الأعمدة

الثنائية القاتلة

منذ أن نالت الدول العربية استقلالها وبدأ عصر تكوين “الدولة الوطنية” عُقِدت الآمال العريضة على حكم وطني يعيد رسم ملامح بلاد أنهكتها عقود طويلة من الاحتلال والانتداب، لكن ما كان خفياً في تشكيل هذه الجمهوريات أنها قامت على ثنائية (الديكتاتور- المتطرف) وحاصرت هذه الثنائية القاتلة الشعوب التي باتت تمضي أيامها وأعوامها العجاف محاصرة بديكتاتور أو بديله المتطرف وأصبح الاثنان بعبعاً يلوح به الآخر في وجه الجماهير (الغفورة).
وتربع ذوو الرتب العسكرية من البكباشي إلى المشير مروراً بالعقيد واللواء والفريق على السلطة واحتلوا واجهة المشرق بقبضة حديدية وخطاب تغييري جمهوري الإدعاء، أسّسوا جيوشاً جرارّة استنزفت الموارد، وسيجوّا أنظمتهم بأجهزة المخابرات وخسروا كل حرب خاضوها بلا حسيب، إنما في ظل انتصاراتهم الوهمية المعلنة وتدابيرهم الإصلاحية تكبّدت بلدانهم خسائر مادية وبشرية لا يُستهان بها اسفرت عن هروب فئات واسعة باتجاه دول مهجر استوعبتهم واحتضنتهم وكسبتهم وخسرتهم بلادهم.
وما كان خفياً انكشف مع الزمن فظهر واضحاً أن الديكتاتور والمتطرف يلتقيان في نقطة ما ويتفقان على الشعوب، ويستخدم كل منهما الآخر لتخويف الجماهير وتثبيت وجوده وسلطته وسطوته، وأصبحت الجيوش الوطنية أسيرة لمخاوف الديكتاتور على كرسيه واستمرار بقاءه على رأس سلطة أشاحت وجهها عن الديمقراطية والحرية والوطنية وحرية التعبير، ووجدت الجيوش نفسها في لحظات فارقة من تاريخ البلاد بمواجهة الشعب وبندقيتها موجهة لصدر المواطن تاركة الحدود في الكثير من البلاد مفتوحة على طولها أمام من يدخل ويخرّب لان المؤسسة العسكرية تغرس في الجندي عقيدة الدفاع عن رأس النظام وليس عن الوطن.
ومن هذه الثقوب السوداء في رداء بلاد مكلومة تسرب المتطرفون ليطرحوا أنفسهم كبديل للديكتاتور واصبحت المجتمعات منقسمة ومتشظية ما بين مُرٍّ وأمَرّْ.
بمواجهة هذه الثنائية القاتلة لا مناص من الديمقراطية والدولة الوطنية وإعادة الاعتبار بمفهوم المواطنة لعل هذه الشعوب المقهورة تعيد تشكيل أو ترميم لوحة البلاد الحزينة والمُبتلية بعساكر ومتطرفين لا يرتوون من دماء شعوبهم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى