الأعمدة

نقاط عبور ..صديق الحلو / رحيل ايقونة الشعر السوداني الشاعر عبدالله شابو

ولد الشاعر المتميز عبدالله شابو في مدينة الكوة على ضفاف النيل الأبيض في العلم 1943.
ودرس بمدرسة الكوة الأولية. وكوستي الأهلية الوسطى والفنية، ثم الكلية المهنية حيث تخصص في هندسة التبريد. عبدالله إبراهيم موسى شابو قدم للشعر الكثير فهو رئيس نادي الشعر، ورئيس رابطة الكتاب السودانيين، ومؤسس لتجمع ابادماك الثقافي في أول السبعينيات. تم تكريمه من قبل جائزة الطيب صالح العالمية كشخصية العام 2015.
زامل الأدباء والمبدعين عيسى الحلو، خالد المبارك، الشاعر جيلي عبدالرحمن وتاج السر الحسن، عميد شعراء السودان عبدالله شابو أصدر أول ديوان شعر له باسم أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين. في أواخر الستينيات ثم ديوانه حاطب ليل، فنال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، ثم أصدر ديوان شجر الحب الطيب. وأزمنة الشاعر الثلاثة. لقيت أماله رواجا كثيرا وكتبت عنه كثير من الدراسات وعملت معه حوارات في الصحف والمجلات والإذاعة والتلفزيون. في السودان ومصر وأوروبا وأمريكا، حيث أكمل دراسته بمصر وأمريكا. يعتبر شابو من أميز كتاب الشعر في الحداثة في السودان. ويسهم بالكتابات في الصحف والمجلات القومية قرأ شابو الشعر بالإنجليزية والإسبانية والعربية. وترجم شعر لوركا الإسباني إلى العربية. قال في قصيدة الكوة حيث مسقط رأسه:
عزيزتي يا أمي التي أحب……
يا دوحة تهزها الرياح في الدياجي لكنها تحن للصباح….
وعندما يسير في شعابها القمر…….
والنيم يرتوي شعاع. ……
تحس انها تعانق البعيد والبعيد. ……
وتغزل الضياء من أحلامها العذراء والظلال….
وتكسب التاريخ من براعم الشجر.. كأنها أسطورة عجوز. عزيزتي..الناس فيك طيبون.
الزارع المسكين والخفير… وصاحب الدكان والعتال. تضيء في نفوسهم ترنيمة الأمل. ويزرع الحنان في أجفانهم صفاء.
عزيزتي.. إذا مشي الخريف في الدروب واخضوضر الجميز والشجر. وفاضت الشقوق اخضرارا.. تسربل الطريق بالمطر.. تذكري يا أمي.. الذي يحب في ربوعك الليال
وبرعما منعما تخضل وجنتاه بالعبير. ويشتكي املوده الزنار
تذكري الذي يحب.. واسكبي في دربه الظميء قطرة كي يورق الجمال في فراغة الجديب.

شابو لديه مفرده خاصة تفيض بالشجن وتلك النداوة موسيقى شعره تدخل في الوجدان مباشرة كشخصة تماما خمسين عاما وهو يكتب الشعر بذات الجودة المعتقة.. شعر بسيط المفردة عميق الفكرة كما جعله عميد الشعر في السودان. مع ود المكي ومحجوب كبلو وعالم عباس وعادل سعد. قمم الشعر في السودان. شعر من القلب يخاطب الوجدان ويحتله.تحس بالصوفي العاشق والثوري المتمرد. رقيق العبارة ومبلل بالوجد. شابو المثالي والحالم. خط اسمه من ذهب في السودان وبأحرف من نور واصل المسيرة. جاب كثيراً من أقطار الكون هذه الأسفار أكسبته كثير من التجارب الثرة والمعارف. وكما زوربا اليوناني يكون الحديث معه طاعما بمذاق القرفة والقرنفل.. العبارة عنده مكثفة بالانفعلات وبحب الحياة والناس تحس برائحة الدعاش والأرض والزرع والإخصاب. هذا الشعاع الملتهب يضيء ليل حياتنا بالنور. شابو بإبداعة الأصيل اضحي ضمير امته مناهضا للانتكاس. ضد الدكتاتورية والظلم. رافعا للهمم ومعبرا عن أشواقنا المكبوته أحلامنا آمالنا. لقد ظل شابو ومازال وفيا للشعر…كتب عن الانسان أشواقه وأحلامه. آلامه وأفراحه وعن كوستي والكوة والخرطوم والقاهرة وإسبانيا. إفريقيا وأمريكا والإنسانية جمعاء. كتب شعرا حداثويا كما درويش وأدونيس وأمل دنقل. الإعلام عندنا لا يبرز مبدعينا بالشكل الأفضل ولايسوقهم للمحيط. كتب أستاذنا عبدالله شابو القصيدة التشكيلية والنفسية والشعر العمودي والشعر الحر. وفي الحداثة ومابعدها وفي كل ذلك كان مجودا ومتفائلا بأن لايصح إلا الصحيح. في دار الهناء بالقاهرة طبع ديوان أغنية لإنسان القرن الحادي والعشرين ذلك الزمن الجميل الذى مضي. آفاق السعد في الزمن الأول وأزالت المشاعر غضة وطرية.في قصيدته معذرة تقطع شابو شعرا. وفي المجد لك كان كبير الكهنة الذي يبارك الجميع. وللوركا ومحمد المكي إبراهيم وعبد الهادي الصديق مكانة خاصة عنده.

في قصائده عن ثورة أكتوبر تجلي شابو وأبدع وفي الناعمة هناك حديث آخر:
في الغرفة الأنيقة المزدهرة…تناغمت عطورها…ثيابها وخدها الممتلئ الأسيل… ودارت الأضواء نصف دورة. واغرقت متاعها…ونحرها. واندلعت على سريرها ملاءة من الحرير تمد كفها. أحس في دمي رفيف اجنحة وزفة من المزاهر العتاق والطبول.تجرفني.. تغرقني..فاستطيل أشرعة جسارة مروعة…لوكان قلبي الوجيع ياحبيبتي معي أو أن وجهي القديم مايزال وجهي القديم سكبت في نصاعة الأديم أدمعي. صنعت من عصارة المياه والمدام والشذي جديلة وخصلة وتاج. أحكمت حول حسنك الرتاج. وطوفت قلوعي المغامرة. ولعانس شابو أغنية ليلية من الترقب تحت شجرة الحناء. في قصيدة القناع يبلغ شابو الذروة الممتعة ولكن لابأس أن نعطف على الخاتم المنفض. أما عن شجر الحب الطيب كتابة على جدار طاعن في السن في الزمن الثالث. فهنا النضج الفني. الموضوعية وذاك الألق. المحلق ياصديقي كان يعلم. في قمر السامر أحبك جدا مع الزهرة والغراب يقول المغني القديم. شابو المغني القديم يتنفس الشعر مابين المسام يهمس حكما ويبوح حلما في حقول الورد يلج العاشق القديم النهر:
النهر يذهب للضفاف معانقا
حتى ارتوت الجذور وصفق الثمر.ينساح نحو مصبه. ينداح في الرحم الخفي.
شابو كثير الاطلاع والمعرفة يحب السينما. المسرح. الموسيقي. الغناء والرسوم ولكوستي عنده حب خاص. شابو يشجع الشعراء الشباب وقدم لكثير من دواوين الشعر وهو دقيق جدا في أحكامه الصائبة ولا يجامل أبدا. يختار عناوينه بدقة وذوق رفيع فتجدها دائما في كلمة أو كلمتين تعبر عن مضمون القصيدة. دائما تجده متفائلا لأنه عرف الدنيل وخبر الناس. يستشهد ببيت عمر بن أبي ربيعة:
وذو الشوق القديم وإن تعزى
مشوق حين يلقى العاشقينا
ولمحمد الفيتوري:
قالت البومة للطاؤوس لولا صورتي الكريهة الدميمة ما كنت تمشي الخيلاء معجبا بريشك الجميل.
ضحك الطاؤوس وقال:
صدقتي يا سيدتي الحكيمة.
وهنا لا نقول وداعا ولكن إلى اللقاء.
الخرطوم بحري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى