أخبار الجريمة

السودان … الحصة وطن مازلنا ننتظر موقفاً أمريكياً حاسماً ومنتصراً

تهطل علينا المبادرات من كل حدب وصوب في وقت يتواصل فيه القتال الضاري في شوارع العاصمة القومية وحول القصر الرئاسي والقيادة العامة للقوات المسلحة وكل طرف يسعى أن تكون له الغلبة … لم تحترم هدنة ولم يتم تأمين ممرات إنسانية لإجلاء الجرحي أو السماح لسيارات الإسعاف أن تنقل المصابين والمرضى إلى المشافي التي توقفت فعلياً عن العمل بفعل تجاوزات المليشيات المتمردة ضد سلطة الدولة.

الإعلان عن أي هدنة سرعان ما تخترق وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين المتصارعين في قلب العاصمة وعند أكثر أحيائها حيوية واكتظاظاً في أمدرمان والخرطوم بحري وحتى أطراف العاصمة القومية التي أصبحت مشاعاً للنهب والعربدة والسطو المسلح … ويعيش الناس في هذه المناخات الخانقة دون أن تلوح في أفق سمائهم بارقة أمل أو ضوء ساطع، وتسمع التفجيرات في الأحياء السكنية ويختبئ الأطفال والنساء والرجال تحت الأسرة.
القلوب والعقول معلقة على القوات المسلحة وقدرتها على حسم هذه العربة العسكرية على أمل أن يعود الأمن والإستقرار والأمان للعاصمة القومية ويحظى الناس كل الناس بفترة سلميه مهما كانت قصيرة لقضاء حوائجهم وشراء مستلزماتهم في وقت شحت فيه النقود وأغلقت المصارف أبوابها وتعطل عمل الصرافات واختفى حتى تجار العملة من الشوارع.
المثير للأسى والدهشة والحيرة رؤية عشرات الآلاف من الأسر تهرب من منازلها وتتركها نهباً للسطو والسرقة … تفرقوا في كل الإتجاهات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وأغلبهم عبروا الحدود إلى الدول المجاورة في ظروف لا تؤمن لهم حتى ثمن رغيف الخبز أو حليب الأطفال … تتسع دائرة المعاناه بإرتفاع اسعار تذاكر السفر وانعدام السيولة التي تؤمن السكن والمأوى في بلاد هم فيها غرباء ولاجئين.
منذ متى كان السوداني لاجئاً؟ … لا اذكر أنني سمعت عن ذلك في التاريخ البعيد أو القريب بإستثناء سنوات المخلوع عمر البشير الذي شرد الأهل في دارفور خلال سنوات حكمه العضود وضيق على الناس في معاشهم وأمنهم وفتح أبواب السجون والمعتقلات السرية ومارس مع جماعته الإسلاموية أكبر جرائم “الصالح العام” والتي كانت تعني “أن كل من ليس معنا فهو ضدنا”.
كثيرون عبروا البحار إلى بلاد الله الواسعة حيث رحب بهم وعاشوا حياة تليق بأدميتهم وساعدوا في إثراء الحياة في تلك البلاد الجديدة … أي فاجعة أن تكون لاجئ وأن تطرد من البلد الذي احتضن طفولتك وصباك وبات يننتظر عطاء سنوات العمر الباقية لتنفع نفسك وأهلك … هل يعقل هذا ونحن في القرن الحادي والعشرين والعالم يتقدم إلى الأمام ونحن نتقدم إلى الخلف وكأننا محكومون باللعنة.
الآن المبادرات مطروحة والنداءات لوقف اطلاق النار مستمرة ولكن الحريق يلتهم قلب الوطن وأطرافه وفي غياب توفر الإرادة السياسية والقدرة على الحسم العسكري تظل الجثث مبعثرة في شوارع المدن ويظل الموت يطل من النوافذ ومن أسطح المنازل المهجورة وعبر الساحات و”الحيشان” في المنازل المتهالكة ويظل الخوف من الآتي هو الذي يتسيد المشهد.
القوات المسلحة السودانية يجب أن تنتصر في هذه المعركة الخاسرة حيث أننا لم نسمع في التاريخ القريب أو البعيد أن “ميليشيا حكمت دولة” … نعلم أن المخطط كبير وقديم وأن الأيادي الخارجية تعبث بالداخل وتستأجر أبناء الوطن والوافدين والمرتزقة لخلخلة الأمن وزعزعة الإستقرار لتمزيق الوطن وتشطيره والسيطرة عليه واستغلال ثرواته.
الموقف الأمريكي الذي نعول عليه ويعول عليه العالم الحر مازال ملتبساً حيث بمقدور الولايات المتحدة الأمريكية أن تلعب دوراً حاسماً واكثر جرأة لوقف هذه الحرب العبثية، وعلى القوى المدنية السودانية التي تعيش في تلك الديار أن تمارس أكبر قدر من الضغوط على صناع القرار في الكونغرس والبيت الأبيض وكل المؤسسات التي تصون الديموقراطية حتى توقف صوت الموت الذي يحلق فوق رؤوس البسطاء المتطلعين للحرية والسلام والعدالة … وشعب السودان يراهن على دور أمريكي فعال ومدروس وملموس حتى تضع هذه الحرب أوزارها.
الأمر في بعض جوانبه قد لا يقتصر على أمريكا لوحدها بل يجب إشراك الصين وروسيا في هذه المساعي ووقف الدعم اللوجستي الذي تقدمه جماعة فاغنر عبر المشير حفتر في ليبيا إلى مليشيا الدعم السريع وقطع خيوط الإمدادات بالمال والسلاح من دول الإقليم … وهنا تبرز أهمية العقوبات الفردية والجماعية وإعمال سلطة العدالة بتسليم المطلوبين للجنائية الدولية ومساءلة كل المتورطين في الفساد خاصة من رموز النظام السابق الذين هربوا بالملايين والمليارات عبر الحدود إضافه إلى وقف تهريب الذهب والثروات العديدة التي حبى الله بها السودان وهي كثيرة وعديدة.
مازلنا نتطلع أن تتم بلورة كل المبادرات من الشعوب الصديقة والشقيقة في مبادرة واحدة وأن تمارس الضغوط على الميليشيات المتمردة حتى توقف إطلاق النار وتعود إلى جادة الصواب وأن تجبر بقية الحركات المسلحة للإنضمام إلى الجيش القومي وتصبح جزءاً من النسيج العام وأن لا تبقى بندقية واحدة في يد أي جماعة أو أفراد وأن تمتلك الدولة ممثلة في القوات النظامية صلاحية استخدام القوة، وصلاحية امتلاك السلاح.
نأمل صادقين أن يعود الأمن والأمان لبلادنا ونسأل الله أن يشملنا برحمته ونتمنى من كل أهل السودان أن يسقطوا تناقضاتهم الثانوية من أجل المصلحة العامة وأن تعلوا مصلحة الوطن وفي البدء والمنتهى “الحصة وطن” … ولك الله يا وطني.

بقلم/ بابكر عيسى أحمد

الأحد ، 7 مايو 2023

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى