أخبار العالم

عمدة برشلونة ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني

في خطوة جريئة، ليست بالغريبة على عُمدة برشلونة اليسارية آدا كولاو، أقدمت هذه العمدة الأسبوع الماضي على تعليق العمل باتفاقية التوأمة مع بلدية تل أبيب، التي تم توقيعها في 1998، في إطار حسن الظن بأهداف اتفاقية أوسلو الموقعة في مدريد سنة 1995. ويأتي هذا الموقف للتنديد بسياسة الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل على الشعب الفلسطيني الأعزل.
لكن هل حسبت كولاو حسابا للثمن الذي ستدفعه هي وحزبها جراء هذه الخطوة، وسط بلد بحجم إسبانيا، يحتكر فيه اليمين أغلب وسائل الإعلام؟
لقد اكتسبت كولاو بهذا القرار لقب أول عُمدة تعلّق العمل باتفاقية توأمة وتعاون مع بلدية تل أبيب، علمًا بأنها اتخذت نفس القرار مع مدينة سان بطرسبورغ الروسية مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. وصرحت في كلا الخطوتين بأنها قرارات ضرورية للدفع إلى السلام ونبذ استخدام الأسلحة في حق الشعوب.
ليس من العدم
وفي الحقيقة لم يولد قرار تعليق التوأمة مع تل أبيب من عدم، بل إنه ثمرة عمل ميداني قامت به أكثر من مئة جمعية ومنظمة حقوقية مدافعة عن القضية الفلسطينية نجحت في جمع أكثر من أربعة آلاف توقيع لمواطنين برشلونيين طالبوا بإلغاء هذه الاتفاقية. واعتبرت كولاو أن المسؤولية الأخلاقية تحتّم عليها بوصفها رئيسة بلدية لهؤلاء المواطنين، إيصال صوتهم وترجمته إلى فعل سياسي، مع التأكيد على أن القرار ليس موجها ضد المواطنين اليهود بل ضد سياسة حكومة إسرائيل.
ربما يبدو القرار شعبويا، لمن لا يعرف شخصية عمدة برشلونة وتاريخها السياسي الزاخر بالتصريحات الشجاعة المتبنية لحقوق الشعب الفلسطيني وحقوق الشعوب المضطهدة عموما، لكن هذا القرار بشكل خاص كان مدروسا بعناية فائقة، إلى درجة أن بعض مواقع المعارضة اليمينية الشرسة واللوبي الإسرائيلي في إسبانيا اتهموها بـ”المعاداة المُحنّكة للساميّة”!!!
فقد قامت آدا كولاو، قبل الإعلان عن تعليق الاتفاقية، بإرسال بيان إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، تعلمه فيه بالقرار والأسباب التي دفعتها إليه. وذكّرت خلال مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، بأن تنفيذ هذا القرار متعلق بتصويت أعضاء المجلس البلدي، نهاية الأسبوع القادم، وهو ما سيمثل بالتأكيد مجالا لممارسة الضغوط السياسية من الجانبين على الرأي العام وعلى الأحزاب وأعضائهم، ولا سيما أن بلدية برشلونة تجمعها اتفاقية تعاون مع غزة، لكن اللوبي الإسرائيلي حاضر أيضا في تركيبة المجلس.
مرجع في الديمقراطية
على صعيد آخر، وفي ظل الحرب الشعواء التي شنها اللوبي الإسرائيلي على كولاو، عبر الإعلام اليميني الإسباني والدولي، رأت رئيسة محافظة مدريد إيسابيل أيوسو، أن التصدي لتصريحات كولاو لا يمكن أن يتمّ إلا عبر زيارة دولة الاحتلال، للتخفيف من وقع “فظاعة هذا القرار”، والتصريح من هناك بأن إلغاء اتفاقية التوأمة مرفوض تماما، ولا يلزم مواطني برشلونة ولا كتالونيا ولا إسبانيا بشيء، وذكرت أيوسو المشهورة بـ”هواها الترامبي” أن إسرائيل تعتبر مرجعًا في الديمقراطية بالنسبة للمنطقة، وأن العلاقات الوطيدة بين البلدين لا يمكن أن تشوبها هذه “الحماقات”.
وفي الحقيقة، لم تقتصر الانتقادات اللاذعة لكولاو على الخصوم السياسيين؛ فالصدمة جاءت من الحزب الاشتراكي الحليف، الذي بدا واضحا من خلال استنكار قياداته لموقف كولاو “الأحادي الجانب”، أنه جزع على رصيده الانتخابي، والبلد تفصله ثلاثة أشهر عن الانتخابات البلدية القادمة، أكثر من خوفه على أصوات أنصاره من المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في إسبانيا، وهم كُثر.
وفي الوقت الذي كان فيه موقف حزب “بوديموس” الذي تنتمي إليه كولاو واضحا وفخورا بموقفها المتناغم مع باقي مواقفها الحقوقية منذ فوزها برئاسة البلدية في مايو 2015، لم تتوقف أصوات بعض المغردين على شبكات التواصل الاجتماعي، عن التساؤل عن الغرض من وراء حرص كولاو على تعليق اتفاقية التوأمة مع تل أبيب، في حين أن بعض الحكومات العربية لا تجد عيبا في التعاون مع إسرائيل، والحال أنها محسوبة عدوًّا لشعوبهم.
شجاعة واضحة
مهما تكن رمزية الخطوة التي اتخذتها آدا كولاو، فإنها تعكس شجاعة واضحة للنأي بالنفس عن تيار “تبييض جرائم النظام الصهيوني الفاشي” الذي جرف أغلب الأحزاب والحكومات في العالم، فرفضت أو عجزت عن إدانته، حسب قولها. وربما تكون هذه الخطوة، كما تأمل حركة مقاطعة إسرائيل، هي البادرة التي تنسج على خطاها بلديات أخرى من مختلف أنحاء العالم، ولا سيما أن أصواتا عديدة أصبحت تتعالى من داخل إسرائيل في حد ذاتها، تنديدًا بارتفاع وتيرة العنف وتصفيات الفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى