الرياضة

لماذا مدينة ميسي عاصمة الأرجنتين الكروية؟

ليست روزاريو المدينة التي أنجبت الثائر أرنستو تشي جيفارا وحسب؛ بل هي عاصمة كرة القدم الأرجنتينية التي على الرغم من عدد سكانها القليل نسبياً والتي تقدر بـ(مليون و750 ألف نسمة )، فإن من أحيائها انطلقت اللعبة، لتغزو البلاد عبر البحارة والعمال الإنجليز الذين كانوا يعيشون فيها، وفي كل ضاحية منها ولد أكثر من نجم تألقوا كلاعبين ومدربين، وأشهرهم حالياً ليونيل ميسي وأنخيل دي ماريا، وسابقاً المدرب سيزار مينوتي أول من قاد «التانغو» للقب المونديال عام 1978 وخيراردو مارتينيو «تاتا» المدرب أيضاً، ومارسيلو بييلسا أحد مشاهير الأجهزة الفنية في العالم.
قيل سابقاً: «أسفل كل حجر في مدينة روزاريو يوجد لاعب»، فهي إذاً ليست مدينة عادية؛ ل هي الوحيدة ربما في العالم التي اشتهرت برياضتي كرة القدم والرغبي وريادتها الثقافية في آن؛ حيث يوجد فيها 24 متحفاً و13 مسرحاً و8 مراكز ثقافية على الرغم من أن مساحتها تبلغ 178 كلم مربع.
بدأت علاقة مدينة روزاريو التي تبعد 300 كلم عن العاصمة بوينس آيرس بكرة القدم مبكراً، وهي استفادت من مينائها، لتحقيق ذلك بعدما عاش فيها المهاجرون الإنجليز التي كانت بلادهم مهد اللعبة.

تحدي الإنجليز

وهناك رواية تحكي عن أبناء كارانتونا أحد أحياء روزاريو الذين تحدوا الشبان الإنجليز بكرة من قماش، صنعتها جدة أحد اللاعبين في مباراة جرت في 28 ديسمبر/ كانون الأول عام 1867 وفاز بنتيجتها أبناء الحي بفارق هدفين، لتكون البداية الحقيقية لكرة القدم في الأرجنتين كلها، والتي تتابعت من خلال تأسيس روزاريو سنترال عام 1889، ليكون أحد أقدم الأندية في البلاد، في حين كان الإنجليزي إيسسك نيويل يعمل على إشهار النادي الثاني تحت مسمى نيويلز أولد بويز عام 1903.
لم يكتفِ نيويل الذي قدم إلى الأرجنتين عام 1869 وهو في السادسة عشرة من عمره قادماً من إنجلترا، واستقر في روزاريو ليعمل عامل برق بالسكة الحديدية، بتأسيس نادي أولد بويز؛ بل كان أول من يقدم لبلاد «التانغو» كرة جلدية، ووضع أول نظام رسمي لكرة القدم هناك.
وحكاية ناديي روزاريو سنترال ونيولز أولد بويز غريبة هي الأخرى، فبعدما أحرز سنترال أول لقب دوري يقام في المدينة عام 1905، بدأ الصراع التاريخي بين الفريقين الذي يُعرف بأنه «الديربي» الأكثر عاطفية في الأرجنتين.
وهناك الكثير من القصص حول الكره المتأصل بين جمهوري ناديي روزاريو، لكن أغربها تلك المتعلقة بإحراز سنترال لقب الدوري الأرجنتيني عام 1971؛ حيث صعد إلى منصة التتويج وهزم سان لورينزو في النهائي، بعدما أزاح من دربه في نصف النهائي عدوه اللدود وابن مدينته نيولز أولد بويز بهدف وحيد سجله ألدو بيدرو بوي، وهو الهدف الذي أسفر عن أكبر موجة احتفالات في العالم.

عيد سنوي

ليس في هذا الكلام مبالغة؛ بل هي حقيقة أكدها أنصار نادي روزاريو سنترال؛ حيث يلتقي جمهور الفريق مع صاحب الهدف التاريخي ألدو بيدرو في التاسع عشر من ديسمبر من كل عام، لإحياء تلك الذكرى السعيدة التي أصبحت كأنها عيد «الأوغاد» كما يطلق عليهم في الأرجنتين، وعلى مدى 42 سنة من تلك الواقعة لم تتوقف المهرجانات في مختلف أنحاء الأمريكيتين، على اعتبار أن النادي يمتلك مشجعين في الولايات المتحدة وتشيلي وأوروغواي وكوبا وغيرها.
وعلى الرغم من أن دولة كوبا لا تعد كرة القدم لعبة شعبية فيها، فإنها تشجع فريق روزاريو سنترال فقط، لأنه النادي الذي أحبه وشجعه الثائر أرنستو تشي جيفارا، حتى إن الاحتفالات التي يقيمها سنترال في ذكرى هدف ألدو بيدرو في مرمى أولد بويز حضرها في إحدى المرات ابن أرنستو تشي جيفارا.

الأوغاد و”المجذامون”

وعودة إلى لقب «الأوغاد» الذي ناله نادي سنترال، فيعود إلى قصة حدثت في عقد العشرينات، عندما تلقى سنترال وأولد بويز دعوة للعب مباراة ودية لمصلحة مرضى الجذام في أحد مستشفيات المنطقة، فقبل الثاني الدعوة وعرف بـ«المجذومين»، ورفضها الثاني ليصبح اسمه “الأوغاد”.
وبعيداً عن الصراع التاريخي بين الناديين، فإنهما كانا سبباً في ظهور الكثير من المشاهير الذين أعطوا لمدينة روزاريو صيتها الكروي الذي جعلها عاصمة لكرة القدم الأرجنتينية، قبل أن تصبح لاحقاً قبلة اللعبة عالمياً، ويكفي أن ميسي منها، وكذلك أنخيل دي ماريا نجم ريال مدريد وباريس سان جيرمان السابق، والذي مازال يلعب في المنتخب حتى الآن.

مسيرة ميسي

ولد ميسي في روزاريو وبدأ مسيرته الكروية عام 1995 مع نادي نيولز أولد بويز، ولعب لفريق الناشئين فيه الذي عُرف بـ«آلة 87»، على اعتبار أن كل لاعبيه بمن فيهم ميسي هم من مواليد 1987 ولم يتعرضوا سوى لخسارة واحدة على مدى أربع سنوات من المباريات، وبعد فترة اكتشف الأطباء أن نجم كرة القدم العالمية الحالي يعاني نقص الهرمون فلم يتحمل أولد بويز تكاليف علاجه التي تبلغ 900 دولار شهرياً، ليوافق برشلونة على الأمر، ويضم اللاعب بعدما تكفل بعلاجه في إسبانيا.

صانع ألعاب

وبالنسبة لخيراردو مارتينيو المعروف بـ«تاتا» والذي درب منتخب الأرجنتين وبرشلونة من قبل، فلقد ولد في روزاريو وهو مثل ميسي لعب لأولد بويز وكان صانع ألعاب من الطراز الرفيع وقورن بالأسطورة الفرنسي ميشال بلاتيني بالنظر إلى فنياته العالية.
وتتلمذ «تاتا» على يد مدرب آخر من روزاريو؛ هو مارسيلو بيلسا الذي جعل من منتخب تشيلي فريقاً لا يقهر عندما أشرف على تدريبه كما درب منتخب الأرجنتين أيضاً، ويحب أشهر مدرب في العالم الإسباني بيب غواردويولا أن يناديه بـ«أستاذي».
وحقق «تاتا» الكثير من الإنجازات عندما قاد منتخب البارغواي لأفضل إنجاز في تاريخه عندما وصل به إلى ربع نهائي كأس العالم عام 2010 وليخسر بصعوبة بالغة أمام أبطال العالم الإسبان، كما جعل نفس المنتخب وصيفاً لبطولة كوبا أمريكا عام 2011، وقاد نادي نيولز أولد بويز للقب الدوري الأرجنتيني ومن ثم الوصول إلى نهائي ليبرتادوريس.
ويمتاز «تاتا» وبيلسا بأنهما لعبا لأولد بويز ودرباه، بعكس أسطورة التدريب الأرجنتينية سيزار لويس مينوتي الذي ولد في روزاريو عام 1983 وبدأ مسيرته مع نادي سنترال عام 1960 كلاعب، لكن المفارقة أن أول نادٍ دربه كان العدو التقليديأولد بويز؛ وذلك عام 1970، ومن ثم كفّر عن الخطأ الذي ارتكبه بنظر محبي سنترال، عندما دربه عام 2002.

المدرب الأسطورة

وإذا كانت روزاريو هي عاصمة الأرجنتين الكروية فإنها أهدت البلاد المدرب الذي قاد «التانغو» لأول لقب في كأس العالم؛ وذلك عام 1978، كما كان أحد مكتشفي الأسطورة دييغو مارادونا الذي ضمه إلى المنتخب وهو في سن السابعة عشرة من عمره وأشرف عليه في مونديال 1982.
وبالنسبة لدي ماريا فقصته مع روزاريو أكدت مدى حب سكانها لكرة القدم، فهو نشأ في عائلة تحب نادي روزاريو سنترال بجنون، وقد تشرب هذا العشق وكان الأخير أول فريق له في نشأته الأولى، وبعد اختياره لمنتخب الأرجنتين للشباب الذي فاز بمونديال 2007 نظمت احتفالات صاخبة في حي البيردي الواقع في مدينة روزاريو؛ حيث خرج الآلاف وهم يحملون صور الشاب الذي ولد بينهم.
وتتعدد لائحة اللاعبين الكبار الذين ولدوا في المدينة ومنهم إزكويل لافيتزي لاعب باريس سان جرمان الفرنسي السابق؛ حيث أبصر النور في أحد نواحي روزاريو ( حي فيا غوبيرنادور غالفيز )، لكن للغرابة لم يلعب لأحد ناديي المدينة على الرغم من عشقه الكبير لسنترال؛ بل بدأ مسيرته في الأرجنتين مع نادي سان لورنزو ثم استوديانتيس قبل أن ينتقل إلى جنوى ونابولي الإيطاليين ثم إلى باريس سان جيرمان الفرنسي.
ومن المشاهير أيضاً إزكويل غاراي الذي لعب لأولد بويز وكذلك لريال مدريد وبنفيكا البرتغالي، وسار ماكسي رودريغيز على نفس الدرب ببدء مسيرته مع أولد بويز قبل أن ينتقل إلى إسبانيول وأتلتيكو مدريد الإسبانيين كما لعب مع ليفربول الإنجليزي.
كما ولد في مدينة روزاريو إيفر بانيغا المولود عام 1988والذي يلعب الآن لنادي الشباب السعودي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى