المؤتمر الوطني ،، صراع محتدم بين «مجموعة تركيا» و«السجناء السياسيين»
تباينت المعلومات التي تشير إلى وجود انشقاقات كبيرة بين قيادات حزب “المؤتمر الوطني” الإسلامي، الذي حكم السودان تحت قيادة عمر البشير لمدة ثلاثين عاماً حتى تم الإطاحة به في ثورة شعبية في أبريل 2019. وذكرت مصادر أن هناك خلافاً ظهر إلى العلن بين مجموعة “السجناء السياسيين” بقيادة أحمد هارون ومجموعة (تركيا) برئاسة إبراهيم محمود. وقد شهد الحزب انشقاقاً للمرة الأولى خلال فترة حكمه، عندما تنازعت مجموعة بزعامة البشير مع مجموعة حسن الترابي، أحد رواد الحركة الإسلامية في السودان الذي توفي.
وقد عُرف ذلك الانشقاق حينها بـ “المفاصلة”. ومع ذلك، تتفق المجموعتان المتنافستان حاليًا على دعم الجيش في حربه ضد “قوات الدعم السريع”، بينما يرى العديد أن حزب “المؤتمر الوطني” الإسلامي يشكل العقبة الرئيسية أمام التفاوض لوقف الحرب، حيث يسعى للحكم مجددًا من خلال التحالف مع الجيش. وقد وصل الحزب إلى السلطة في عام 1989 من خلال انقلاب عسكري قام به مجموعة من الضباط الإسلاميين في الجيش، حيث انقلبوا على حكومة منتخبة ديمقراطيا. بعد عودة رئيس الحزب إبراهيم محمود من تركيا، ظهرت صراعات بين رؤساء الحزب السابقين.
فقد اتهم المكتب القيادي التابع لإبراهيم محمود، في بيان صدر مساء الأربعاء، بعض “القيادات” التي لم تُذكر أسماؤها، بالمشاركة في مؤامرة أدت إلى سقوط حكم الحزب في عام 2019، وأيضًا بالعمل على تفكيك صفوف الحزب من خلال الدعوة لعقد اجتماع لـ”مجلس شورى الحزب”، وهو ما يعد خرقًا لنظام الحزب الداخلي وقرارات مؤسساته.
شق صف الحزب»
قرر المكتب القيادي، وفقًا لبيان اطلع عليه “الشرق الأوسط”، عدم الاعتراف بأي قرارات تصدر عن اجتماع مجلس الشورى، واعتبرها غير متوافقة مع النظام الأساسي. كما طلب من أعضاء مجلس الشورى عدم الاستجابة للدعوة، تجنبًا لـ”شق صف الحزب”.
يضم فصيل إبراهيم محمود، القيادي السابق نافع علي نافع وما يُعرف بـ “مجموعة تركيا”، إلى جانب عدد من القادة البارزين مثل نائب البشير الأسبق الحاج آدم. بينما تتكون المجموعة الثانية من رئيس الحزب الذي عينه البشير نائباً له قبل أيام قليلة من سقوط نظامه، وهو أحمد محمد هارون، بالإضافة إلى الأمين العام للحركة الإسلامية علي أحمد كرتي، وعمر البشير نفسه. ويطلق عليهم اسم “مجموعة السجناء السياسيين” الذين تم توقيفهم بعد سقوط نظام البشير ثم خرجوا من السجون بعد اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023. دعت مجموعة “السجناء السياسيين” إلى اجتماع لمجلس الشورى، بينما اعتبرت مجموعة إبراهيم محمود أن الاجتماع يعقد بشكل دوري، ويمكن عقده استثنائيًا بطلب من ثلث الأعضاء، لكن ذلك غير ممكن نظرًا للظروف الناتجة عن الحرب.
وأشارت أيضًا إلى أن المكتب التنفيذي يعتمد على ما يصدر عن مجلس الشورى. اشترطت هذه المجموعة إعادة تنقيح العضوية واستبعاد من انضموا إلى حزب آخر، وعلى وجه الخصوص “حزب حركة المستقبل”، الذي تأسس بواسطة أعضاء من “المؤتمر الوطني” ليكون واجهة جديدة لهم. وزعمت أن الوقت غير مناسب لعقد مجلس الشورى، لأن الأعضاء مشغولون بالقتال إلى جانب الجيش، وحذرت من أن عقد الاجتماع قد يؤدي إلى انقسام حاد بين الأعضاء، مما يهدد وحدة الحزب.
التآمر على الحزب
وجه البيان اتهامًا غير مباشر للمجموعة الأخرى بالتآمر على الحزب، مما أدى إلى انهيار حكمه وسجن قياداته ومنعهم من الحصول على مواردهم المالية، حيث قال: “هم من يعملون الآن على زعزعة وحدة صف الحزب بإصرارهم على تنظيم اجتماع لمجلس الشورى”، ودعاهم للتركيز على المعركة ضد “قوات الدعم السريع”، متعهداً بعدم الاعتراف بأي اجتماع لمجلس الشورى.
في ما يمكن وصفه بأنه “انحناءة للريح”، أعلن رئيس مجلس الشورى عثمان محمد يوسف كبر تأجيل اجتماع المجلس بسبب ما أسماه الاستقطاب والخلافات بين الأعضاء، معتبراً أن الظرف يستدعي توحيد الصفوف وتكامل الجهود لدعم الجيش. ومع ذلك، كشفت تسريبات على صفحة القيادي الإسلامي عمار السجاد أن مجلس الشورى عقد اجتماعه بسرية واختار أحمد هارون رئيساً، واعتبر البيان الصادر عن المكتب القيادي بمثابة خروج عن التراتبية الحزبية. يعود الصحافي أشرف عبد العزيز، رئيس تحرير جريدة «الجريدة» والإسلامي السابق، بالصراع داخل حزب «المؤتمر الوطني» إلى الاختلالات التنظيمية التي بدأت في الأيام الأخيرة من حكم البشير، عندما عيّن أحمد هارون نائباً لرئيس الحزب. وبعد سقوط حكم البشير ودخوله السجن، قام مجلس الشورى بتكليف وزير الخارجية الأسبق إبراهيم غندور برئاسة الحزب، وبعد اعتقاله أيضًا كلف المجلس إبراهيم محمود برئاسة الحزب.
خروج قيادات من السجن
قال عبد العزيز لصحيفة “الشرق الأوسط” إن النزاع على رئاسة الحزب بدأ منذ الإفراج عن أحمد هارون وبقية القيادات المحتجزة بعد اندلاع الحرب. ومع ابتعاد البشير عن الساحة، أصبح نائبه أحمد هارون هو الرئيس الفعلي للحزب، بينما يصر إبراهيم محمود على أنه مكلف من قبل مجلس الشورى، أعلى هيئة حزبية.
في تفسيره لأسباب النزاع، يعتقد عبد العزيز أن تيار إبراهيم محمود يسعى إلى “التخلص من الأعباء الثقيلة” التي تواجه المجموعة المتهمة بـ “جرائم جنائية” على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ حيث إنهم يواجهون المحاكمة بتهمة تدبير انقلاب يونيو 1989، وثلاثة من بينهم – عمر البشير، أحمد هارون وعبد الرحيم حسين – مطلوبين من قِبل المحكمة الجنائية الدولية، إضافةً إلى التهم الداخلية.