الأعمدة

من يبحث عن من والى متى !

على المستوى الشخصي غبت عن الوطن حوالي اربعين عاما منذ إن كان عود الشباب الغض يحمل اوراق العمر الخضراء .
فكنت طول تلك العقود الاربعة احمل السودان في اعماقي ولم يفارقني الشعور بان الوطن العزيز يبحث عني رغم انه يعيش في دواخلي ولعل ذلك الاحساس كان يتملك السواد الاعظم من ابناء جلدتنا المغتربين فكانوا لا يتاخرون عن تلبية نداء الوطن طوعا او قسرا في سداد ما يتوجب عليهم من ضرائب ومكوس و رسوم مهما صعبت فضلا عن تحملهم لمسئولياتهم تجاه اهلهم هنا مقتسمين معهم عرق جهدهم في هجرتهم القاسية الذي قد لا يفيض كثيرا إن لم يكن ينقص عن حاجتهم الذاتية في بلاد الاغتراب !
عدت إلى الوطن مثل غيري بعد تلك السنوات الطويلة وقد تيبس مني العود وتشقق وتساقطت عنه اوراق العمر التي جفت بعيدا عنه .
وها انا والكثيرون مثلي اما اننا نبحث عن الوطن ونحن داخله اما انه يفتقدنا رغم انه لا زال بداخلنا ويشكل هما كبيرا في الرووس المثقلة بالهواجس الذاتية التي تتلمس العلاج لأوجاع ما بعد العودة في وطن غبنا عنه وكان احسن حالا وترابه ابرد وطاة على اقدام هيامنا من رمضاء البلدان التي قصدناها شبابا.
ولكننا رجعنا اليه ووجدناه يصطلي فوق نار اوقدتها فيه ايادينا نحن ابنائه ولا تستثني انفسنا نحن الذين هربنا وتركنا اعواد الثقاب في اياد طفولية الهوى ..وها نحن كلنا بمختلف الواننا وجهاتنا وتوجهاتنا نحترق بما صنع خواء عقولنا من معنى التربية الوطنية التي اعلت من انانيتنا وجعلتها فوق تماسكنا الجمعي الوطني !
وها نحن نتجرع كؤوس الإحباط وخارطة الوطن نراها تئن تحت رحمة مشارط التمزيق وياليتها كانت مباضع التشريح العقلاتي لنسبر بها اغوارنا بحثا عن علتنا في تركيبة نفوسنا المتناقضة بين التباهي و التجافي.
وذلك قبل ان نفيق من هذا الوهم الذي يشبه الخدر الاقرب الى الغيبوبة.
واخشى ساعتها ان نصحو بعد فوات الاوان لنبحث عن هذا الكيان الغالي ولا نجده بعد ان نفقد ما تبقى من ذاتنا وهنا ستكمن الماساة الفادحة الثمن !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى