الأعمدة

عش الدبابير قصة قصيرة

اتاهم من الخرطوم وافدا. بعد سبعة اشهر من الحرب. في ثاني يوم لوصوله منزل فاطمة نورين’
قال له عبدالله ود الريف زوجها وهم علي الغداء مباشرة
. اننا لانكره الضيوف
ولكننا ايضا لانريد المشاكل. من الافضل
ان تسكن مع اهلك. ابومحمد. وانت لاتريد السكني هناك..
لانهم يقطنون في عش الدبابير بيت النحل ذو السم القاتل الآتي من جنوب افريقيا. كانت ايام تنقصهاالاشواق والبراءة. والعزيمة. في ذلك الماضي التعس. ايام فارقها
المرح. ومازالت في المخيلة ويلات الحرب. كانت فاطمة نورين متوحدة. من تخوم بحرالعرب اتت
حيث ان جذورها مليئة بالعنف والتشفي والشفشفة.
وكانت تعتقد انها تحرك الاشياء وتؤثر
في الاشخاص والايام. بعد شهرين
من التٱفف والاشمئزاز’ اصبت بالربو والدوار اثر نزلة برد حادة من جراء العيش جوار
مسكن للحمير والاغنام. والحمام. قال لك عبدالله ود الريف وهو متوهط
وسط سريره كقرد الطلح. لامكان لك عندنا هنا بعد الان ابومحمد. خاصة وان هناك فتاة ريفية
جاءت للعيش معنا لمواصلة تعليمها الجامعي. ونحن لاديوان للضيوف عندنا ولاحيله. يود عبدالله ود الريف ان يحلق في فضاءات الصحو غارقا في متاهات الاحلام مع
الليل والنجوم. وهو من حلب صعيد مصر. الرحل لاهوية
لهم بالتحديد.
كان ناري المشاعر حاد الطبع. وكانت ذاكرته قد دمرتها الافكار الشريرة والحرب. ويعيش
بين الوهم والحقيقة
واقعه الخشن جعل طباعة وعرة.. وهو لايفرق بين المشكوك
فيه والزائف كان وجلا وقحا ولامبالي
لايعرف الخيال
كثير التطرف والانزواء….
2
فاطمة نورين من جانبها قالت لك: ليس عندنا ديوان للضيوف فلا تستقبل
معارفك هنا.واذا مرضت سارسلك الي عش الدبابير. واردفت
لقد فتنتني مع عبدالله ود الريف. حتي احمرت اذناه وانفه الذي كالمنقار…
عبدالله ود الريف ذو
جذور مصرية إلتقي
فاطمه نورين النافره
في تخوم بحر العرب. فكانت زيجة
نشاز. كانت دائما بينهما مشكلة مؤجلة
ومعارك يشتد اوارها
بين الحين والٱخر
لم يتحقق مشروعهما المشترك
الا في انجاب ابناء يعيشون الصراع بينهما. وتلك العلاقة
المتوترة. كما انهما في حالة حرب. يدمران حياتهما بهذه العلاقة
الغامضة كٱنما بينهما
منافسة بإلحاق الهزيمة كل بالآخر. الحياة بالقرب منهما
مأساة. قالت لك فاطمه نورين وهي تضع الحناء علي رجليها ومسحة من عطر الصندل علي اذنيها.. انت مصاب بمرض الدرن. السل الرئوي. فلا تنقل لنا
العدوي من سعالك
المتواصل ثم اردفت
إنني تجرعت الحسرة والندم ولكت الحنظل بدعوتك الحضور الينا.
ياليتني لم ادعوك! فاطمه نورين تحب التحكم. والسيطرة. العنجهيه والتسلط في الاشياء والناس.
وهي كبنت مجذوب
تماما. يفزعك تهورها
حتي الموت والجنون. ولابد ان تبادلها العداوة والبغضاء. دخلت مجال الدروس الدينية ولكنها لم تستفد فقل دينها..
لم تمر ايام حتي اخترعت فاطمه نورين قصة الرواية
الكتاب الذي يتناول
المسكوت عنه في رواية خيالية. اعتقدت انك اتيت بها قصدا لتفسد بناتها الجميلات. وابناؤها واحفادها العديدين. وصارت اكثر توحدا وتوحشا
وتأزما. كانت تحب المال فزوجت بناتها
من موسورين حتي يعشن حياة رغدة وهي في ظلهن تجني العنب.

3
عندما قررت الرحيل
لم يهتم احد بمغادرتك. غادرت غير مٱسوف عليك
تلحقك الركلات واللعنات والشتائم
وصرت منبوذا كمليشيا فقدسربه…
تغالي في خيالها فاطمه نورين. فهي قد شهدت حرب البوير. وآخر ايام الانجليز والمهدية. وقرٱت عن تاريخ العرب. وجغرافية افريقيا. وهي الخبيرة باللغات الانجليزية والعربية
والفرنسية ولغة الهوسا.
اعطي عبدالله ود الريف الضوء الاخضر لفاطمة نورين حتي تريك الوجه الآخر. وجه الككو كما ارته لامه واخيه واخته من قبل. فٱشتدحصارها
عليك. وخوف من ان
يطلقها طلقتها الاخيرة ود الريف. قررت الغداء بك حتي لايتعشي بها الوغد. وهو كقط ارقط متربص لايبالي باصطياد فريسته. تخيلاتها
البديعة غير قابلة للفهم واحيانا تدعي
ان لها رؤية صوفية
ولها نفحات صافية
واشراقات. تسمو في السماء بعيدة عن الأرض. مما يجعل وضعها تراجيديا. فيه البركات والنفحات والواقع الروحاني السفلي والعلوي معا.
تغيرت فاطمه نورين
وصارت ماكرة. مستهتره. منافقة. ترتدي كل الاقنعة والمسوح. اضحت مواقفها متلونة. كثيرة الادعاء. مليئة
بالخواء الأجوف. والخيلاء الكاذب. لاتعرف فاطمه نورين ان الدنيا زايلة
ونعيمها عرضا زايل. ومتحولة والايام قابلة للتعديل. والتبديل. وتتداول بين الناس. تعبر عن
ماضيها البشع فاطمه نورين بصدق. الفقر الروحي والمادي معا
……
عبدالله ود الريف المتعجرف بوضاعته
الغارقة في الجفاف والبخل. ابعد امه واخيه واخته في زمن مضي لانه لايريد ايوائهم. سادر في غيه لايبالي.
رغم امراضه العديدة
. السكري وضغط الدم. وآلام الظهر والغضروف. وخشونة الركب. الا انه لايهتم بجمع الحسنات. وهو في طريقه لملاقاة ربه فوت الفرصة تلو الاخري لزيارة بيت الله الحرام.
الان وقد هرما هو وزوجته فاطمه نورين لم تبق لهم الا الذكريات التي تفوح رائحتها ولكنها ليست عطرة.
ولد ود الريف قبل قرن ونصف من الزمان في اقصي صعيد مصر. وكانت
تنقصه العاطفة.. شب عن الطوق وهو
لايؤمن بأحد ويآثر
السلامة. لقد عرف الخوف وعدم المبادرة والامل والصدفة والحتمية. والضرورة والالم الكبير وقليل من الفرح. كان بلاحرية
وبلا ارادة وبلا قرار. لذلك عامل اولاده بتعسف وكان امتدادا لوالده وجده.
سكن المدينة باخلاقه الريفية فصار في اضطراب كبير.كلما تذكر طرده لامه واخته واخيه. وكان مثل حيوان مفترس يلتهم عصفورا صغيرا لاحول له ولاقوة. لم يخترق
الظلمات باشواقه الغامضة والمبهمه
الآن راحت ايامه حارة الدفق وصارت
تصرفاته متناقضة فصارت ايامه كلها عذاب. راحت ايام الامتلاء الاولي. وصار وجه مكسوا
بقناع من الجمود.
/////////////////////
هذه القصة لاتمت للواقع بصلة. فهي محض خيال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى