حارة المغني… ولي المساء. رواية ليلي ابوالعلاء. نقش على صدى الذكرى وتناثر شظايا الروح.
أهداني صديقي محمد قسم الله بلال المقيم بالقاهرة رواية ليلي أبوالعلا. حارة المغني… ولي المساء لليلي أبوالعلا. ترجمة بدرالدين الهاشمي. من إصدارات مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي. في 489 صفحة. تكلمت عن الرواية النيويورك تايمز. والهيرالد تريبيون. والفاينانشيل تايمز. وَالتلغراف اللندنية. رواية في شكل سيرة غيرية فيها كثير من الواقع ومن الخيال. سيرة الشاعر حسن عوض أبوالعلا. في سرد باتع ممتع وشيق. وأسلوب رشيق العبارة. قصة حب في سودان الخمسينات. ملحمة تفيض بالحيوية والشجن. (تريد ثريا أن ترى عمها كما كان عليه حاله في السابق تماما ليس ذلك الضعيف ولاذلك العليل طريح الفراش. تريد أن تراه واقفا يسير على قدميه وهو يبتسم.).
الخيال الخلاق عند ليلي أبوالعلا وذاك الفن والفطنة. حارة المغني رواية متعددة الإشارات والدلالات فيها وافيه. وتاملات معنيه وقيم جمالية. بما فيها من مشاعر وسحر اللغة المسيطر عليها. هل نعتبر حارة المغني أوراق خاصة. تماسك العاصفة وسيرة حياة مزدانة بالحاضر العذب. وحكاية النساء في عصر متغير. سوسيو لوجيا التذوق بين الوهم والحقيقة. روح اللغة واحساسها المضاعف. البيئة والمحيط وسودان الخمسينات المتطلع. إيقاع الكلام والنظرة للعالم. اللغة العذبة المحببة في الصور والمشاهد. (اليوم قدم ناصر وزوجته فاطمة من مدني خصيصا لزيارة كبير العائلة).
رواية التوازي الحر والتوتر والحيوية وتعارض النماذج. وتلك الرحابة والعمق. السكونية والحركية. مادام هناك حكي جديد فثمة فرصة لبروز ماهو أفضل. رواية مشبعة بالمشاعر الإنسانية والجمال. تسمو بالروح وتحلق بها عاليا. (عادت فجأة فاطمة القديمة. فاطمة الحقيقية المفعمة بالحيوية. ضحكت ثريا ووضعت ذراعيها تحتضن شقيقتها. كيف ننساك كيف لي أن أنساك. إلا تعلمين كم اشتاق اليك.).
في لغة طازجة ومدهشة أخرجت لنا ليلي أبوالعلا رواية حارة المغني ولي المساء. الشخصيات. الصراع. موسيقى الإيقاع. وذاك الأسى. توافق النشازات ذاك هو المجال الصعب. توشجه. تواتره. ورحابته. رواية كما فلم سينمائي بمضمونها المعبر عن القيم السودانية الأصيلة. وهناك معلومات كثيرة عن الطبقة المخملية وتجارة القطن والانجليز حكام السودان.
ولدي ليلي ابوالعلا القدرة على التعبير بالصور الايحائية وعمق المضمون وجودة السبك الفني. وبين الخرطوم والقاهرة والإسكندرية ولندن تدور أحداث رواية حارة المغني ولي المساء.
و لامدرمان.. المكان وقع خاص حيث ولدت بالتهليل وفوقها غابة رماح.. وهي الطابية المقابلة النيل وهي أيضا القبة البتضوي
الليل وتهدي الناس سلام وأمان… حيث الروح الوطنية هنا متجذرة. ومن ثنايا حارة المغني يطل السودان الحديث المتطلع للاعالي بذاك الالق والشجن.
بني ابوالعلا عمارة في الخرطوم بها شقق كتلك التي بالقاهرة. السودان في ذاك الزمان غارق في النعاس وبعيد عن التاريخ وزخمه.
صور وصفيه واقعية استطاعت ليلي ابوالعلا أن تجود موضوعها برهافة الحس وموهبتها الفطرية. حارة المغني رواية تمتليء بالايهام والالهام والاستيهام.
الصراع والدراما التي هي روح الرواية الحديثة. تجد هنا التضحية والوفاء. الخوف والطموح والعواطف المكبوتة. التقاليد الراسخة وصراع الإرادات ضد الظروف والأقدار. العامل النفسي والذهني حاضر بكثافة.
بتشويق باهر فيه كثير من البراعة عبرت ليلي ابوالعلا عن قضايا الإنسان الخاصة والعامة عن قلقه وطموحه الوثاب واشواقه الدفينة وعن حياته الروحية والمادية معا. صورت أجواء وعلاقات وطقوس. حيث انطلقت كثير من الأسئلة التي تحرر دفقات الألم والحزن والإحباط. وإحالتها إلى امل لابد أن يشرق يوما.