الأعمدة

الاستقرار في ثبات السياسات وليس في دوام السلطة !

النتيجة : الاستقرار لا يعني بقاء السلطة في مواقعها لفترات طويلة ، إنما يعني بقاء السياسات وعدم تغيرها لمدد طويلة ، خصوصا ما يتعلق منها بحياة البشر ، إلا إذا استدعت الحاجة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ذلك.
من يقتنع ويصدق ، فلا داعي لقراءة السطور القادمة .. أما من لا يعتقد وشكك في النتيجة ، فربما تقنعه الحقائق التالية :
ـ ترسخ في أذهان النخبة الحاكمة ، واتباعها ، مصطلح “الاستقرار” باعتباره الطريق الأوحد للتنمية الاجتماعية والبشرية ، بمعنى أن الأخيرة لا يمكن أن تتم إلا في غياب أية اضطرابات سياسية أو فئوية عموما ، بما اختزل المصطلح في النهاية إلى معنى واحد : البقاء في السلطة دون أية منغصات لها .
ـ بهذا المعيار “النخبوي” فإن وزارة التربية والتعليم كانت الأكثر استقرار في عهود الرؤساء المتعاقبين على الحكم في مصر منذ حرب أكتوبر 1973 وإلى الآن .
ـ الدكتور مصطفى كمال حلمي، تولى وزارة التعليم في أول حكومة تم تشكيلها بعد نصر أكتوبر، منذ أبريل ١٩٧٤ وظل في الوزارة لمدة ١٠ سنوات، وانتهت في نوفمبر ١٩٨٦.
لم تشهد سياسة الوزارة في عهده أية تحولات مفاجئة .. فقد استمر المضى على ما كان معمولا به سواء على مستوى المناهج أو الإنفاق الحكومي على التعليم ، بينما بدأ نجم ” الدروس الخصوصية ” يتعاظم في عهده.. بعد أن كان خجولا ومواربا قبل نصر أكتوبر .. إلا أن التغييرات الاجتماعية والسياسية التي حدثت بعد الحرب، كان لها تداعيات كبرى على العملية االتعليمية ، دفعت الباحثة أمل سعودي عبد الظاهر إلى إجراء دراسة تحليلية على النظام التعليمي في العام 1980 ، لنيل درجة الدكتوراه ، كان أهم ما فيها على الإطلاق :
1 ـ عدم الربط بين سياسة التعليم والسياسة العامة للدولة – حيث كانت معظم قوانني التعليم ترتبط بشخص الوزير، ونتج عن ذلك إجراء بعض التعديلات أو إلغاء إجراءات كانت ثابته تتعلق بالتعليم الحكومي .
2 ـ القصور في توفير الموارد المالية والبشرية اللازمة لتطوير التعليم..

ـ في العام 1986 ، عندما بلغت الدروس الخصوصية أوجها في االعملية االتعليمية (حكومي وخاص) تولى الدكتور أحمد فتحي سرور ، الوزارة منذ العام 1986 وحتى العام 1990 .. وخلال مدة ولايته
.

تم تخفيف وطأة العقبات التى كانت تواجه الإخوان فى الانضمام لهيئات التدريس الجامعية، والسماح لطلاب الإخوان بممارسة نشاطهم الطلابى، فكانت نقطة الانطلاقة المهمة لسيطرة الإخوان على هيئات التدريس واتحادات الطلاب، ولما كانت مادة التاريخ للصف السادس الابتدائي ، تركزعلى الحقبة الفرعونية ، لم يجد حلا لإرضاء “الإخوان” في استبدال ما هو فرعوني بالإسلامي ، سوى إلغاء الصف السادس من المرحلة الابتدائية التعليمية ، لاحتواء الضغط الإخواني تحت مظلة التفاهمات بين “استقرار السلطة” وبين الدعم السياسي للجماعة الإرهابية ، بل وسمح الدكتور فتحي للإخوان بتأسيس مدارس تابعة لهم ، وتركها تكبر وتترعرع وتنتشرفي ربوع مصر.

ـ فى 1991، تولى الدكتور حسين كامل بهاء الدين، وزارة التعليم، وهو أكثر وزراء التعليم الذين استمروا على هذا المقعد أطول مدة في عصر مبارك، حيث استمر في منصبه لمدة ١٣ عامًا، وخلال عهده ، تم إلغاء قرار فتحي سرور السابق ليعود الصف السادس إلى المرحلة الابتدائية من جديد..وخلال عهده قام الوزير بتعديلات جوهرية في مادة الدين الإسلامي استجابة للضغوط الغربية بما يسمح بـ “التسامح الديني وقبول الآخر، وقد اعترف بذلك خلال حوار صحفي أجريته معه ونشر بجرية الأهرام مطلع الألفية الجديدة.
ـ فى ٢٠٠٤، تولى الدكتور أحمد جمال الدين، الأستاذ بكلية الحقوق، منصب وزير التربية والتعليم، خلفًا لبهاء الدين، ولم يستمر فيها أكثر من عام واحد فقط، وتردد أن السبب في خروجه السريع هو انتماء أحد أقاربه لجماعة الإخوان المسلمين ليخرج من الوزارة سريعًا قبل أن يستطيع تغيير أى شي ( المصدر : الكاتب دندراوي الهواري / اليوم االسابع/ 26 ابريل/ 2018)

ـ يسري الجمل ( 2005 ـ 2010) تقدم بمشروع إلى البرلمان لتعديل نظام امتحان الثانوية العامة ، يقوم على فكرة حاصل نتائج مراحل الثانوي العام الثلاث ، وسقط المشروع بعد ذلك تحت ضغط الرأي االعام ، لتعود الثانوية العامة (كما كنت) ..كما اتهمه الكثير من المعلمين بأنه أسوأ من تولي منصب الوزارة ، وذلك لانه قام بإهانتهم وتعريضهم لامتحانات مهينة في اختبارات كادر المعلمين..وفوق كل ذلك ، تبنى الوزير يسري الجمل سياسة جديدة اطلق عليها “اللا مركزية”بموجبها اعطى صلاحيات واسعة، لرؤساء الإدارات التعليمية ، ليتحول كل منهم إلى مركز من مراكز القوى فى محافظته، ما أدى إلى فضيحة تسريب امتحانات الثانوية العامة ، التي قامت بعدها النيابة الإدارية باتهام عدد من مسئولى الوزارة فى القضية.

أحمد زكي بدر (2010 ـ 2011)، قرر العودة لسياسة سلفه بهاء الدين ، المتعلقة بمادة الدين ، حيث قام ولأول مرة ، بإشراك جهات دينية ، في تعديل المناهج المقررة على تلاميذ المراحل التعليمية ، وربط موافقة مفتي الديار المصرية ( د/ على جمعهة) وقداسة البابا شنودة الثالث ( رحمه الله) بإقرار منهجي الدين الإسلامي والمسيحى في المدارس.

ـ بعد ثورة يناير 2011 ، تعاقب على الوزارة كل من احمد جمال الدين موسى(11 شهرا ) ، جمال العربي (7 شهور) ، ابراهيم غنيم (11 شهرا) ، محمود أبو النصر (سنة ونصف) ، محب الرفاعي (6 شهور) ثم الهلالي الشربيني ( سنة وخمسة أشهر/ من 19 سبتمبر 2015 ـ 16 فبراير2017) وخلال تلك السنوات كانت العملية التعليمية تدارعلى القواعد السابقة ، التي كان أبرز مشاهدها انهيار التعليم الحكومي تماما ، وفتح الأبواب على مصراعيها أما الوافد الجديد “السناتر التعليمية)

ـ طارق شوقي (خمس سنوات ونصف / 16 فبراير 2017 ـ13 أغسطس 2022) ، قدم سياسة جديدة فكرتها تنطلق من التحول نحو استخدام الأجهزة اللوحية عوضاَ عن الكتب المدرسية التقليدية، مروراً بقرار التحول نحو التعليم عن بعد ، وعقد الامتحانات إلكترونياً بسبب وباء كورونا ، إلا أن مشروع الوزير وفكرته كانا يقفزان فوق واقع اجتماعي (الفقر) وتكنولوجي(شبكة الإنترنت) ما أدى إلى سقوط المشروع والفكرة وقدوم الوزير الجديد ، لكن سياسة الوزير تميزت بملاحقة ما يسمى بـ “سناتر” الدروس الخصوصية ، وتجريمها.
ـ رحل طارق شوقى ، وجاء الدكتور رضا حجازي وزيرا جديدا ، وكانت أولى قراراته المشي بـ “استيكة” على قرارات رئيسه السابق طارق شوقى ، وألغى تجريم السناتر ، وحللها ويطالب بتقنينها ،بما يعنى القاء راية الاستسلام أمام السقوط الأخير للتعليم في مصر
الخلاصة :
ـ لم يضمن بقاء وزراء التعليم على مقاعدهم لسنوات طويلة ، استقرار النظام التعليمي في مصر ، بل لم يمنع البقاء على الكرسى لمدد طويلة نسف وتغيير السياسات من وزير إلى آخر.. وتسبب ذلك في الإنهيار التعليمي .. ما يعني أن الاستقرار لا يكون باستمرار السلطة على مواقعها ، إنما في تواصل واستمرار السياسات ، سواء كانت في التعليم أو الصحة أو غيرها.

أحمد عادل هاشم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى