اشتباكات - حروب

منتخب السلفادور حامل الرقم القياسي في الخسارة .. و اسرار الهزيمة بالعشرة من المجر في مونديال اسبانيا 1982

تقرير / جمال عبد الحميد

شباك السلفادور تستقبل الهاتريك الوحيد والاسرع للاعب بديل في تاريخ المونديال

“” التأهل الي كاس العالم ساهم في توحيد الشعب كلمة الشعب وايقاف الحرب الاهلية !!

“” ادخال عدد من الاصدقاء الي قائمة المنتخب واقصاء بعض اللاعبين المشاركين في المونديال يتسبب في ثورة داخل المعسكر

“” مباراة في كرة القدم تشعل الحرب بين هندراوس والسلفادور وتقضي علي البنية التحتية

عقب فوز منتخب المجر الذهبي بقيادة بوشكاش وهيديكوتي وكوتشيش وبوجيك وباقي الكتيبة المجرية الشهيرة على الشمشون الكوري الجنوبي الذي كان بمثابة قط مستانس امام عملاقة المجر بتسعة اهداف نظيفة في نهائيات كأس العالم بــ سويسرا عام 1954 كان الشعور بأن هذا الإنجاز والاعجاز والرقم القياسي الكبير من الأهداف لن يتم تحطيمه أبدًا وأنه سيبقى إلى الأبد خصوصا مع مرور السنين وإقامة العديد من بطولات كأس العالم تلك التظاهرة والعُرس الكروي العالمي الكبير .. لكن في مونديال اسبانيا 1982 تمت إعادة كتابة التاريخ ولم يتوقع أحد مؤلفيه ان الفريق الذي أخفق في التأهل إلى المكسيك 1970وألمانيا 1974وخسر جميع المباريات الثلاث في الأرجنتين 1978 بقيادة تيبور نيلازي ورفاقه من نجوم منتخب المجر سيحطمون رقم أسلافهم القياسي عندما استطاعوا تسجيل عشرة أهداف في مرمى منتخب السلفادور الذي حفظ ماء وجه بتسجيل هدف واحد في مرمى المجريين في لقاء ظل حتى اليوم يحمل الرقم القياسي كأكبر فوز في تاريخ نهائيات كأس العالم .

“” منتخب السلفادور حامل الرقم القياسي للخسارة في كأس العالم !!

على مدار تاريخ المونديال البطولة الأهم والأشهر والابرز في عالم الساحرة المستديرة منذ انطلاق النسخة الأولى في اوروجواي عام 1930 لم يخسر أى فريق بنتيجة كبيرة مثل التى خسر بها منتخب السلفادور أمام نظيره المجري في الجولة الثانية ضمن لقاءات المجموعة الثالثة من دور المجموعات الاول لكأس العالم 1982 بإسبانيا حيث تفوق المجريين بنتيجة 10-1 والتي أقيمت على ملعب مانويل مارتينيز فاليرو  في إلش يوم 15 يونيو 1982 بقيادة تحكيمية للحكم البحريني ابراهيم الدوي .. بيد أن هذه المباراة التاريخية لُعبت في ظروف اقتصادية وسياسية وادارية غير طبيعية بالنسبة للسلفادوربين أثرت على تركيز الفريق القادم من امريكا الوسطى سواء فى المونديال الاسباني أو حتى قبله لم يتطرق إليها المتابعين بشكل جيد .

“” مباراة في كرة القدم تشعل الحرب بين هندراوس والسلفادور !!
شهد الرابع عشر من شهر يوليو 1969 اندلاع  نزاع مسلح بين السلفادور وهندوراس بسبب النزاعات الناجمة عن هجرة الهندوراسيين إلى الأراضي السلفادورية وقوانين الإصلاح الزراعي.. استمر الصراع أربعة أيام والذي عُرف باسم ” حرب كرة القدم ” حيث كانت مباراة كروية بين الدولتان في تصفيات كاس العالم 1970 هي من أعطت شرارة الحرب والتي كان آثارها طويلة الأجل على المجتمع السلفادوري، الذي عاني طويلا من أضرار اقتصادية واجتماعية جمة مما أدى إلى زيادة معدلات انتشار الفساد بالبلاد وبعد حوالي عقد من اندلاع حرب كرة القدم اندلعت الحرب الأهلية السلفادورية وبالتحديد عام 1979 ، التي كانت صراع مسلح بين الحكومة العسكرية في السلفادور وجبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني، وهي ائتلاف من خمسة جماعات حرب عصابات يسارية.

“” دمار البنية التحتية بسبب الحرب !!

أدى الانقلاب العسكري في 15 أكتوبر 1979 إلى عمليات قتل للمتظاهرين ضد الانقلاب من قبل الحكومة فضلاً عن إفشال إضراب المتظاهرين من قبل مقاتلي الجيش و مكثت الحرب الأهلية في السلفادور فترة أطول من الزمان حيث عانى المدنيون بشكل رهيب من الحرب التي اتسمت بالتعذيب والموت والخراب حيث تعرضت البنية التحتية لأصغر دولة في أمريكا الوسطى للدمار والهلاك .

“” تأهل السلفادور الي كاس العالم ساهم في توحد الشعب وايقاف عمليات !!

التأهل إلى نهائيات كأس العالم 1982 كان بعيدًا عن منتخب السلفادور الذي لم يكن مرشحا للعب مع الكبار في عرس الكرة العالمي حيث جاء تأهل السلفادوربين مع أعدائهم الهندوراسيين بعد الصلح بينهما في تصفيات مجموعة الكونكاكاف معجزة كبرى فقد كانت الحرب الأهلية تمزق البلاد ولم يكن التدريب في زمن الحرب سهلاً ، كما يتذكر بعض اللاعبين اللذين كانوا مضطرين لمساعدة مصابي وجرحي الحرب الأهلية والتي تشير الشائعات إلى أن بعض لاعبي المنتخب السلفادوري كانوا مؤيدين لها بل إنهم انقسموا الى فريقين حيث فضلت مجموعة من لاعبي منتخب السلفادور الحكومة العسكرية والبعض الآخر تعاطف مع الجماعات اليسارية او المتمردين .. الغريب أن مباريات المنتخب السلفادوري في تصفيات كاس العالم كانت فرصة لإيقاف عمليات القتل بين الفصيلين حيث كان الشعب يتوحد في ذلك اليوم .

“” خوض منافسات كاس العالم بالاعتماد علي تدريبات الاحمال البدنية فقط !!
منتخب السلفادور كان لديه برنامج تحضيري جيد للغاية كما قال تقرير الفيفا الفني عن كأس العالم 1982.. لكن الظروف السياسية و الحرب التي دمرت البلاد اعاقت استعدادات السلفادور لرحلتهم إلى مونديال إسبانيا فقد كافح السلفادوريين لترتيب لقاءات ودية وتعطلت الحصص التدريبية في كثير من الأحيان فاكتفي منتخب السلفادور باستكمال المرحلة الأخيرة من معسكر الإعداد بالتدريبات التكتيكية، حيث اعتمدت المراحل السابقة على الأحمال البدنية فقط.

“” رحلة طيران مرهقة امتدت بين عدة دول كانت وراء الخسارة الكبيرة !!
كان منتخب السلفادور آخر المنتخبات الـ 24 التي وصلت إلى إسبانيا فقبل ثمانية أيام من اللعب امام منتخب المجر في المونديال الاسباني خاض الفريق مباراة ودية ضد نادي جريميو البرازيلي عقب اللقاء استقلت البعثة السلفادورية طائرة إلى جواتيمالا وقضت ليلة واحدة في المطار ، سافرت بعدها إلى كوستاريكا ، ثم جمهورية الدومينيكان وأخيراً وصلت إلى مدريد. من هناك أخذت طائرة أخرى إلى مدينة أليكانتي مقر إقامة الفريق السلفادوري .. ليصل أبناء السلفادور عقب رحلة مرهقة استغرقت 72 ساعة قبل ثلاثة أيام من اللقاء الأول امام الكتيبة المجرية .

“” الاتحاد السلفادوري الفاسد يقصي 2 من افضل لاعبيه ويستعين بعدد من الاصدقاء ضمن لائحة المنتخب المشاركة في المونديال !!

جلب فساد وعدم كفاءة المسئولين في اتحاد كرة القدم إلى المزيد من التعقيدات للاعبين السلفادوريين حيث تم تسجيل 20 لاعبا بدلا من 22 في قائمة منتخب السلفادور النهائية المشاركة في كأس العالم لأن المسئولين قرروا إحضار اثنين من الأصدقاء المقربين بدلاً من جيلبرتو كوينتيروس وميجيل جونزاليز لاعبا الفريق وعندما اكتشف اللاعبين ذلك الأمر أعلنوا غضبهم وثورتهم وحاولوا جمع الأموال لجلب زملائهم في الفريق ، ولكنهم لم يتمكنوا من العثور على أموال كافية .
ويتذكر حارس المرمى السلفادوري ريكاردو مورا ذلك الأمر قائلا : “لقد كانت ضربة كبيرة ، ليس فقط لأن الاتحاد الإتحاد السلفادوري أخذ اثنين من المسؤولين بدلاً من لاعبين ، ولكن أيضًا لأن هذين العضوين لم يحضرا مباراة واحدة ، لقد انطلقوا للنزهة بعد وصولهم وكأنهم في عطلة أوروبية” ،

“” الاسبان منحوا منتخب السلفادور مكان اقامة غير لائق وعاملوهم كزائرين من الدرجة الثالثة !!

عندما وصل الفريق السلفادوري الي مقر إقامته بالقرب من مدينة اليكانتي لم يكن مكان إقامة الفريق ذات مستوى عالي من الرفاهية والراحة فقد كان دون المستوي وغير أمن بالمرة لدرجة أن لاعبي السلفادور تحدثوا بأن الإسبان يعاملوهم وكأنهم زائرين من الدرجة الثالثة حتي أن الفريق تعرض للسرقة في هذا المكان لهذا استعان منتخب السلفادور ببعض الحقائب والأطقم التدريبية ومهمات اللعب التي قدمها لهم الاتحاد الدولي لكرة القدم ” الفيفا ” التي كانت قديمة معظمها ملصق عليه شعار كأس العالم 1974 في ألمانيا الغربية ورغم أن الفيفا قدم 25 من كرات ” تانجو اسبانيا ” الجديدة لكل دولة مشاركة في البطولة لكن لم يصل أي من الكرات المخصصة للسلفادور مما اضطر الطاقم الفني للفريق السلفادوري بقيادة ماوريسيو رودريجيز إلى مطالبة المعسكر المجري بإقراضهم زوجين من الكرات حتى يتمكنوا من التدريب قبل مباراتهم الاولى .

لاعبي السلفادور كانوا غاضبين بشدة لأنهم لم يكن لديهم حتى راية أو علم يمكن من خلالها إجراء التبادل التقليدي مع المنافسين قبل انطلاق المباريات عندئذ قرر الحارس لويس جيفارا مورا البالغ من العمر 20 عامًا الارتجال والاختراع “عندما وصلنا ، رأينا أن جميع الفرق الأخرى قدمت هدايا لخصومها وقمصانها وأعلامها وحتى كتابًا عن تاريخ كرة القدم في بلادهم. أما نحن فلم نحضر شيئًا .. لهذا قررت اللجوء الى شجرة من الصنوبر وقطعت منها قطعة من الخشب نحت فيها عبارة ” السلفادور “. وهذا ما قدمناه الى المنافسين “.

“” الفيديو الخدعة !!
أظهر استطلاع أجرته محطة إذاعية سلفادورية أن أكثر من 60٪ من المشاركين توقعوا فوز السلفادور في مباراتهم الأولى أمام منتخب المجر بنجومه الكبار نيلازي وتورتوشيك وفازيكاش وكيس وتوث وميزاروس اللذين تصدروا مجموعتهم في التصفيات الأوروبية على حساب المنتخب الانجليزي على الرغم من خسارة المجر على أرضه وخارجها أمام رجال رون جرينوود .. ولكن كل ما شاهده اللاعبون السلفادوريون عشية مباراتهم الاولي في مونديال اسبانيا لم يكن سوى مقطع فيديو صغير للفريق المجري أثناء إحدى المباريات الودية ، تم شراؤه من وكيل إسباني وقتها اعترف العديد من لاعبي السلفادور أنهم فوجئوا قبل انطلاق المباراة برؤية اطوال اللاعبين المجريين الفارعة والتي لم تظهر كما ينبغي في الفيديو الذي شاهده اللاعبين .

عقب انطلاق صافرة بداية المباراة المرتقبة والمنتظرة بين المجر والسلفادور سجل تيبور نيلاسي قائد المنتخب المجري بعد ثلاث دقائق فقط الهدف الاول في اللقاء بعده حاول السلفادوريين الهجوم على مرمى المجريين لكن رفقاء نيلازي أنهوا الشوط الأول لمصلحتهم بثلاثة أهداف نظيفة وفي شوط اللقاء الثاني بدأت المشاكل الحقيقية للمنتخب السلفادوري الذي فقد لاعبوه أعصابهم وانهاروا تماما بعد تسجيل المجر الهدف الرابع في الحارس مورا فطلب المدرب ماوريسيو رودريجيز من حارس المرمى البديل إدواردو هيرنانديز الاستعداد ، لكنه رفض مشاركته في ظل هذه الظروف الصعبة حيث أنه أراد حماية مورا من تلقي المزيد من الأهداف ، لكن بعد ذلك أدرك أنه يجازف بتدمير ثقة اثنين من حراس المرمى في نفس اليوم فترك مورا على أرض الملعب”.

أنهت خبرة الفريق المجري و نجومه الكبار المباراة لصالحهم ساعدهم في ذلك قلة خبرة لاعبي السلفادور والانهيار التام لأفراد الفريق عقب الهدف المجري الرابع لتفوز المجر بالمباراة 10–1، مسجلة أكبر نتيجة في تاريخ نهائيات كأس العالم و سجل البديل المجري لازلو كيس هاتريك وهي الثلاثية الوحيدة في تاريخ المونديال التي سجلها لاعب بديل، والأسرع على الإطلاق كانت في غضون سبع دقائق .
وكان لويس راميريز زاباتا ، الملقب بـ ” بيليه” ، قد سحل الهدف الوحيد للسلفادور في الدقيقة 64 من عمر المباراة وعلى الرغم من أن النتيجة وقتها كانت 5-1 للمجر ، فقد احتفل راميريز بهدفه بجنون كما فعل الإيطالي ماركو تارديلي لاحقًا في المباراة النهائية .. الطريف أن بعض لاعبي المنتخب السلفادوري طلبوا من راميريز عدم المبالغة في الاحتفال بالهدف الذي سجله في مرمي الحارس المجري ميزاروس حيث كانوا خائفين من أن يؤدي ذلك الاحتفال إلى غضب المجريين حتى لا تستقبل شباك حارسهم مورا المزيد من الأهداف.

عقب عودة منتخب السلفادور الى بلاده بعد انتهاء المغامرة المونديالية في اسبانيا بالخسارة مرتين من بلجيكا والأرجنتين تعرض اللاعبون للسخرية والتهديد وكان الحارس لويس جيفارا مورا الاكثر تعرضا للهجوم في الوطن حيث تلقى العديد من التهديدات بالعنف والقتل بينما انتقل المدرب ماوريسيو رودريجيز ، الأصغر في كأس العالم ، البالغ من العمر 36 عامًا ، الي العمل في الهندسة ولم يدرب أي فريق مرة أخرى مدعيا أنه يمكن أن يكسب أكثر. لكن تم إدراج اسمه في القائمة السوداء قبل فترة طويلة من قراره ..كما استقال مساعده خوسيه كاسترو والذي يعترف “نفسيًا وأخلاقيًا لم أستطع الاستمرار. ما حدث في إسبانيا كان كثيرًا جدًا” وبعد عدة سنوات تم الغاء تصاريح اللاعبين المجانية لحضور ومشاهدة مباريات الدوري السلفادوري .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى