الأعمدة

شتان ما بين التحليل التخصصي والتحريض الصريح ..!

قد لا أبالغ اطلاقا إذا قلت جازما أن الاهتمام الذي وجدته الأحداث الأخيرة من حيث التغطية الإعلامية في الفضائيات الشهيرة المستأثرة بالمتابعة اللصيقة و المشاهدة العالية ..قد فاق كل التغطيات والتحليلات التي حظيت بها معظم الأحداث أن لم يكن كلها والتي دارت في المنطقة منذ انطلاق الربيع العربي ربما باستثناء تغطية الحرب الروسية الأوكرانية الأخيرة على المستوى الدولي التي تجاوزت اللحم الحي للعالم ودخلت في العظم وخلخلته بعنف .
طبعا كان في واجهة هذه الأحداث المؤسفة والغريبة على طبيعة النزاعات السودانية التي كانت غالبا ما تشتغل في الأطراف ونادرا ما تكون بدايتها من العاصمة الا في نطاقها السياسي .
ومع أن جمرة الحرب حارقة لجسد الوطن حيثما سقطت فوقه و كل انسان يتضرر منها بصورة أو بأخرى ولكن من المحزن أن يكون هنالك تجار حرب لا يهمهم غير مصالحهم الذاتية التي يستثمرون فيها استغلال موارد و إمكانات الناس البسطاء على شحها وهم يحاولون الخروج بها من هذا اللهيب الذي طال اخضر المدن الثلاث قبل يابسها !
غير ان الذي يحزن بشددة هو وجود محللين من اولئك الذين يسمون (استراتيجيون ) يستغلون هذه الصفة المزعومة عند بعضهم ليقحموا ولاءاتهم السياسية الشخصية في سفور يبلغ مراحل صب الزيت على هذه الفتنة داعين إلى عدم التفاوض ايا كانت تكلفة هذه الخرب من الخسائر البشرية و المادية والكوارث الانسانية بمختلف تداعياتها ويحضرني هنا اسم الفريق فتح الرحمن محي الدين القائد السابق للقوات البحرية الذي تجاوز حدود التحليل المنطقي الذي يقيم الوضع بعقلانية الخبير العسكري ودخل إلى مربع الانتماء للحركة الإسلامية لدرجة كشف دورها في هذا الصراع عبر النفي الذي يكرس للاثبات !
بينما نجد من التحليل العقلاني الذي يوازن بين رؤية الخبير المتخصص و المنحاز للقوات المسلحة من وجهة الانتماء الوطني والفخر باحترافية العسكري المحايد سياسيا في تحليله الصادق . ولعل الدكتور أمين اسماعيل مجذوب يمثل النموذج الأخلاقي في هذا الصدد دون أن تلمح له أسلوبا تحريضيا يحض الجيش على الانتحار مهما كان ثمنه وان كان يحارب فرقة تمردت عليه طالما أن هنالك مخرجا للبلاد واراحة العباد من لظى هذا الاتون .
فالكثير من التجارب والأزمات الكبيرة ماثلة أمامنا منذ الحروب الكونية التي انتهت بالتفاوض ولو كان لترتيب حالة الاستسلام للمنهزمين فيها .
لا احد من حقه أن ينكر على الآخرين أن يكون لهم انتماء سياسي ولكن ليس من الحكمة أن يكون ذلك الانتماء دافعا لتأجيج الفتنة بينما العقل يقول إن اطفائها عبر أية تنازلات هو الأقل كلفة و الاكثر احتمالية لقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية التي ستعلي من مصالحها ومنافعها و سيقلل تدخلها من فرص الحلول المحلية السياسية التي كانت قاب قوسين أو أدنى رغم نواقصها وسلبياتها التي تظل قابلة للمعالجات عبر تحمل الفعاليات المدنية المختلفة من خلال النفس الطويل لبعضها وهو الخيار الأمثل للحلول التي لن تتاتى بلغة السلاح اوهيدون شك لا تفهم لغة اللسان ولا تمتثل لتحكيم ميزان العقول !
حما الله السودان وأهله من تحليل الفتن وسخر له من لدنه حكمة العقلاء البعيدة عن أسلوب التحريض وشتان بينه وبين منطق التحليل التخصصي الرزين المستوعب لطبيعة الأزمة والعارف لحلولها !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى