حرب الكل ضد الوطن والمواطن..
الحروب بين البشر ظلت عبر الأزل لعنة تتلبس روح الإنسان منذ اقتتال الشقيقين هابيل وقابيل مع اختلاف أخذ الحكمة عنها و الاتعاظ بالعبر منها .
لكن البشر اتخذوها بعد ذلك وسيلة لتصفية حساباتهم الذاتية ..وكل طرف يدعي أنه أحق بالحياة من خصمه فيسعى إلى انتزاع تلك الحياة عن عدوه متمنيا لنفسه النصر المؤزر الذي يبقيه حيا إلى الابد كما يتوهم فرضية الخلود المستحيل فوق تراب هذه الفانية !
ونحن في السودان كسائر البشر عرفنا الحروب التي كانت تشتعل في بعض الأطراف والأنحاء بينما ينظر إليها سكان المناطق الأخرى التي لم تطال عباءات أهلها نار تلك الحروب وكأنهأ محض دراما تلفزيونية لاسيما بعد أن تطورت الآلة الإعلامية التي تنقل مشاهد الصراع البعيد عمن يجلسون خلف الشاشات للفرجة على تلك المشاهد المأساوية !
الى ان طارت شرارة تلك التراجيديا الدموية والتي نفخ فيها نفس المنتج ورتب لها ذات المخرج وجسدها مجموعة الممثلون الذين بدلوا فقط الازياء و حفظوا صيغة السيناريو الجديد وانتقلت كاميرات التصوير إلى مواقع أناس لم تتصور أن يدور كل هذا في ديارهم وباتوا حتى هذه اللحظة يتخيلون أنهم في حلم عابر لطالما ظلوا يتقلبون في فراش يقظتهم اللاهب ويتمنون أن ينهضوا فجأة ليجدوا هذا الحلم المزعج قد سقط من حواف المآقي الدامعة و تجف تحتهم جداول الدماء التي سالت في كل جنبات البيت الكبير .
الآن الحرب أصبحت حقيقة وليست حلما ننكره في صحونا قعودا فوق جمرها الحارق للمواطن وحده و تهز انفجارات غبن النفوس العميق بنية الوطن الهشة اصلا كلها .
والمتحاربون كل يمني نفسه ببلوغ سراب الانتصار ليروي حلقه الجاف من ذلك البلل الزائف.
الانتصار لنفسه في نظر الجيش هو غاية عليا على جحود الابن العاق الذي سقط من رحمه سفاحا وقلب ظهر المجن على الوالد المكلوم فيه بمرارة يريد قادة المؤسسة العسكرية أن يزيلها معهم الشعب باستنفار هو دون شك ضربة الموس الاولى في نسيج المجتمع المهتري اصلا.
والإسلاميون الغاضبون دخلوا ساحة الوغى وقد لبسوا ازياء أدوارهم المموهة بصبغة الوطنية ولكنهم يقاتلون بسكاكين الانتقام من الذين سحبوا من أفواههم ملاعق الذهب التي لم يتصورا أن تسقط عنهم مهما جذبتها اياد الشارع الناقم على تمكينهم الطويل.
وقوى الثورة و المدنيون المحسوبون على التغيير المجمد في ثلاجة المجهول فهم يحاربون بخطب الشعر السياسي خارج مواقع تصوير المشاهد المؤلمة هنا أملا في أن يستعيدوا تعليق شعارات ديسمبر من حديد على حوائط المستقبل القاتم.. و التي شدها أنصار الإنقاذ ورموا بخرقاتها تحت اقدام الدعم السريع على أرض الإعتصام.
وما لبث أن اختلف شريكا الانقلاب على ديسمبر المؤود واشهرا سلاح السجال الدامي في وجهي بعضهما وبينهما ضحايا من كل جانب !
الان السجال الإعلامي في ظل الحرب يتفاوت بين ذلك الخجول الناعم الذي تنطلق عبره اصوات الدعوة لوقف الحرب..وبين الداعم بعنف غريب لتاجيج الحرب و يسعى حثيثا لإستثمار انتهاكات الدعم السريع الفظيعة لمصالح البعض وضرب البعض الآخر بها ..وكأنها تحتاج للمزيد من الإفتضاخ وهي انتهاكات تسجل بشاعة أفعالها الشنيعة بعدسات فهم فاعليها المغلوط لمردود ذلك التوثيق ووقعه السيء من الشعور الإنساني العام !
ستتوقف حتما باذن الله هذه الحرب الملعونة مهما طال اشتعال أوارها ولكن بعد ان لن يكون هنالك ما تأكله نارها من هشيم هذا الوطن الذي لن يعود كما كان قبلها.
وقد يعود المواطن الذي ستكتب له الحياة من مسارات التشرد ولكنه لن يجد أيضا ذات الدفء الذي تركه من خلفه في ديار الامس بعد أن انتزعت ضلف نوافذها وسرقت مصاريع أبوابها و ازيلت ىالخراب سقوفها .
كان الله في عون هذا الوطن المنكوب باطماع ابنائه الغافلون عن تبعات أفعالهم ..و رحم مواطنه حيا وميتا من عاقبة هذا العبث الماحق.