تحديات تواجه سلام جوبا في العملية السياسية القادمة في السودان
ميعاد مبارك
الخرطوم ـ «القدس العربي»: بينما تمضي الآلية الدولية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) في ترتيبات الدعوة للورشة الخاصة بمراجعة اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، يواجه ملف السلام عددا من التحديات البارزة.
ورغم أن رئيس «الجبهة الثورية» الهادي إدريس، والذي يشغل منصب عضو مجلس السيادة، أعلن انعقاد ورشة السلام مطلع الشهر المقبل، إلا أن حركتي «العدل المساواة» بقيادة جبريل إبراهيم، و«تحرير السودان» التي يتزعمها مني أركو مناوي، الموقعة على اتفاق السلام، لا تزال تتمسك بموقفها الرافض للاتفاق الإطاري.
ويندرج إصلاح اتفاق السلام ضمن القضايا الخمس التي أجلها الاتفاق الإطاري الموقع في 5 ديسمبر/ كانون الأول بين العسكر وعدد من التنظيمات السياسية والحركات المسلحة، للمرحلة النهائية من العملية السياسية.
وتشمل القضايا المؤجلة للمرحلة النهائية التي انطلقت في 9 يناير/ كانون الثاني الجاري، بالإضافة إلى قضية اتفاق السلام، العدالة والعدالة الانتقالية، الإصلاح الأمني والعسكري، حل أزمة شرق السودان، تفكيك نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
«ثنائي ومعيب»
وخلال مخاطبته مجموعة من مناصريه في مدينة نيالا عاصمة إقليم دارفور، الأسبوع الماضي، تمسك جبريل إبراهيم، برفض الانضمام إلى الاتفاق الإطاري، واصفا إياه بـ«الاتفاق الثنائي المعيب» في إشارة إلى كونه بين العسكر ومكونات «الحرية والتغيير» الائتلاف الحاكم السابق.
واعتبر أن الاتفاق يهدف لـ “تكوين ميليشيات وشرطة حزبية وتسييس النيابة والقضاء» مطالبا بـ«اتفاق جديد بمشاركة واسعة يعالج عيوب الاتفاق الإطاري» على حد قوله.
أما مناوي، والذي يقود حركة «تحرير السودان» كما يشغل منصب حاكم دارفور، فاشترط دمج رؤيتهم مع الاتفاق الإطاري، ليفضي إلى اتفاق جديد، مشددا على إنه «لن يوقع على الاتفاق إلا على جثته».
وما لم يتراجع مناوي وجبريل، عن موقفهما الرافض للاتفاق الإطاري، يبدو أن حركتي «العدل والمساواة» و«تحرير السودان» ستتخلفان عن المشاركة في المؤتمر الخاص بإصلاح اتفاق السلام، والذي يندرج ضمن أعمال المرحلة الأخيرة من العملية السياسي،. الأمر الذي قد يعرقل تنفيذ توصيات ورشة السلام التي من المنتظر إدراجها في الاتفاق النهائي، المنتظر توقيعه في فبراير/ شباط المقبل.
وفي محاولة لاستقطاب مشاركة واسعة في ورشة السلام، قال رئيس «يونيتامس» فولكر بيرتس، إن الآلية الدولية الثلاثية «شرعت في التحضير لورشة العمل الخاصة باتفاقية السلام» مؤكدا أن «الهدف الرئيسي منها استكشاف الطرق العملية لتنفيذ وإحياء الاتفاقية، ليس تقويضها».
وعبر عن أمله في «مشاركة واسعة من جميع أصحاب المصلحة لترجمة السلام إلى حقيقة واقعة» حسب تغريدة نشرها، أمس، على حسابه الرسمي في «تويتر».
ورغم أن اتفاق السلام منح الحركات المسلحة ثلاثة مقاعد في المجلس السيادي وسبعة في مجلس الوزراء، فضلا عن حصص أخرى في الحكم الولائي والمحلي، فقد نص الاتفاق الإطاري على تعيين مجلس سيادي مدني محدود، وأن يكون الطاقم الوزاري، وحكام الولايات أو الأقاليم، من كفاءات وطنية ملتزمة بالثورة والإعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال، دون محاصصة حزبية، ودون استثناء لأي طرف من أطراف الإعلان السياسي، الأمر الذي يضع مكتسبات أطراف السلام في السلطة على المحك.
ومن أبرز التحديات التي قد تعرقل الورشة، قضية مسار شرق السودان في اتفاق السلام المقسم إلى مسارات مناطقية، شملت خمسة أقاليم، بينها دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان بالإضافة إلى الشمال والوسط والشرق.
فقد تصاعدت الأصوات الرافضة لهذا المسار منذ إعلان التوقيع على اتفاق السلام، قبل نحو 25 شهرا، حيث قامت مجموعة من زعماء العشائر بقيادة محمد الأمين ترك، بإغلاق الإقليم، بما يتضمن الموانئ البحرية، مطالبين بإلغاء مسار الشرق وإنشاء منبر تفاوضي خاص بشرق السودان ملوحين بانفصال الإقليم. ولا يزال عدد من الأطراف الرافضة لمسار شرق السودان خارج الاتفاق الإطاري، أبرزهم ترك الذي لوح أخيرا بإعادة الإقليم للحرب مرة أخرى. فهل تتمسك أطراف السلام بمسار الشرق، أم تمضي في اتجاه تأسيس منبر تفاوضي خاص بالإقليم؟ الأمر الذي يبدو أشبه بالمأزق الذي قد يقود في الحالتين إلى تأزيم الأوضاع هناك في حال فشل الورشة الخاصة بشرق السودان المرجح انعقادها قبل ورشة السلام، في حشد مشاركة واسعة وتقريب وجهات النظر بين مكونات الإقليم.
الترتيبات الأمنية
وفضلا عما سبق، ظل ملف الترتيبات الأمنية الخاص بدمج وتسريح قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في القوات النظامية السودانية، يراوح مكانه، بينما تزايدت أعداد قوات الحركات وتشكلت حركات جديدة وتنظيمات مسلحة في مناطق لم تشهد من قبل أي مظاهر للتنظيم المسلح، في وقت تحدثت تسريبات صحافية عن موقف الجيش الرافض لدمج أعداد كبيرة من قوات الحركات المسلحة التي تتخذ في غالبها طابعا قبليا، فضلا عن التحديات الخاصة بتمويل عمليات الدمج والتسريح والصرف عن قوات الحركات والتي أدت إلى تفلتات واسعة كانت لها آثار فادحة على الأوضاع الأمنية المتردية بالأساس في البلاد. وفي الأثناء، تمضي أطراف الاتفاق الإطاري والآلية الدولية الثلاثية في التحضير للورشة الخاصة بالسلام، حيث التقى رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس، أمس الثلاثاء، بالوساطة الرباعية التي تقودها واشنطن والرياض، بعد يوم واحد من لقائه مع الآلية الثلاثية التي تقوم بتيسير العملية السياسية في السودان، وذلك عقب زيارته لدولة جنوب السودان، التي قامت بدور الوسيط في اتفاق السلام، حيث أطلعهم على نتائج زيارته لجوبا والتي كان لها علاقة مباشرة بعملية السلام والورش التي ستعقد خلال الأيام المقبلة في إطار العملية السياسية.
وقال إدريس، في تصريح صحافي، عقب اللقاء، إن «دولة الجنوب، وبوصفها دولة وسيطة وضامنة لاتفاق السلام، يجب أن يكون لها دور في الورش الخاصة بالعملية السياسية، خاصة المتعلقة بقضية الشرق والسلام». وبيّن أن الموقعين على الاتفاق الإطاري اتفقوا على ضرورة إشراك الدولة الوسيطة في عملية السلام، في الورش المعنية بالسلام وقضية الشرق ومنحها دورا أساسيا في العملية السياسية الجارية في البلاد.
ورأى أن العملية السياسية تمضي نحو تحقيق نجاحات كبيرة، مؤكدا أن الاتفاق يعد خطوة مهمة في مسيرة الانتقال الديمقراطي في السودان. وأشار عضو مجلس السيادة إلى مضي العملية السياسية إلى مراحلها النهائية، مبيناً أنه بحلول مطلع فبراير/ شباط المقبل، سيتم البدء في ورشة السلام، لافتا إلى تحركات واسعة لإلحاق الممانعين، بالاتفاق الإطاري والتوقيع عليه حتى تكون العملية السياسية شاملة تؤسس لمسيرة التحول والانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.