الأعمدة

الإنقلابات محرقة الرجال ..!

بحسابات عدد الانقلابات الناجحة في بلوغ السلطة بالتسليم والتسلم أو تلك التي تمت بالتامر و استخدام العنف أو تلك الفاشلة التي سالت فيها بحور من دماء رفاق السلاح رميا برصاص زملائهم ..وقياسا إلى الحروبات الخاطفة التي خاضتها قواتنا المسلحة حماية لحدود ترابنا الوطني وباستثناء الحروبات الداخلية التي خاضها الجيش في الانحاء المختلفة .. فإننا نجد أن الكفاءات التي أزهقت أرواحهم العسكرية على مختلف الرتب في عبث الصراع على السلطة قد لا نجد المقارنة منطقية على الإطلاق ..فكم من القادة المؤهلين فنيا واستراتيجيا راحوا ضحية ذلك التسابق العبثي نحو سدة السلطة وهي مهمة ليست من صميم مهنية الجندية وفقا لما يحتمه قسم الولاء العسكري و ينص عليه الدستور الذي يفترض ان من مهام الجيوش أن يحميه بدلا عن أن ينقلب عليه أو يمزقه بأية ذريعة كانت !
صحيح أن عدم نضوج الوعي السياسي الجمعي وسط السواد الأعظم للناخبين وتسيد تقليدية ولاءتهم الموروثة التي تقوم على اسس غير برامجية و في ظل قصر حبل الصبر على عثرات الديقراطيةومشقة عنتها و قسوة احتمال نتائجها و الخضوع لمبدأ التداول السلمي للسلطة في أوساط القوى السياسية القائدة فإنها هي الأخرى لا يمكن اعفاؤها من جر العسكر واغرائهم بالانقلاب على خصومهم متى ما احرزوا ضدهم نصرا مستحقا في التنافس الانتخابي المشروع بالقدر الذي أضاع علينا مساحة غالية من زمن التفرغ للبناء فقدنا فيها بكل اسف رجالا من اميز العسكريين وسياسيين أفذاذا ذهبوا إلى حتفهم باظلافهم بتهافتهم على العسكر كل يغوي الطرف الآخر للانقضاض على السلطة في ليل بهيم أو في غفلة حارس بوابتها المسروقة المفاتيح نهارا !
ولعل اسوأ ما خلفته تلك اللعبة الصبيانية القميئة أنها جعلت من القوات المسلحة فراخة لمختلف الكوادر المنظمة سياسيا والمؤدلجة فكريا بما يخالف قوانيها الضابطة في عدم المجاهرة بالولاء وليس في شرعية الإنتماء كحق مكفول للجندي بعيدا عن زيه العسكري كبقية فئات الشعب الأخرى.
لذا فإننا إذا سلمنا جدلا بأن من حق العسكريين أن يطلبوا من المدنيين رفع أياديهم عن التدخل في شئؤنهم الفنية و المهنية حتى يتفرغوا لأداء مهامهم الوطنية بعقيدة عسكرية خالصة لا تشوبها شائبة أو يحدوها غرض لخدمة كيانات خارج ثكناتهم العسكرية .
فإنه بالمقابل يجب على العسكريين بدءا أن ينأوا بأنفسهم عن الفعل السياسي الذي يبعدهم عن تلك المهام المحددة لهم دستوريا .
فكفانا ما تجرعناه من مرارة التجارب السابقة الماحقة التي توجتها عقلية الانقاذ المنغلقة بأن حولت مفاصل البلاد كلها بما فيها الجيش وكافة المنظومة الأمنية إلى أذرع لخدمة التنظيم السياسي ودروعا لحماية النظام الإنقلابي..ولعلنا الان نعيش ذروة هذه المأساة بتكرار التجربة التي غامر فيها وقامر بمستقبل الوطن كله قادة الجيش و مليشياتهم غير المنضبطة باقدامهم على انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الذي ضرب على البلاد عزلة و ادخل شعبنا في مسغبة وسبب فراغا احدث خللا في هيبة الدولة وتعطيل دولاب الخدمات الضعيفة اصلا .
ونتمنى أن تكون (سخونة مديدة تجربة هذا الإنقلاب)
التي أحرقت أكف الفاعلين لها هي الدافع الحقيقي والصادق للندم على الدخول فيها وعدم تكرارها ..حتى تجعل احلام العسكر في الانقلابات. منذ الآن و مستقبلا من ماضي الذكريات الأليمة .
يا هداهم الله وايانا نحن المدنيين أيضا .
وهو من وراء القصد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى