أخبار الجريمة

حرب السودان وسيناريو الأرض المحروقة

سيناريو الأرض المحروقة يهدد السودان
فرقاء الحرب يواصلون الادعاء بالتفوق والسيطرة على المواجهات الميدانية
فيما تحولت الخرطوم إلى لهيب من النيران المشتعلة بعد احتراق كبرى شركات البترول، يسيطر سيناريو الأرض المحروقة على المشهد العام في الحرب المجنونة التي انطلقت في السودان منذ أشهر.

واحتدم الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مع احتراق عدد من الأبراج المشهورة في قلب الخرطوم، وهو ما جعل كل طرف يتهم الآخر باتباع سياسة الأرض المحروقة، أي تحميله مسؤولية الدمار الذي لحق بالبنى التحتية ومعالم البلاد، في وقت أبدى كثير من السودانيين على مواقع التواصل الاجتماعي حسرتهم، على ما أصاب عاصمتهم من دمار لمعظم المنشآت الحيوية والاستراتيجية.. وفقا «إندبندنت عربية».

بالتواكب، أعلن وزير الصحة المكلف هيثم محمد، أن كل المستشفيات الرئيسة في الخرطوم ودارفور خرجت عن الخدمة، بسبب تزايد أعمال العنف والاشتباكات بين الجيش والدعم السريع.

زوح جديد
وفقا لتقرير «إندبندنت عربية»، يسعى مواطنون يسكنون الخرطوم وأم درمان إلى النزوح إلى خارج العاصمة، بعدما يئسوا من أي بوادر تؤدي إلى وقف هذه الحرب أو تراجع حدتها، بيد أن بعض هذه الأسر أجبرت على الخروج من منازلها قسرا من قبل قوات الدعم السريع، فيما أدت حدة القتال إلى نقص الغذاء والدواء، وتوقف ما تبقى من مستشفيات.

وشهد محيط القيادة العامة للجيش قتالا عنيفا بين الطرفين، تصاعدت على إثره أعمدة الدخان، باستخدام المدفعية الثقيلة.

كما تجدد القصف المدفعي العنيف باتجاه تمركزات الدعم السريع نواحي أرض المعسكرات والمدينة الرياضية، حيث سمع دويه في مناطق جنوب الحزام بالخرطوم.

قصف متواصل
أشار الشهود إلى أن الجيش استهدف عبر الطائرات المسيرة مواقع عدة للدعم السريع بالمنطقة الصناعية بحري ومستشفى الأمل في كوبر، ومستشفى شرق النيل، وقصف أيضا نقاطا لقوات الدعم في حي المربعات وأمبدة في أم درمان، وجرت مناوشات بين القوتين المتحاربتين في أحياء أم درمان القديمة، استخدمت فيها كل أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة.

وفي ظل الاتهامات المتبادلة لما حدث من دمار في العاصمة، قال الناطق الرسمي باسم الجيش العميد نبيل عبدالله، إن «الميليشيات المتمردة المحلولة تتمادى في التدمير والتخريب، إذ قامت بإحراق مباني شركة النيل الكبرى للبترول، وبرج وزارة العدل، وبرج الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، كما نهبت وحرقت برج الساحل والصحراء».

لأرض المحروقة
في المقابل، نشرت قوات الدعم السريع بيانا على منصة «إكس»، جاء فيه «في خطوة تأتي ضمن سيناريو الأرض المحروقة، الذي انتهجه النظام البائد في مناطق مختلفة من السودان، واصل طيران ميليشيات البرهان والفلول عمليات القصف المتعمد للبنى التحتية والمناطق الحيوية في الخرطوم بغرض تدميرها، والذي شمل مباني وزارة العدل، وديوان الضرائب، وبرج الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، وبرج شركة النيل للبترول، إلى جانب استمرار القصف المتعمد على المناطق المأهولة بالسكان والأسواق بالبراميل المتفجرة».

وأضاف البيان، بأن «هذه الممارسات التي تستهدف مقدرات الشعب السوداني تزيد قواتنا إصرارا وعزيمة لاقتلاع هذا النظام الإرهابي من جذوره، لفتح المجال أمام شعبنا لبناء دولته على أسس جديدة تحقق العدالة والمساواة».

مخطط تدمير
نوه بيان «الدعم السريع» بأن «مخطط تدمير المنشآت الحيوية وقصف المدنيين العزل عقب كل هزيمة للفلول، ما هو إلا محاولة لتبرير عجزهم المفضوح في ميدان المعركة، فبالأمس حينما هزموا في سلاح المدرعات قصفوا المدنيين في مايو جنوب الخرطوم، ومنطقة الحاج يوسف شرق النيل، ومدينة نيالا غرب البلاد، واليوم مع اقتراب انهيار قواتهم داخل القيادة العامة قصفوا البنى التحتية والمناطق الحيوية».

وواصل: «ليس أمام الفلول أي خيار، إما التسليم الكامل فيما تبقى من مواقع، أو انتظار المصير المحتوم الذي بات وشيكا، ولن تستطيع حملات التضليل مدفوعة الأجر مداراته.

فعهد الوصاية والظلم والتهميش لن يعود بعد اليوم، فالسودان يجب أن يتأسس كجمهورية حقيقية، تكون السلطة والنفوذ فيها لكل السودانيين، وهذا لن يكون إلا بالقضاء على نظام المؤتمر الوطني الفاسد، وتأسيس جيش قومي مهني واحد، ولاؤه للوطن والشعب وليس لأيديولوجيا».

سياسة الاستنزاف
يرى الباحث في مركز «الخرطوم للحوار» اللواء الرشيد معتصم مدني، أن «الجيش السوداني منذ بداية الحرب اعتمد سياسة الاستنزاف لميليشيات الدعم السريع، وقطع الإمداد عنها واستهداف مقارها وتجمعاتها، ومراكز اتصالها وأسلحتها الثقيلة، وظل في حالة دفاع عن مقراته في الشهرين الأولين للحرب، مع استطلاع وهجوم على بعض المواقع، وعدم الاحتفاظ بالأرض. في المقابل، اعتمدت قوات المتمردين على الانتشار الواسع على امتداد مدن العاصمة الثلاث: الخرطوم، وبحري، وأم درمان، ووجودها في بعض المقار المدنية للدولة، وتحويل بعض الأحياء ومنازل المواطنين إلى مراكز لإدارة عملياتها الحربية».

وأشار إلى أن «وجود هذه القوات في الأعيان المدنية صعب مهمة الجيش لسببين: الأول عدم قدرته على استخدام الأسلحة الثقيلة ومواجهة العدو في الحواري والأزقة وسط المناطق المأهولة بالسكان.
والثاني ارتكاز المتمردين قبل الحرب وتوسعهم أثناءها على أسطح بعض المباني حول المواقع العسكرية وفي الشوارع الرئيسة».

تراجع الدعم السريع
قال مدني: «بات واضحا أن القدرات العسكرية للدعم السريع في حالة تراجع كبير من حيث عدد المقاتلين والعدة والعتاد، إذ تمكن الجيش السوداني من إخراج مركبات قتالية عدة من ميدان المعركة، عبر تدميرها أو الاستيلاء عليها، فضلا عن القضاء على عدد كبير من المقاتلين من قوات النخبة في ميدان المعركة، وانسحاب البعض الآخر وهربهم إلى أهلهم في دارفور بما وجدوه من غنائم في بيوت المواطنين، ومؤسسات القطاع العام والخاص من شركات وبنوك».

وأكد أن «تمكن المتمردين في الفترة الأخيرة من تشغيل بعض المدافع التي حصلوا عليها من بعض المواقع العسكرية في الأيام الأولى للحرب، مكنهم من إطالة أمد المواجهات وكسب الوقت للوصول إلى أي عملية سياسية، تحقق لهم مكاسب مستقبلية، لكن عموما الميدان العسكري ليس في صالح هذه الميليشيات ونشاطاتها العسكرية الانتحارية الأخيرة التي نتجت منها خسائر بشرية كبيرة، وظهر ذلك في استخدامهم بعض المشردين والشباب من سكان المناطق النائية الفقيرة تحت ضغط الإغراء المالي والترهيب في الوقت ذاته».

عزلة نفسية
أوضح الباحث «أن «الجيش وسع من عملياته الحربية على الأرض وفي الجو، فضلا عن استخدامه المدفعية البعيدة المدى، ونشر قوات العمل الخاص في مناطق عدة من العاصمة، إضافة إلى احتفاظه بعدد كبير من قواته بعيدا من ميدان المعركة وهي بكامل لياقتها، في مقابل الإنهاك والضعف الذي بدا واضحا على قوات المتمردين».

ورأى أن «دخول الأجهزة شبه العسكرية الأخرى، ممثلة في الشرطة وجهاز الأمن الوطني إلى ميدان المعركة وتوسع شبكة معلومات الاستخبارات العسكرية أضعف من فرص وقدرة المتمردين على الصمود في ميدان المعركة»، لافتا إلى أن «الدعم المعنوي للجيش يزداد يوما بعد يوم، بيد أن ممارسات المتمردين على الأرض زادت من عزلتهم النفسية وحالة الكراهية من المواطنين تجاههم».

أرقام حول حرب السودان

15 أبريل 2023 اندلعت في الخرطوم وأم درمان
7600 عدد القتلى حتى الآن
16,000 مصاب تقريبا
5 ملايين نازح داخليا وخارجيا
2.8 مليون فروا من الخرطوم وحدها
1.5 مليون نازح للخارج
450 ألفا وصلوا لمصر
300 ألف وصلوا تشاد

المصدر جريدة مكة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى