الأخبار

العرب اللندنية : تصريحات كباشي وراء عودة الجيش إلى مفاوضات جدة

الخرطوم – بعث الجيش السوداني برسائل غير مباشرة تشير إلى إمكانية عودته إلى طاولة المفاوضات في جدة مع قوات الدعم السريع، والتي ترعاها السعودية والولايات المتحدة وسوف تنضم لهما مصر والإمارات، وتملكان أدوات تسهم في تسهيل المحادثات بين الطرفين المتصارعين، وقادرتان على إزالة بعض العراقيل السياسية.

وأوصلت قيادات في الجيش رسائل تعيد الأمل للدخول في محادثات منتجة بعد تحقيق تقدم عسكري في معارك جرت في أم درمان مؤخرا، ويعتقد هؤلاء أن عودتهم هذه المرة إلى جدة ستكون مصحوبة بانتصارات ميدانية، عكس المرات السابقة.

وأحدث خطاب نائب قائد الجيش الفريق أول شمس الدين كباشي بشأن منع الاستغلال السياسي للمقاومة الشعبية الخميس ردود فعل متباينة، بعضها يفيد بتعديل في موقف المؤسسة العسكرية مما تردد حول تناغمها مع أهداف قيادات في الحركة الإسلامية، اعتقادا أن الأولى تنفذ أجندة خفية وضعتها الثانية وتعتمد على مواصلة الحرب ورفض طريق التفاوض مع الدعم السريع، والبعض الآخر يفيد بأن الجيش يتمسك بمناوراته، وكباشي أراد بحديثه عن توظيف المقاومة نفي اختراق الحركة لصفوف الجيش، والإيحاء بأن الجيش السوداني سيد قراره.

ولفهم الهدف ممّا تنطوي عليه تصريحات كباشي من المهم قراءتها في سياق الأجواء العامة التي تحيط بالبلاد، وأبرزها تقارب السودان مع إيران، والذي أوحى أن الحركة الإسلامية هي التي تقود هذا الاتجاه، ما أزعج قوى إقليمية ودولية، فالقاهرة التي لا تنكر دعمها للجيش لن تكون مرتاحة لأيّ تغلغل إيراني في السودان أو عودة للإخوان في السلطة، والولايات المتحدة التي تظهر قلقا من تنامي نفوذ طهران في المنطقة تخشى أن يؤدي تسللها إلى هذا البلد إلى تغيير في موازين القوى، ويصبح مركزا للتنظيمات المتطرفة تتمركز على البحر الأحمر.

◙ شمس الدين كباشي يريد أن يخلق واقعا جديدا لتحسين صورة الجيش وتأكيد أنه لا يعبأ بأجندات إسلامية أو يرضخ لقوى سياسية أخرى
كما أن حديث المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بيرييلو قبل أيام عن استئناف مفاوضات جدة في الثامن عشر من أبريل المقبل يشير إلى ترتيبات تعدها واشنطن للمرحلة المقبلة بشأن السلام، تعززت عبر حث المبعوثة الأميركية في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد مجلس الأمن أخيرا على تصعيد الضغوط ضد الخرطوم لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية.

ويخشى الجيش أن يجد نفسه محاصرا من جهات عدة، فلا هو قادر على تحقيق نصر عسكري حاسم بعد معارك أم درمان، ولن يتمكن من مواصلة تنصله من التجاوب مع حديث المفاوضات، وهو يعلم أن رفض تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2427 الذي قضى بوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان سوف تتولد عنه تبعات سياسية، منها تأكيد أنه الطرف الرافض للسلام، حيث أبدت قوات الدعم السريع مرونة في التعاطي مع غالبية المبادرات الرامية لوقف إطلاق النار والدخول في عملية تسوية سياسية بعيدة المدى.

ومع أن تقديرات الجيش السوداني المعلنة تتغير كثيرا، إلا أن خطاب كباشي حول رفض تسييس المقاومة الشعبية مسّ وترا حساسا، طالما تحفظت عليه جهات سودانية، واتخذته أخرى ذريعة لتأكيد العلاقة الوثيقة بين الجيش والقوى الإسلامية، وبالتالي التشكيك في أهداف الحرب، وإذا بقيت هذه العلاقة معلنة لن يتمكن الجيش من الحصول على تعاطف شعبي كبير، وستكون غالبية القوى المدنية ضده على الدوام، وتميل إلى تصديق خطاب قوات الدعم السريع التي حذرت مبكرا من مغبة هذه العلاقة واستندت إليها في تبرير دخول الحرب.

أراد كباشي أن يخلق واقعا جديدا لتحسين صورة الجيش، وتأكيد أنه لا يعبأ بأجندات إسلامية أو يرضخ لقوى سياسية أخرى، قبل أن يجد نفسه أمام واقع ضاغط يجبره على العودة إلى المفاوضات، وكي لا يبدو وكأن الوفد الذي يمثله جاء لنسف المحادثات، بعد أن راجت معلومات حول نجاح الحركة الإسلامية في تفشيل جولات سابقة وعدم إتاحة الفرصة لتنفيذ أي من مخرجاتها، إذ كانت عناصرها داخلها أو على مقربة منها.

ويفيد التشدد السياسي مع المقاومة الشعبية – الإسلامية التي نادت بها قيادات عسكرية للتصدي لقوات الدعم السريع، في تطمين قوى تتملكها مخاوف من استمرار سيطرة هذا الجناح على الجيش، ما يجعله بعيدا عن السلام ورافضا للمبادرات التي تدعو إلى التسوية، وقريبا وداعما لمواصلة الحرب، ما يعزز القلق من توجهاته الخفية. وجاء حديث كباشي أخيرا كأنه يريد تقويض الشكوك وتمهيد الطريق للعودة إلى مفاوضات بات طرقها مجددا ضروريا، خاصة أن عودة الجيش هذه المرة تأتي من منطلق قوة وليس ضعفا عقب تحقيقه مكاسب نسبية في معارك أم درمان.

◙ الجيش يخشى أن يجد نفسه محاصرا، فلا هو قادر على تحقيق نصر عسكري حاسم ولا هو قادر على التنصل من المفاوضات

ومن المنتظر أن تكون الجولة المقبلة من مفاوضات جدة مختلفة عن سابقاتها، حيث استفادت القوى الراعية من نتائج المرحلة الماضية، وعزفت عن ممارسة ضغوط قوية لإجبار الطرفين أو أحدهما على العودة وهي تعلم أن هذا الطريق محتوم، فلن تستطيع قوات الجيش بسط سيطرتها العسكرية على كل المناطق والأقاليم التي سلبت منها، ولن تتمكن قوات الدعم السريع من الحفاظ على ما تملكه من مساحات شاسعة.

وقبل أن يزداد المشهد العسكري عبثية ويصبح الموقف السياسي أشد قتامة، فهم الجيش السوداني الرسائل التي وصلته من جهات مختلفة، وعليه أن يستفيد من تحريك الموقف العسكري في أم درمان قبل أن يؤدي دخول بعض الحركات المسلحة الحرب مباشرة للمزيد من الانفلات وصعوبة السيطرة على تداعياته، وعليه إدراك خطورة المجاعة الإنسانية وما يمكن أن تحدثه من تحول في موقف المجتمع الدولي في غير صالحه.

وبدلا من أن يدخل في مفاوضات وهو مجبر عليها، يمكنه العودة ومعه ورقة أم درمان التي تحفظ ماء وجهه عسكريا وتبرر عودته السياسية للحوار مع قوات الدعم السريع التي صارت أكثر استعدادا للمفاوضات خوفا من زيادة عدد الحركات المسلحة المنخرطة في الحرب وعودة اشتعال النيران في إقليم دارفور على نطاق واسع، وخسارة ما ربحته الفترة الماضية من سيطرة ونفوذ في غالبية ولايات الإقليم.

ويعلم الجيش أن خسائره كبيرة والوقت لن يكون في صالحه وأيّ دعم عسكري يمكنه الحصول عليه تستطيع قوات الدعم السريع التصدي له، فلها منافذ تستطيع أن تجلب منها مساعدات كافية، وتستفيد من السيولة على الحدود مع بعض دول الجوار التي تعج بصراعات ونزاعات وحروب لم تعد الجيوش النظامية بإمكانها السيطرة عليها، وزاد الموقف مع تنامي نشاط جماعات متطرفة في دول حول السودان وأخرى مناهضة لهذه الجماعات، ما يجعل استئناف المحادثات الطريق المناسب قبل فوات الأوان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى