الأخبار

ملايين السودانيين لايملكون قوت يومهم بسبب الحرب

تقتسم السودانية هدى مبارك (48 سنة) وجبة طعام واحدة يومياً مع أطفالها كوثر (17 سنة)، وسامر (14 سنة)، وأحمد (10 سنوات)، ووالدتها المسنة (73 سنة)؛ وتحرص على أن يشرب الجميع المياه المخلوطة بملح الطعام حتى لا يتعرض أي منهم لهبوط في الدورة الدموية بسبب شدة الجوع.

تقول مبارك التي تسكن في منطقة الفتيحاب بالعاصمة الخرطوم، لـ”العربي الجديد”، إن “المواد الغذائية نفدت من المنزل، وليست متوفرة في الأسواق بسبب الحصار المضروب من قبل قوات الدعم السريع على المنطقة الواقعة بالقرب من سلاح المهندسين التابع للجيش السوداني منذ الأسبوع الثالث للحرب التي اندلعت في منتصف إبريل/نيسان الماضي. الأطفال فقدوا وزنهم، وأصبحوا عرضة للأمراض بسبب قلة التغذية، وتلوث مياه الشرب”.

وتخلو أرفف المتاجر في أحياء العاصمة السودانية من السلع الغذائية الأساسية، وقد نزح نحو ثلثي السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة. يقول مفوض الخدمة المجتمعية بمنظمة “مشابك” للتنمية المجتمعية، يونس إبراهيم، لـ”العربي الجديد”: “عدد من مناطق العاصمة أصبح غير مناسب للحياة في ظل انعدام الطعام ومياه الشرب النظيفة، ما يهدد حياة الناس”.
ويعاني سكان أحياء أم درمان القديمة، مثل أب روف، وبيت المال، والعباسية، وحي العرب، والقمائر، والملازمين، وكذا 13 حيا بمحلية أمبدة من انعدام الدقيق والسكر وزيت الطعام، وتوقفت إمدادات مياه الشرب، وقفز سعر كيلو السكر في بعض مناطق العاصمة من ستمائة جنيه سوداني (نصف دولار أميركي تقريباً) إلى عدة أضعاف، وكيلو دقيق الخبز من ألف جنيه (دولار واحد) إلى 10 آلاف جنيه، ويرجع ذلك إلى عدم توفر تلك السلع، وصعوبة التنقل بين الأحياء.

غادر نحو 14 مليون سوداني منازلهم إلى مخيمات إيواء مؤقتة
يقول إبراهيم جبريل، من حي بيت المال بأم درمان، إن “عشرات الأسر اضطرت إلى المغادرة تحت القصف العشوائي، ويقيم كثيرون حالياً في مراكز إيواء مؤقتة تفتقر إلى أدنى الخدمات، فعشرات الأسر تشترك في استخدام دورة مياه واحدة بأحد المدارس، وأغلبهم يعانون من الجوع، ولا يحصلون سوى على وجبة واحدة يومياً”.
وحسب تقديرات منظمة “مشابك”، فإن نحو 14 مليون سوداني غادروا منازلهم في الخرطوم وإقليمي كردفان ودارفور، وهم يقيمون حالياً في مخيمات إيواء مؤقتة في المناطق التي نزحوا إليها.
وتعرض الكثير من الأسواق السودانية لعمليات سرقة واسعة، كما أفرغ لصوص ومسلحون مخازن المواد الغذائية التابعة للشركات الكبرى التي كانت تتولى توزيع الدقيق وغيره من المواد الغذائية، وأُحرق ونهب كثير من المطاحن الرئيسية في الخرطوم، مثل مطاحن سيقا، وسين، وويتا، وهي الكبرى على مستوى البلاد، كما تم نهب مخازن المخزون الاستراتيجي الحكومي في مدينة الأبيض مركز إقليم كردفان.

غادرت عواطف مختار منزلها في حي صالحة جنوبي أم درمان، وتقيم حالياً مع أطفالها في مدرسة بمحلية كرري الواقعة في أقصى شمال العاصمة، وتقول إنها اضطرت إلى المغادرة بعد خمسة أشهر قضوها في صالحة، وكابدوا خلالها ظروفاً سيئة للغاية. تعيش عائلة عواطف حالياً في مدرسة مكونة من 13 غرفة يقيم بها نحو 600 شخص، أغلبهم ينامون من دون أغطية مع اكتظاظ غرف البناية التي كانت في السابق فصولاً دراسية.
وتقول النازحة مريم عيسى (67 سنة) لـ”العربي الجديد”، إنها لم تجهز طعاماً في منزلها الذي يؤوي ثمانية من أفراد أسرتها منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وتعتمد في إطعامهم على الحصول على الطعام من جيرانها. كانت مريم تعمل بائعة للمشروبات الساخنة بالقرب من أحد مراكز تسجيل الأراضي في الخرطوم، وقد عجزت عن شراء المواد الغذائية منذ توقف عملها بعد أسبوع واحد من اندلاع الحرب.
كان يفترض أن يبدأ سكان إقليم كردفان في الفترة بين سبتمبر/ أيلول وديسمبر/ كانون الأول، حصاد محاصيل السمسم والفول السوداني والذرة، لكن الإقليم شهد موجة نزوح لم يعرفها في تاريخه. يقول جبريل عبدالله، من مدينة “ود عشانا” التي هجرها غالبية سكانها بعد اجتياحها من قبل قوات الدعم السريع، إن “بعض السكان يقيمون في العراء بالقرى المجاورة، وبعضهم يختبئون في الغابات خشية من المتفلتين الذين شكلوا عصابات مسلحة للسطو على المركبات، وسرقة المتاجر والمخازن التي أفرغت من جميع السلع، ما جعل سعر جوال الذرة، وهو الغذاء الرئيس في المنطقة، يرتفع من ما قيمته 15 دولاراً إلى نحو 50 دولارا.
وكان السودانيون يعانون من ضائقة معيشية طاحنة قبل الحرب، وحسب تقرير صادر عن وزارة المالية الاتحادية في 2021، كان 65 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، لكن الضائقة تفاقمت بشكل واسع خلال العام الأخير.

ولم يحصل موظفو القطاع الحكومي على مرتباتهم منذ أكثر من عشرة أشهر، ما ضاعف المعاناة، وتقول لجنة المعلمين السودانيين، في بيان، إن “عدم صرف الرواتب أضر بجميع الموظفين الذين هم في أمس الحاجة إلى الطعام والشراب الذي تضاعفت كلفته بسبب الحرب”.
وتقول منظمة “مشابك” إن “نحو مليوني عامل وعاملة في القطاع غير المنظم، مثل بيع الأطعمة والمشروبات والأعمال اليدوية، إما سُرقت أدوات عملهم، أو نزحوا إلى مناطق لا يستطيعوا ممارسة نشاطهم فيها، ما أفقدهم القدرة على توفير احتياجاتهم من الطعام والشراب”.
وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “فاو” إن 17.7 مليون سوداني وصلوا إلى الدرجة الثالثة من انعدام الأمن الغذائي، وهم موجودون في كل من أم درمان وبحري بالعاصمة السودانية، وفي إقليم كردفان، ودرافور، وأكدت في تقرير حديث، أن “قلة الغذاء لم تنتج عن التدهور الأمني فحسب، لكن إنتاج الحبوب هذا العام هو الأقل خلال السنوات الخمس الأخيرة”.
ونبهت المنظمة إلى أن “الأزمة الحقيقية سوف تظهر بصورة أكبر خلال الفترة من فبراير/ شباط إلى أكتوبر/ تشرين الأول من العام القادم”، محذرة من “ظهور موجة جوع كارثي في شهر مايو/ أيار، إذا لم تكن هناك زيادة كبيرة في المساعدات الغذائية المُرسلة إلى السودان”.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى