الأعمدة

متمردن سادوا ثم بأدوا ..!

تختلف وتتباين و تتفاوت دوافع التمرد التي قادها رجال سواء كانوا (عسكريون أو مدنيون ) أو حتى التي قادتها مجموعات بعينها ..فمنهم من تكون دوافعه شخصية تتعلق بطموحاته في الحصول على الزعامة المطلقة لشعوره بالتفوق الإثني أو التميز الجهوي ..وهنالك تنظيمات يدفعها التمترس الفكري أو الحس الثوري فتنتفض على نظام الحكم عبر الوسائل العنيفة احيانا أو اتباع النهج السلمي طويل النفس.
غير العامل الذي يجمع بين كل تلك الصراعات في أغلب الأحيان هو تغذيتها بواسطة التحريض الخارجي الذي يمنحها الامل في بلوغ أهدافها ويحفزها على تصعيد مواجهتها للوضع الداخلي القائم وكله يصب بالدرجة الأولى في مصلحة الجهة الداعمة إذا ما نجحت في تقوية ذلك التمرد حتى يصل إلى مبتغاه ولكنها في ذات الوقت قد تتنصل عن مسئولياتها تجاه صنيعتها متى ما أحست بأنه يخسر معركته في ميدان السجال و ربما تبخل عليه حتى بحق اللجوء إلى أراضيها فتتركه اما لمقصلة جلاده وأما هائما يستجدي مجرد ظل يأويه !
والتاريخ في العالم القديم والحديث تضج سطور أسفاره بنماذج كثيرة و كانت قد شكلت تجارب مريرة في إشعال حياة الدول والشعوب بحرائق لم تنطفئ الا بعد أن أتت على هشيم الحياة اخضره ويابسه و عطلت مسيرة تلك البلاد عقودا أن لم يكن قرونا !
ولعلنا نذكر على مستوى قارة أفريقيا التي مثلت اكبر النماذج في ذلك الصدد..وعلى سبيل المثال حالة التمرد بغية الانفصال عن الدولة المركزية في جمهورية الكونغو البلجيكي سابقا فأصبحت الكونغو الديمقراطية بعد الاستقلال في اوائل الستينيات حيث قاد السياسي المتمرد مويس تشومبي حركة بهدف فصل إقليم كاتنغا وهو ذاته الرجل التي اتهمته الأمم المتحدة في عهد أمينها العام داج همرشولد بقتل الزعيم الثائر الكونغولي باتريس لوممبا ..غير أن مساعي هذا الرجل الشاطح الطموحات رغم تكرارها أكثر من مرة قد باءت بالفشل الذريع فاضطر إلى الهرب فرارا بجلده ومات طريدا في منفاه بجمهورية الجزائر في وقت لاحق !
ولا ننسى تلك الحرب الضروس التي فجرها المتمرد على حكومة نيجيريا الاتحادية وهو الجنرال اجوكو وكان يهدف إلى فصل أحد الاقاليم الهامة اقتصاديا واجتماعيا عن سلطة وجغرافيا الدولة المركزية الكبرى بدواعي إثنية و دينينة واستطاع بالفعل أن ينشي جيبا أسماه دولة بيافرا لم تعش إلا ثلاثة أعوام ونيف وذهب ذلك المتمرد في طيات الزمن محمولا على نقالة وسط جرحاه من الجنود تاركا حطام دولته خلفه والتي لم تجد اعترافا زائفا الا من بعض الدول الأفريقية و دول أخرى وغالبا ما يكون ذلك انطلاقا من عدائها لحكومة الجنرال يعقوب قون المسلم الذي كان يسيطر على مقاليد الحكم في ذلك البلد الذي تتجاذبه اياد المصالح لاعتبارات عدة أهمها ثروته النفطية الهائلة ووضعيه السياسية و الاجتماعية في غرب القارة السمراء .
غير أن كل تلك التجارب لم تترسخ كدروس تلجم طموحات الكثير من الأفراد أو الجماعات التي لم تتعلم منها شيئا فتجد أحدهم يقفز هنا او آخرون يتحركون هناك فيقلبون حياة شعوبهم إلى جحيم قد ينتهي بكوارث ماحقة لاتقف نيرانها عند حدود البلد المعني فقط بل تتخطى حوائطه إلى القريب والبعيد .
ليت كل الحالمين من الطغاة المتمردون على واقعهم ومن يتصارعون معهم على تحقيق الاحلام الذاتية يتعلمون من تلك الدروس أن فيمة الدولة الاعتبارية فوق كينونة الأشخاص الذاتية وان الشعوب هي من تصنع المجد لمن يجزل لها العطاء باخلاصه وباختيارها له بمحض ارادتها .
اما رفع السلاح حسما للحسابات البينية بالنصر الذي يهدف إلى تركيع الامم فهو أن طال مدى نيرانه عنان السماء وارتجت لصوته مسامع النجوم فسيرتد لا محالة إلى نحر من يحفزهم المكر ..ويمكرون والله فوق مكرهم.
وهو من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى