الأخبار

قناة DW الالمانية : ما تأثير التطورات العسكرية في السودان على مسار الحرب؟

مصدر التقرير : قناة DW الالمانية 

تشتعل النزاعات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للسيطرة على الخرطوم، وهو ما لا يبدو أنه الهدف النهائي للجيش وحلفائه، في بلد يعاني من ويلات الحرب.

الجيش السوداني يواصل التقدم

شن الجيش السوداني في الأيام الأخيرة عمليات متعددة في الخرطوم وبحري لاستعادة مناطق من القوات الدعم السريع، مما أعطى الحرب التي كانت هادئة لعدة أشهر دفعة جديدة.

أظهرت مقاطع الفيديو جنودًا سودانيين يقودون سياراتهم عبر الطرق المتضررة في مدينة بحري، شمال الخرطوم، وتم إعادة فتح جسر حلفايا بعد أن كان تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

وفقًا لما ذكرته وسائل الإعلام المحلية، فإن الجيش والقوات المتحالفة تسعى للاستيلاء على مصفاة النفط في الخرطوم الواقعة في منطقة الجيلي شمال العاصمة.

تشمل الساحات الاستراتيجية الأخرى للمعارك جبل مويا في جنوب شرق السودان، بالإضافة إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، التي دخلتها قوات مشتركة بهدف تقديم الإمدادات.

ما الذي أحدث الفارق؟

قال مصدران في الجيش السوداني لوكالة رويترز إن الجيش قام خلال الأشهر الأخيرة بتحديث أسلحته، بما في ذلك الطائرات المسيرة والطائرات الحربية، بالإضافة إلى تدريب متطوعين جدد، وذلك لتعزيز موقفه على الأرض قبل بدء أي مفاوضات.

قال سكان في العاصمة إن الجيش قام في الأيام الأخيرة بتنفيذ مزيد من الغارات الجوية باستخدام عدد أكبر من الطائرات المسيّرة وطائرات المقاتلة مقارنة بالفترات السابقة.

لكن الخبراء العسكريين يتوقعون أن تتمكن قوات الدعم السريع البرية – الأكثر كفاءة – من استعادة تفوقها مع انتهاء موسم الأمطار وبدء موسم الجفاف، مما يجعل الطرق أكثر سهولة للعبور.

يرى عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار” السودانية، أن هناك سببان رئيسيان وراء انتصارات الجيش السوداني. الأول هو الاستعداد الذي استمر لعدة أشهر من خلال تدريب أفراد جدد انضموا للجيش الذي كان يعاني من نقص في الأعداد، والتركيز على استخدام أساليب حرب العصابات وحروب المدن بدلاً من الحروب النظامية التقليدية. وأشار ميرغني في حديث هاتفي من القاهرة مع DW عربية إلى أن الجيش تأخر في استخدام الطائرات المسيرة بشكل فعال في المعارك، كما جرى استخدام أسلحة جديدة ذات أبعاد استراتيجية مثل المدفعية دقيقة التوجيه والصواريخ الموجهة، والتي تم استخدامها مؤخرًا بعد فترة طويلة من الإعداد. أما السبب الثاني في رأي ميرغني فهو الاستراتيجية التي اعتمدها الجيش خلال فترة هذه الحرب، حيث اعتبرها “حرب استنزاف”. فقد كان الجيش يركز في البداية على استنزاف قدرات الخصم من خلال التصدي للهجمات التي شنها الدعم السريع على المواقع المحصنة مثل معسكرات المدرعات وسلاح المهندسين وسلاح الإشارة، مما أدى إلى استنزاف قوات الدعم السريع بشكل كبير، خاصة على صعيد الأفراد والقيادات. من جانبه، يعتقد الدكتور محمد تورشين، الباحث في الشأن الأفريقي، أن استعادة الجيش والقوات المشتركة للقدرة على الهجوم جاءت نتيجة “تجنيد الجيش لعدد كبير جدًا من العناصر”، حيث كانت الحكومة في عهد عمر البشير تعتمد بشكل كبير على الدعم السريع في تنفيذ المهام العسكرية، خاصة في محاربة الحركات المسلحة.

قال تورشين في حديثه الهاتفي مع DW عربية من باريس إنه نتيجة لذلك “تم إهمال المؤسسة العسكرية بشكلها الرسمي لأن نظام عمر البشير كان لديه مخاوف من وقوع انقلاب عسكري بواسطة الجيش”.

يعتقد الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الأفريقية أن “الجيش السوداني لم يكن مهيأً لهذه المواجهة، وكان في حاجة ماسة إلى كميات كبيرة من المعدات العسكرية، خصوصاً الدعم اللوجستي والفني، وربما في الفترة الأخيرة تمكن من التواصل مع بعض القوى التي زودته بهذه المساعدات”.

يعتقد تورشين أن “الموضوع هنا يتعلق بالصين وروسيا وتركيا وقطر وإيران، حيث ساهمت هذه القوى الإقليمية والدولية بشكل أو بآخر في توفير جزء كبير من المعدات العسكرية، وبالتالي فإن هذين العنصرين قد ساعدا بطريقة ما في استعادة الجيش لزمام المبادرة. بالإضافة إلى عنصر آخر وهو تغيير الاستراتيجية العسكرية للجيش السوداني، التي كانت في الأساس استراتيجية دفاعية أكثر منها هجومية. وقد جاء هذا التغيير نحو الهجوم بعد امتصاص الصدمة ومحاولة استنزاف قدرات الدعم السريع على المدى الطويل”.

ما هو تأثير التطورات العسكرية على مجريات الحرب؟

يسيطر الجيش السوداني على جسر حلفايا في العاصمة، مما يتيح له وجود قاعدة في بحري تسهل التواصل مع قواعده في أم درمان.

ذكرت مصادر عسكرية وشهود عيان لوكالة رويترز أن الجيش يقوم بحماية جسر استراتيجي على النيل بشكل قوي، حيث يؤدي هذا الجسر إلى وسط العاصمة.

دبلوماسي رفيع المستوى من الغرب يعيش في المنطقة، تحدث لوكالة رويترز بشرط عدم الكشف عن هويته نظرًا للحساسيات السياسية، وذكر أنه “لن يكون هناك تقدم ملحوظ” على الأرض، وأن “ما نتوقعه هو زيادة تفتت القوى أكثر فأكثر، خاصةً في فصل الخريف، مع احتمال تورط المزيد من الجماعات المسلحة في النزاع، مما سيزيد من صعوبة الوضع بشكل عام”.

يعتقد عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار” السودانية، أن “الانتصارات التي يحققها الجيش قد تكون بمثابة المدخل للخروج من نفق الحرب من وجهتين: الوجهة العسكرية تتمثل في أن هذه الانتصارات ستتوالى بشكل هندسي، حيث أنه في البداية قد يبدو أن المساحات والمدن والمناطق التي استعادها الجيش محدودة، ولكن في الواقع سيكون لها تأثير استراتيجي كبير، ويمكن تصنيفها على أنها مناطق حاكمة، بمعنى أنها ليست مجرد عدد من الكيلومترات المربعة، بل هي مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية.”

أعرب ميرغني عن أمله في أن يكون تقدم الجيش خلال هذه الأيام بداية لخطوة نحو مفاوضات سلام حقيقية هذه المرة، مضيفاً أنه “في رأيي، حتى لو حقق الجيش الانتصار في جميع المناطق والمدن، فإن ذلك لا يعني انتهاء الحرب بشكل كامل، لأن وجود بندقية واحدة يمكن أن يساهم في استمرار الفوضى لأطول فترة ممكنة، ويؤدي إلى عدم الاستقرار الذي يمنع الوصول إلى اتفاق سلام ينهي الحرب ويقضي على أي جذور مرتبطة بها”.

لا فوز مطلق ولا هزيمة مطلقة

يعتقد الدكتور محمد تورشين، الباحث في الشأن الإفريقي، أن الحروب التي تندلع في أفريقيا وتعتقد الأطراف المعنية أنها قادرة على القضاء على بعضها البعض هي تحدٍ حقيقي يصعب تحقيقه في الواقع، “خصوصًا وأن الدعم السريع اعتمد منذ تأسيسه إلى حد ما على بعض الإثنيات والعرقيات التي قاتلت معه، بغض النظر عن مدى توافق أدائها مع القوانين أو المبادئ الإنسانية.”

قال تورشين إنه رغم تقدم الجيش على الأرض، إلا أن هناك أطرافًا أخرى ستستمر في تقديم المساعدة للدعم السريع، سواء عن طريق تقديم الأسلحة أو المعلومات الاستخباراتية أو المرتزقة. مما يعني أن التحدي سيستمر، خصوصًا في المناطق الحدودية مثل دارفور. ويبقى الأمل في إمكانية جذب عدد أكبر من عناصر الدعم السريع إلى جانب الجيش السوداني والحكومة، وأن تحاول القبائل والجهات المتحالفة مع حميدتي وشقيقه الحفاظ على بعض المصالح، حيث إن المواجهات العسكرية ستفقدهم كل شيء.

وفقًا لتقرير حديث صادر عن مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من لندن مقرًا لها، فإن استمرار الحرب لفترة أطول يجعل سلطات قائد الجيش عبد الفتاح برهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) أكثر ضعفًا، وأن استمرار الصراع لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع وتدمير أكبر للسودان.

ويشير التقرير إلى أن الدعم السريع والجيش لديهما دوافع لتفادي المزيد من التصعيد، على الرغم من عدم وضوح إدراك أي منهما لهذا الأمر، حيث أن الجميع سيتضرر في النهاية. خاصة أن استيلاء الدعم السريع على مزيد من المناطق في دارفور ومحيطها قد يؤدي إلى اندلاع حرب عرقية وطائفية. كما أن قادة هذه القوات سيكونون معرضين لفرض عقوبات أمريكية إضافية، مع وجود تهديد باتخاذ إجراءات عقابية أكثر صرامة.

وفقاً للتقرير، فإن لدى الجيش أسباباً تدعوه للتفاوض بشأن هدنة قريبة، حيث أن استراتيجيته في النزاع قد تؤدي إلى نتائج عكسية بسهولة. فمن الممكن أن تنجح قوات الدعم السريع في الحصول على مزيد من الأراضي، خصوصاً بعد انتهاء موسم الأمطار وهزيمة الجماعات المسلحة في دارفور المتحالفة مع الجيش، مما سيترك قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بلا قاعدة في غرب البلاد ويزيد من تقويض مطالبه بالسلطة. كما أن المزيد من الهزائم في المدن الكبرى سيؤدي إلى إضعاف الجيش بشكل أكبر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى