لحظات هاربة من الجحيم
رغم قساوة النزوح و مرارة التشرد و ألم البعد وفراق الأهل والأحبة ، وضنك العيش وقلة الحيلة منذ دزينة من السنون ، وفوق كل القهر والخوف والحاجة التي تعصف بنا ، كان كل شيئ على ما يرام قبل فجر يوم الاثنين السادس من شباط الحالي .
ثواني هربت من الجحيم ، لحظات أصبحت فيها الخيام المهترئة التي يقطنها النازحون في العراء تحت الأمطار والثلوج وفي حضرة البرد القارس ، أصبحت أكثر أمناً و دفئاً و طمئنينة من القصور والعمارات والأبنية الشاهقة التي تجاورها بتكبر .
لحظات تمنى فيها من يسكن الشقق الفارهة ويتمدد على أرائك الديباج ، مع ساكني هذه الخيام الرثة و التعيسة ، ناسياً بل متناسياً ما يعانيه من أودت به الظروف إلى أرزل سنوات الحياة .
لحظات ظهرت فيها عظمة وجبروت الخالق ، أمام ضعف وهوان المخلوق .
اهتزت الأرض من ذنب سرى فيها ، فارتج نائمها وارتاع صاحيها ، والهز قدر ثوان قض مضجعنا ، فكيف بالهزة الكبرى توافيها .
من عاش هذه اللحظات ( وأنا والأهل منهم ) أدرك أهوال يوم القيامة ، مع أنها لا تعادل مثقال ذرة من ذلك اليوم الموعود .
واليوم وبعد أحد عشر يوماً على هذه الفاجعة التي أحلت بالسوريين ( وكأن هذا ما ينقصهم ) وللأسف الشديد انتشى تجار الأزمات على حساب تلك الأرواح التي ذهقت ، و لازال منها تحت الركام ، فاطلقوا العنان لارتفاع الأسعار بشكل جنوني ، ما يقثل كاهل الناس الملتاعين العاجزين بالأصل عن تأمين قوت اليوم ، بل نسي أغلبهم أسماء الكثير من الأشياء التي كانت متاحة ، وخاصة النازحون الذين يتمنون الموت ولا يلاقوه .
حتى أصحاب البيوت راحوا يطالبون بزيادة الآجار أو الإخلاء ، وفوق ذلك انتشار ثلة قليلة من ضعاف النفوس ، وبدل أن يبحثوا عن ناجين لا زالت أرواحهم تإن تحت الركام ، يسرقون كل ما يقع تحت أيديهم . كل ذلك يحصل على مرأى ومسمع أمام مَن مِن المفروض أن يكون بيده الحل .
لكن الكذبة الكبرى هي تلك المنظمات ، التي اختارت أسماء طنانة رنانة ما أنزل الله بها من سلطان ، طبعاً هناك بعض الاستثناءات ، لكن القبعة يجب أن ترفع لعناصر الدفاع المدني الذين يصلون الليل بالنهار منذ اللحظات الأولى وحتى الآن .
الحمد لله الذي تلطف بنا و أخرجني وعائلتي دون أذنى ، وأسأله جلت قدرته أن يتغمد من قضى في هذا الزلزال المدمر ، وأن يعوضه جنات النعيم .