الفاشر معركة المصير وسط تحذيرات دولية جديدة
إندبندنت عربية : جمال عبدالقادر البدوي
ملخص
مع ازدياد التوترات واحتدام المعارك المصيرية بالمدينة، هل تجد الضغوط والنداءات الدولية والأممية المتصاعدة لوقف الهجوم على مدينة الفاشر وإنقاذ المدنيين هناك صداها هذه المرة؟
منذ أن انتقل ثقل المعارك حرب السودان المندلعة منذ أكثر من عام ونصف العام بين الجيش وقوات “الدعم السريع” إلى مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور التاريخية في مايو (أيار) الماضي، وبخاصة بعد تحالف القوة المشتركة لحركات دارفور الموقعة على اتفاق جوبا للسلام مع الجيش، لم تتوقف المواجهات والمعارك الضارية المتجددة بين الطرفين في ظل محاولات “الدعم السريع” المحمومة للاستيلاء على المدينة طوال خمسة أشهر مضت.
في المقابل ظل شبح الموت والجوع والدمار المخيم على المدينة يهدد حياة مزيد من المدنيين العالقين وسط المعارك المتتالية والقصف المدفعي والحصار المطبق، بينما أغلقت الطرق والممرات أمام محاولات النزوح من المدينة.
ومع ازدياد التوترات واحتدام المعارك المصيرية بالمدينة، هل تجد الضغوط والنداءات الدولية والأممية المتصاعدة لوقف الهجوم على مدينة الفاشر وإنقاذ المدنيين هناك صداها هذه المرة؟
أشهر الجحيم
ميدانياً، كشفت مصادر محلية، أن قوات “الدعم السريع” تمكنت خلال المعارك الضارية التي دارت اليومين الماضيين من التقدم في محور شرق المدينة وتسعى إلى الاقتراب أكثر من خطوط دفاعات الفرقة السادسة مشاة للجيش، بينما تعمل في الوقت نفسه للزحف نحو أطراف منطقة السوق الكبيرة.
أوضحت المصادر، أن قوات “الدعم السريع” ظلت تعاود تجميع صفوفها بعد كل مرة تجبر فيها على التراجع استعداداً لكرة أخرى، غير أنها أصبحت في الأوان الأخيرة تكثف من قصفها المدفعي الثقيل وهجماتها بالطائرات المسيرة إسناداً إلى محاولات توغلها البري إلى عمق المدينة، على رغم الخسائر البشرية والمادية الكبيرة في صفوفها.
في المقابل أكد بيان للقوة المشتركة تمكنها مع قوات الجيش والقوة الشعبية للدفاع عن النفس (قشن) وشباب المقاومة الشعبية، من التصدي لهجوم ميليشيات “الدعم السريع” الأخير رقم (137) على المحور الشرقي لمدينة الفاشر.
وأضاف البيان، “كبدنا العدو خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، حيث تم القضاء على مئات من جنود الميليشيات، وامتلأت شوارع المدينة بجثثهم كأكبر دليل وشاهد على هزيمتهم، وتم قتل عدد من القيادات الميدانية النافذة في الميليشيات”.
وأكد المتحدث باسم القوة المشتركة الرائد أحمد حسين، أن مدينة الفاشر تحت السيطرة الكاملة لقواتنا، وأن ميليشيات “الدعم السريع” باتت تعاني التخبط والانهيار المعنوي بعد سلسلة الهزائم المتتالية التي تلقتها وتحولت الفاشر إلى محرقة لقادتها وجنودها.
من ناحيتها كشفت شبكة أطباء السودان عن مقتل 11 شخصاً بينهم ثلاثة أطفال وإصابة 17 آخرين منهم خمس نساء بجروح متفاوتة جراء اشتباكات الفاشر الأخيرة.
وطالبت في بيان، قوات “الدعم السريع” بوقف القصف العشوائي وفك الحصار عن المدينة التي تحتضن أكثر من مليون مواطن غالبيتهم نازحون من الولايات الأخرى، منوهة إلى أن استمرار الاشتباكات وارتفاع وتيرة الهجمات على المدينة سيتسبب في كارثة إنسانية محتمة.
هل تسقط الفاشر؟
من جانبه حذر الباحث الأمني عبدالرؤوف حسين، من أن الوضع العسكري بالفاشر في غاية في الصعوبة والتعقيد بالنسبة إلى الجيش والقوة المشتركة، في ظل تواصل تدفقات الإمداد بالسلاح والمؤن للطرف الآخر، إذ إنه ما لم يتمكن الجيش من متابعة علميات الإسقاط الجوي لإمداد قواته هناك، فقد يضيق الخناق عليها بالحصار والضغط التدرجي، مما قد يعجل بسقوط المدينة في يد قوات “الدعم السريع”.
في الوقت نفسه توقع حسين، أن تتابع موجات هجوم قوات “الدعم السريع” العنيفة على الفاشر
ضمن محاولاتها المستميتة الوصول إلى مقر الفرقة السادسة مشاة وإسقاطها للاستيلاء على المدينة خلال الأيام المقبلة.
واتهم المتخصص الأمني، المجتمعين الإقليمي والدولي والأجهزة والمؤسسات التابعة لهما، بغض الطرف عن تمادي قوات “الدعم السريع” في مواصلة هجومها وحصارها الجائر على المدينة لعدة أشهر، على رغم عواقبه المأسوية بتجفيف كل أسواق المدينة من كل السلع والأدوية المنقذة للحياة ودفع بالمدنيين العالقين الجوعى إلى العيش في مخابئ بدائية تحت الأرض هرباً من نيران المواجهات والقصف المدفعي الذي لا يتوقف على المدينة.
مكاسب سياسية
بدوره أوضح رئيس مجلس أمناء هيئة محاميي دارفور الصادق علي حسن، أن قائد قوات “الدعم السريع”، الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) لم يتفاعل مع مبادرة (إنقاذ الفاشر) الداخلية انطلاقاً من تقديراته الخاصة في الاستيلاء على المدينة بتعزيز خياراته والحصول على مكاسب معتبرة حال قبول الجيش بالعودة إلى التفاوض، لا سيما أن سقف طموحاته قد ارتفع بعد سيطرته على معظم مساحة ولاية الخرطوم وأجزاء من ولايتي الجزيرة وسنار، إلى جانب عواصم ولايات دارفور الأربع باستثناء عاصمة الإقليم الفاشر.
تابع، “على رغم أن هدف المبادرة هو تأمين حياة المدنيين وفتح المسارات وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان بالمدينة، وما وجدته من تفاعل لدى عدد من قطاعات السودانيين، لكن تغليب المكسب السياسي المحتمل على الهدف الإنساني، هو الذي منع قائد “الدعم السريع”، من التجاوب مع المبادرة، من دون النظر إلى الخسائر في الأرواح وحجم الدمار”.
وأوضح حسن، أن “الفاشر أصبحت بالنسبة إلى الجيش والحركات المسلحة معركة مصير يمثل كسبها البداية لتطويق (الدعم السريع) من دارفور، بينما ترى الحركات المسلحة التي لا تزال ترفع شعار الحياد بأنها الأحق بإدارة المدينة”. محذراً من “تحول الصراع حول الفاشر إلى صراع أهلي حال سقوطها في يد (الدعم السريع) مما يؤدي إلى توطين الصراعات بين القبائل المتصارعة والمكونات المجتمعية الأخرى المتحالفة معها”.
تحذير أممي
أممياً، وضمن سلسلة النداءات المتكررة لوقف المعارك بالفاشر، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن “أي تصعيد جديد سيهدد باتساع الصراع على أسس قبلية في كل دارفور”.
وطالب غوتيريش، قائد “الدعم السريع” بوقف الهجوم على الفاشر على الفور، معرباً عن قلقه وانزعاجه الشديد إزاء تقارير عن هجوم واسع النطاق لقوات “الدعم السريع” على المدينة.
من جانبها طالبت مجموعة “متحالفين من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان”، (الشركاء الدوليين) قوات “الدعم السريع” بالامتناع عن أية هجمات تستهدف المدنيين بالمدينة، وكذلك الجيش السوداني بوقف قصفه الجوي واسع النطاق.
تحذير أوروبي
كما دان الاتحاد الأوروبي بأشد العبارات التصعيد الدرامي للقتال في المدينة، محذراً من الوصول إلى نقطة اللاعودة بالنسبة إلى آلاف المدنيين الأبرياء الذين هم في مرمى نيران الطرفين المتحاربين، وبخاصة أولئك المحاصرون في مخيم زمزم، أكبر معسكر للنازحين داخلياً في السودان.
وذكر بيان للممثل الأعلى للاتحاد جوزيب بوريل، في شأن الوضع في الفاشر بالتزامات قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رقم 2736) في يونيو (حزيران) الماضي، الذي يدعو إلى تهدئة القتال في المدينة ويطالب قوات “الدعم السريع” بوقف حصارها فوراً.
وهدد الاتحاد الأوروبي بأنه “لن يشهد إبادة جماعية أخرى وسيواصل العمل مع آليات المساءلة الدولية لمحاسبة الجناة على انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي ارتكبوها ولا يزالون يرتكبونها”، مؤكداً استعداده للنظر في فرض عقوبات إضافية، بما في ذلك أولئك الذين يشغلون مناصب قيادية.
ودعا البيان، الأطراف المتحاربة والميليشيات التابعة لها وأنصارها الإقليميين الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، في حماية المدنيين من الصراع، وتوفير الوصول الإنساني من دون عوائق.
وحض بوريل، قائدي الجيش و”الدعم السريع” على الاجتماع والتفاوض لإيجاد حل سلمي لهذا الصراع، مجدداً الدعوة لمن وصفهم بـ”أولئك الذين يؤججون الحرب، وبخاصة الرعاة الإقليميون والدوليون، إلى وقف دعمهم في هذا الجانب”.
شركاء جنيف
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بريليو دعا في تغريدة على منصة “إكس” طرفي القتال إلى ضرورة الالتزام بهدنة إنسانية، مطالباً قوات “الدعم السريع” بسحب قواتها بصورة فورية من مدينة الفاشر، ووقف الجيش لقصفه الجوي الواسع.
على نحو متصل، أعلن المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن تنظيم اجتماع وزاري رفيع المستوى لتحالف “ALPS ” في جنيف بعد غد الأربعاء، لمناقشة الأزمة المتفاقمة في السودان والمنطقة المحيطة به.
وأوضح دوجاريك، أن اللقاء الذي يستضيفه كل من مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين يجمع بين جهات عدة بالتعاون مع دول بينها مصر والسعودية والولايات المتحدة، إلى جانب الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي بهدف تنسيق الاستجابة الدولية لمواجهة التحديات الإنسانية والسياسية في المنطقة.
الضمير العالمي
في السياق قال أستاذ القانون الدولي عبدالرحيم أبوالقاسم، إن الضمير الإنساني العالمي يتابع بقلق الكارثة الإنسانية غير المسبوقة المترتبة على إصرار قوات “الدعم السريع” على اقتحام مدينه الفاشر، لكن ذلك لم يكن كافياً ولا متناسباً مع حجم المأساة التي يتعرض لها المدنيون بإهدار كامل حقهم الأصيل في الحماية بموجب القانون الدولي الإنساني.
وأضاف أبوالقاسم، أن المجتمع الدولي لم يتوقف منذ أشهر عن تكرار نداءاته وتحذيراته من عواقب اجتياح الفاشر، لكن ذلك لم يتجاوز كونه مجرد تعبير عن الرغبة والقلق ليثبت مواقف دبلوماسية ليس أكثر، من دون إظهار أية جدية في المضي نحو خطوات عملية لإنهاء مأساة المدينة المتفاقمة.
ودعا أستاذ القانون الدولي إلى البحث عن سبل لإلزام الطرفين المتحاربين بالامتثال إلى مبادئ القانون الدولي الإنساني وقواعده، لا سيما في ظل الإجماع العالمي على أن الحرب في السودان أفرزت الكارثة الإنسانية الأسوأ عالمياً، ولا تزال أخطارها تتزايد على المدنيين.
غياب القيادة
من جانب آخر عبر القيادي بحركة جيش تحرير السودان محمد حارن أحمد، عن أسفه من تحول المجتمع الدولي إلى جزء من الأزمة السودانية بدلاً من أن يكون جزءاً من الحل، لذلك فإن الوضع برمته وفق حارن، “لا سبيل للوصول إلى حل له إلا عبر حوار واتفاق بين السودانيين أنفسهم من دون تدخل من أية جهة خارجية”.
وأضاف، “العالم يرى ويتابع كل ما تقوم به قوات (الدعم السريع) على الأرض، لكنه على رغم ذلك يصر على فتح حدود السودان تحت ستار المساعدات الإنسانية بينما الغرض الحقيقي غير المعلن هو إدخال مزيد من السلاح لتلك القوات”، لافتاً إلى أن “قوات (الدعم السريع) لم تعد تنصاع لأية جهة بعدما فقدت القيادة المركزية الحاكمة مما جعل الأوضاع تتعقد وتصعب يوماً بعد يوم”.
وكان تخلي “القوة المشتركة” التابعة للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام عن الحياد وانضمامها للقتال إلى جانب الجيش منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي قد تسبب لاحقاً في انفجار الأوضاع واشتعال المعارك العنيفة بين الجانبين.
ومنذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منتصف أبريل (نيسان) 2023، تمكنت الأخيرة من إسقاط الحاميات العسكرية للجيش وإحكام قبضتها على أربع من أصل ولايات إقليم دارفور الخمس هي (جنوب، وغرب وشرق ووسط دارفور) وتسعى حثيثاً إلى السيطرة على الفاشر عاصمة شمال دارفور وحاضرة دارفور التاريخية لاستكمال بسط نفوذها على كامل الإقليم.