المنوعات

الموسيقار الدكتور الماحي سليمان لـ(أمدر تايمز) : التأليف الموسيقى يحتاج الى دراسة أكاديمية مع الموهبة

الرواد أسسوا مناهج راسخة للتلحين في النظام النغمي الخماسي

” العالم يشهد تطورا كبيرا في موسيقى (البوب) بعد الأغنية الطويلة
” بدأت تجربتي الإحترافية مع الألحان قبل 55 عاما
” الأغنية الوطنية جزء لا يتجزأ من الشعور بالأنتماء
(أبوظبي) – جعفر سورج
الموسيقار الدكتور الماحي سليمان، المحاضر الموسيقي بكلية الموسيقى والدراما في جامعة السودان للعلوم والتكنولجيا، تخصص في الموسيقى الشرقية، ونال عضوية المجمع العربي للموسيقى بجامعة الدولة العربية، وترأس لجنة الألحان والأصوات بالاذاعة السودانية (هنا أمدرمان)، وعمل مديرا لإدارة الموسيقى بالهيئة القومية للثقافة والفنون، الى جانب أنه عضو المجلس الإستشاري لوزير الثقافة، ويعد أحد أهم أركان الموسيقى وألأغنية السودانية، وذلك بأسهاماته العديدة في مجال التأليف الموسيقي والتلحين، وتغنى من ألحانه عدد مقدر من المطربين والمطربات تجاوز الأربعين صوتا، ومنهم على سبيل المثال الفنان عثمان مصطفى، الذي تغنى من كلمات الدكتور عزالدين هلالي، وألحان الموسيقار الماحي سليمان، بأغنية (قول النصيحة)، وهي تحمل عتاب وحنية بلحن جميل يتناسب مع بساطة الكلمة، وبروعة إيقاع دافئ يرددها عشاق الأغاني المليئة بالشجن :
قول النصيحة كلمني
مالك بالهجر مألمني
قول لي من جاب ليك عتاب
بدور يفرق بين قراب
والقال هواي أحلام سراب
نهايته شقى ونهايته عزاب.
والى جانب إختصاص الموسيقار الماحي سليمان وعشقه للموسيقى، فهو يملك رؤية واضحة وثاقبة حول واقع الأغنية السودانية، وإلتقته (أمدر تايمز) في مكتب أبوظبي، لنشر جزء من مسيرته الفنية بالسودان، وما قدمه كرائد من رواد معهد الموسيقى والمسرح آنذاك، حاليا (كلية الموسيقى والدراما)، وتحدث لنا حول العديد من قضايا الفن والغناء والموسيقى في السودان :
• نبدأ بتجربتك مع الألحان ..؟
بدأت تجربتي مع الألحان بصورة إحترافية، عقب تخرجي في معهد الموسيقي والمسرح، إي قبل 55 عاما وهي تعتبر عمر المعهد الذي تحول الى كلية للموسيقا والدراما، في تسعينيات القرن الماضي.
• الملحن السوداني أقل شهرة، ولا يكاد أحد يسمع به سوى المهتمين والمختصين في الغناء السوداني ..؟
الشهرة والأضواء تسلط على الشعراء والمطربين، بالرغم من الدور الكبير الذي يلعبه الملحن، في تحويل الكلمات والأشعار الى غناء يطرب السامعين، والمطرب يتكفل بالدور الأساسي في توصيل العمل الغنائي، وبصورة مباشرة عبر المسارح وإجهزة الإعلام المرئية والمسموعة بالرغم من أن قانون الملكية الفكرية يعطى الحق الأصلي للشاعر والملحن، بينما حق المطرب المؤدي يكون الحق المجاور، وأعتقد بأن بعض المطربين لا يهتمون كثيرا بالحقوق المادية والأدبية للشعراء والملحنين، أما عند الشهرة من الطبيعي أن يكون التصفيق الحار للمطرب لأنه يقف أمام الجمهور.
• نظرتك لتطوير الموسيقى السودانية ..؟
الآن العالم يشهد إنفجارا موسيقيا مهولا، مع تطور الميديا الحديثة خاصة في الصوتيات التي ساهمت في نشر الثقافة الموسيقية بصورة واسعة للقاية، كما ساهمت في تطور أذن المتلقى، وبالتالي أصبح الأستماع للموسيقى والغناء متاحا للجميع، والآن العالم يشهد تطورا كبيرا في موسيقى البوب التي أصبحت لغة العالم الموسيقية، فقد أنتهى عصر الأغاني الطويلة وبالتالي إتجه الشباب لغناء (البوب) الخفيف السريع، وفي ذلك نرجو من الملحنين والمطربين الشباب، أن يفهموا المعادلة جيدا للتطور عبر تحديث التراث بمفهوم جدلية الأصالة والمعاصرة، حتى لا نفقد موسيقانا خصوصيتها بأعتبارها نغمة الأمة السودانية، التي توارثناها منذ قرون طويلة، وأن يهتموا بألتاليف الفني التفاعلي بدلا من التقليدي التراكمي وهذا ما تطلبه الحداثة.
• الموسيقار الماحي سليمان نشأ في أجواء كانت فيها المنافسة حامية بين الملحنين في العاصمة المثلثة ( أمدرمان – الخرطوم – الخرطوم بحري ) ..؟
المجال الفني واسع ومفتوح لاي مبدع من إي منطقة، لكن كان لابد أن يقدم كل فنان أو ملحن أعمال مدهشة، لأن الإبداع عموما يعني الإندهاش والتجديد والخروج عن المألوف، أما الآن فنجد التأليف الموسيقي الصحيح يحتاج الى دراسة أكاديمية مع الموهبة، ولكن بالنظر لتجربتنا السودانية، نجد أن أعداد كبيرة من الملحنين الموهوبين الذين قدموا أعمال خالدة وراسخة، خاصة فترة الحقيبة والمدارس الفنية الأولى والثانية، بعد ظهور الآلات وتكوين الفرق الموسيقية، وهنا لابد من الإشادة والتقدير لأوركسترا الإذاعة التي تكونت من الرعيل الأول.
• كيف تنظر الى التأليف الموسيقى الحالي، مقارنة مع التلحين السابق الدائري كما يسمونه ..؟
التلحين في مدرسته الأولى بعد دخول الآلات الموسيقية منذ خليل فرح وإسماعيل عبدالمعين وإبراهيم الكاشف وأبناء جيلهم، أسسوا لمناهج راسخة للتلحين في النظام النغمي الخماسي، ولكن الآن مع الحداثة والمعاصرة أصبح ذلك الأسلوب تقليديا وألحانه مكرره أو مشتقة من بعضها، خاصة بعد وجود مؤلفين موسيقيين، تخرجوا في كلية الموسيقى ونشروا المناهج الحديثة التي تقوم على التوزيع وظهور المجاميع الكورالية وإستخدام الهارمونية وتوابعها من التنويع والإنتقالات وأساليب آداء الخطوة اللحنية ومصطلحات الآداء مع ظهور عازفين لهم مهارات آدائية متقدمة في مختلف الآلات الموسيقية.

• حدثنا عن أهمية الورش الفنية وجلسات الإستماع في إعادة صياغة الأغاني والألحان ..؟
تجربتي الخاصة مع المطربين الذين تعاملت معهم كانت تجربة لها خصوصية، فقد كانت لنا ورشة فنية منتظمة تضم كبار الشعراء وبعض العازفين أصحاب المهارات الكبيرة، وكثيرا ما نستضيف المطربين في تلك الورشة لحفظ اللحن، وبالطبع كان لهذه الورشة دور كبير في إخراج الأعمال الغنائية بصورة مناسبة الى حد كبير، والحمدلله حققت تجربتي المتواضعة بعض النجاحات التي أفخر بها، مع أسماء لشعراء ومطربين كبار، وعدد مقدر من المطربين الشباب تجاوز الأربعين صوتا.
• هل للقدرات الصوتية والتعبيرية دور في اللحن، مع تنوع أحاسيس المبدعين في مملكتك اللحنية ..؟
نعم وبكل تأكيد نجاح العمل يعتمد على الآداء التعبيري والإحساس بالكلمات بجانب المهارة لعناصر التنويع والإرتجال والتطريب، وهي من أهم العناصر التعويضية كما سماها كبار المؤلفين العرب، نسبة لغياب الهارمونية عن الموسيقى الشرقية وموسيقانا الخماسية، إيضا بإعتبار الهارمونية ليس من ثقافة الإنسان العربي، أما بالنسبة لتجربتنا السودانية نجد الآن بعض خريجي المعهد قطعوا شوطا مقدرا في إستخدام الهارمونية وتوابعها سواء على المستوى الفردي أو مع بعض الفرق الموسيقية.
• عدم جدية المطربين الشباب الذين أثرت فيهم الظروف الإجتماعية وصاروا أسيرين لها، كما أنهم يركزون على المادة والشهرة السريعة دون أن يبذلوا مجهودا ..؟
يلعب التنافس دورا مهما في التقليد، حيث يقلد البعض أعمال المطربين الآخرين الناجحة، والمقلد عموما شخصية تشكو من عدم الثقة بذاتها ولا يمكن أن تحقق ذاتها وترضى عنها من خلال أعمالها العادية وإستقلاليتها وإنتاجيتها، وحقيقة الجيل الجديد من المطربين الشباب، تكمن في أنهم يقلدون بعضهم البعض، ومعروف بأن المقلد لا يعتبر فنان يمكن أن نتوقع منه أن يضيف شىء جديد للساحة الغنائية، ومن زاوية أخرى هنالك أعداد كبيرة من الذين تستهويهم الموسيقى، ولكن بمواهبهم المتواضعة لا يمكن أن نتوقع منهم أن يشكلوا إية إضافة حقيقية في الأوساط الفنية، إضافة الى أن بعضهم يفكرقبل كل شىء في العائد المادي والشهرة السريعة، دون أن تكون لديهم القدرات الفنية التي تساعدهم على تقديم الجديد المدهش، وبالتالى يعتبروا غير قادرون على لفت الأنظار، فلذلك لابد لهم من أن يبحثوا عن أعمالهم الخاصة، والعمل على تطويرها من خلال الجد والكفاح والطموح، والتحصيل في كافة المجالات المفيدة بعيدا عن التقليد السطحي.
• حينما أنضم الشاعر حسن الزبير الى ثنائية ( الشاعر إسماعيل حسن والمطرب الفنان محمد ميرغني ) شكلوا مثلث إبداع قل أن يجود الزمان بمثله في مسيرة الإبداع والإمتاع بالساحة الغنائية في السودان ..؟
الحركة الثقافية في ستينيات القرن الماضي، إستطاعت أن تقدم للفنان طاقة إبداعية مضافة وتسمى (طاقة العصر الإبداعية)، والأجيال القديمة تأثروا بطاقة العصر التي كانت مشتركة بين المطربين والشعراء إضافة الى تفاعل (طاقة المجتمع الإبداعية) في المنتديات والجلسات الفنية والثقافية.
• دور الأغنية الوطنية والموسيقى في تعزيز الهوية وتقوية الروابط بين أفراد المجتمع ..؟
أولا الأغنية الوطنية جزء لا يتجزأ من الشعور بالأنتماء، ولها وقع مختلف على الأنسان المستمع أو المتلقى، وحينما يستمع إليها يغمره شعور عميق يربطه بتاريخ أرض الوطن، وبالروح الجماعية التي تشكل هوية الوطن، وتشير الأبحاث الى أن الموسيقى لها دور كبير في تعزيز الهوية الجماعية والترابط الإجتماعي، وتنقسم الأغنية الوطنية الى عدة أقسام، منها الأغنية الوطنية والنشيد الوطني والأغنية الحماسية وأغنية المشاعل والأغنية السياسية الهتافية، فمن هنا نجد بأن للأغنية الوطنية دور مكمل للتنشئة الإجتماعية الوطنية يتمثل في الدعم المعنوي، كما تعتبر الأغنية الوطنية أو الغناء الوطني محفزا معنويا لتقوية الإرتباط بالأرض والوطن، ويعمل على توحيد مشاعر المواطنين، ويسهم في حوار الثقافات السودانية، وتعزيز دور الوحدة الوطنية ونبذ العنصرية والجهوية.
• وفي الختام نهدى القراء الأعزاء واحدة من أجمل الأغاني السودانية، حيث إجتمعت كلمات الشاعر المخرج التلفزيوني عبدالحليم عبدالله الساحرة، مع لحن الموسيقار الدكتور الماحي سليمان البديع، وآداء المطربة حنان النيل المذهل ..!
أنا السودان جمال إشراق وعيدية
أنا السودان بضى شمسو النهارية
أنا النيل الصحي موافي يغني مع المراكبية
أنا عيون المها الضوت تحاكي الطلعة والجية
أنا السودان علوم وحضارة وصحوة غضبة زنجية
بيجري في دمي حس عربي ونفوس بالتقوى مهدية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى