الأعمدة

رب (…….) نافعة .!

واحد من أدعياء الثقافة السطحية التي يلتقطها بتقربه من أصدقائه المتعلمين كان معتادا أن يجلس إلى قريبه الجزار في راكوبته عند أطراف القرية ثم يقوم باستعراض حصيلته من تلك الثقافة على مرتادي المكان .
جاء في أحد الأيام متاخرا فوجد صديقه الجزار وحيدا سعيدا يحسب أموالا كثيرة كانت هي ريع ذبحته في ذلك اليوم ..ولكنه لاحظ أن جسما مدفونا فيما يشبه القبر قريبا من الراكوبة ..فسأل صاحبه عن الأمر ..والذي قال له مجيبا ..انا اليوم ذبحت بقرة كسبت من بيع لحمها ضعف ثمنها ولله الحمد ..مع انها كانت ( دارة) اي في بطنها جنين أخرجته فدفنته في هذه الحفرة !
فضحك صاحبنا المثقف النصف كم وهو يقول ومع ذلك اكسبتك كل هذا المال ..والله فعلا صدق المثل القائل ..
( رب دارة نافعة)

مناسبة هذا الشبال الخاطف هو اجتماعات كل من مجموعة الكتلة الديمقراطية و المجلس المركزي للحرية والتغيير في القاهرة كل على حده طبعا ..ولكنهما التقيا إلى حد بعيد في الكثير من مخرجات اجتماعاتهما
مثلا اولا في التقيا عند جزئية نبذ الحرب بصورة قاطعة وإدانة تداعياتها السلبية خاصة من طرف الدعم السريع وتوافقا على حث الخطى لإيقاف دوران رحاها فورا و فتح مسارات المساعدات وترتيب البيت الداخلي ومن ثم العمل على إقامة جبهة وطنية عريضة للبدء في تحريك العملية السياسية التوافقية لإدارة مرحلة ما بعد الحرب حتى بلوغ قيام انتخابات عامة بعد توفر كافة مقومات نجاحها حتى يختار الشعب من يحكمه دون أن تفرض عليه أية جهة حكما بلا تفويض ..كذلك الالتقاء عند نقطة الإصلاح الأمني المتمثل في إنشاء جيش قومي موحد بعد أن يتم تذويب كافة الحركات حاملة السلاح فيه ليصبح السلاح كله في يد الدولة ..ورغم الاختلافات البسيطة الشكلية والاجرائية في تلك المخرجات مثل ضرورة تشكيل حكومة مهام محددة للخروج بها من عنق زجاجة الحرب وهو أحد مقترحات الكتلة الديمقراطية أو تباين وجهات النظر بين الكتلتين حول إدانة كل تداعيات الحرب من كلا طرفيها كما تراها كتلة المجلس المركزي باعتبار أن الحرب لا يمكن أن تكون افرازاتها الا بتصعيد سجالها من طرفيها بغض النظر عن الدوافع والمسببات والنتائج فالعبرة كما تراها الكتلة في سلبية ما تفرزه المعارك في حد ذاته .
بينما ترى الكتلة الديمقراطية الوقوف مع الجيش ظالما أو مظلوما باعتباره يمثل الشرعية الوطنية ..وهي هوة يمكن ردمها بالمزيد من توسيع قاعدة الحوار والتنوير العقلاني من خلال تشريح الازمة وهذا ممكن طالما أن روح قبول هذه الكتل لبعضها بصورة مبدئية يفترض أنها محمدة تنعكس من خلال رمي لغة التخوين وصفات العمالة وتبادل الاتهامات الجزافية التي لا تخدم قضية الوطن و من ثم إعمال حسن النوايا وصدق الإرادة التي ستكون حاضرة و متوفرة على ما يبدو وعبر الاستفادة من تجربة الحرب القاسية على الجميع وهو ما نرجوه ونطمح في أن ندفن معه في ما يشبه حفرة صاحبنا الجزار ماضي ما قبل الحرب وحتى الذي خرج من بطنها املا في أن نكسب مستقبلا جديدا للوطن يقوم على مفاهيم سياسية أكثر عمقا ونجاعة و نمضي تخطيا لجراحات الماضي.. بترسيم معالم حل شامل وبأنفاس وطنية زاكية يصبح فيه ما للعسكر ما يليهم من مهام يحددها الدستور تكون محاطة بخطوط حمراء تبعدهم عن مضمار السياسة إلى الابد ..بينما تغتسل الأحزاب و الكيانات المدنية المختلفة الرؤى والمبادئ و تتوضا ومن ثم تتجه نحو قبلة الوطن إخلاصا في ممارسة التنافس الحر بدلا عن التقوقع في دائرة النظرة القصيرة إلى المصالح الخاصة وحتى يصبح تاريخ ما بعد الخامس عشر من مايو اي يوم انطلاق شرارة الحرب على غير ما قبله ..ونستخلص العبر والدروس من هذه الحرب رغم عبثيتها ولعنتها ..ليصبح منطوق ذلك المثل صحيحا
(رب ضارة نافعة )
وليس كما أطلقه صاحبنا نصف المثقف وان كان مقصده ظريفا !
والله من وراء القصد ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى