وتعتمد بصورة أساسية على الغنائم والمنهوبات.
صفقات وتسليح:
ويعود الخبير الاستراتيجي الفريق حنفي عبد الله أفندي مدير مركز السودان لدراسات مكافحة الإرهاب، والباحث في الأكاديمية العليا للدراسات الاستراتيجية والأمنية، ليتناول في إفادته للكرامة مجالات تسليح قوات الدعم السريع، منوهاً إلى عقد عدة صفقات ضخمة لاستيراد السلاح من شرق أوروبا وأمريكا تحت غطاء وسطاء في السوق السوداء، حيث تلقى الدعم السريع دفعات من المضادات “الثنائي والرباعي” في نوفمبر وديسمبر 2021م، وصفقة بنادق أمريكية من طراز MI6 بقيمة 25 مليون، دولار, ومئات السيارات “لاند كروزر بيك أب” و مصفحات Nimir الإماراتية، وهي مزودة بأسلحة رشاشة، وحصلت في يونيو 2022م على وحدة مدرعات خفيفة من طراز BTR كما امتلكت مدفعية ودروع ومضادات الطائرات Twin ZU-23 عيار 23 ملم وZSU-23-و 23 – ملم “الثنائي والرباعي” في نوفمبر وديسمبر 2021م من مصادر روسية، وفي مطلع العام 2023م كان عدد الأفراد المقاتلين ضمن قوات الدعم السريع، قد وصل إلى نحو 100ألف عنصر، وذلك بعد حملات التجنيد الواسعة التي تمت في الولايات، وكان هناك 40 ألف في المعسكرات داخل ولاية الخرطوم، وهي قوات وفق مهامها تتميز بخفة الحركة، وكان يقتصر تسليحها في البداية على سيارات الدفع الرباعي، والأسلحة الخفيفة والمتوسطة حيث يعتمد التسليح على الرشاشات طراز كلاشينكوف، ولكنها تطورت لاحقاً باستخدام طرازات متطورة من القاذفات والرشاشات والمضادات وصولاً إلى المسيرات واستخدام أنواع متطورة ذات قيمة من أجهزة التشويش والاتصالات المتقدمة.
خاتمة مهمة:
ومهما يكن من أمر فقد استغل محمد حمدان دقلو حاجة الرئيس المخلوع عمر البشير إليه لحمايته، ثم استثمر في فوضى الفترة الانتقالية وتراخي أجهزة الدولة المعنية، فتمدد بقوات الدعم السريع وانتشر كالسرطان في جسد الدولة السودانية، ثم وسوس له شيطان الطموح والتطلع فطغى وبغى وظنّ ألا رادع له في سبيل تحقيق آماله وأحلامه ليكون أميراً لدولة السودان الجديد، ولكن الله يمهل ولا يهمل، فكانت حرب الخامس عشر من أبريل 2023م بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فذهب حميدتي غير مأسوف عليه، وستذهب ميليشياته مندحرة ومنزوية في مزبلة التأريخ بفضل جسارة وبسالة القوات المسلحة والقوات المساندة لها، وبفضل دعوات المظلومين والمقهورين من جماهير الشعب السوداني، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.