الأخبار

ماهو مصير الصناعات الدفاعية في السودان بعد الحرب

بدأت الصناعة الدفاعية في السودان تستقطب الانتباه عقب قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لـ «مجمع اليرموك الصناعي» التابع لـ«هيئة التصنيع العسكري» السودانية، في أكتوبر (تشرين الأول) 2012، ثم عادت الأنظار لتتركز عليها مجدداً بعد إعلان قوات «الدعم السريع» السيطرة على مجمع اليرموك العسكري في 8 يونيو (حزيران) الماضي، الذي يعد أحد أكبر مجمعات الصناعة العسكرية السودانية.

ولا تعد الصناعة العسكرية والحربية حديثة في السودان. فقد بدأ تأسيسها منذ عام 1959، أي بعد الاستقلال بأقل من ثلاث سنوات، في إطار ما عرف بـ«مجمع الشجرة الصناعي»، والمعروف اليوم بـ«مصنع الذخيرة»، لإنتاج مجموعة متنوعة من ذخائر الأسلحة الصغيرة، لتلبية احتياجات الجيش والقوات النظامية الأخرى، والذي أصبح جزءاً من «هيئة التصنيع الحربي» التي تأسست عام 1993، وعرفت لاحقاً بـ«منظومة الصناعات الدفاعية».

صناعات عسكرية ومدنية
ومنظومة الصناعات الدفاعية مؤسسة حكومية تابعة للقوات المسلحة، وتضم داخلها عدداً من المصانع والصناعات والاستثمارات العسكرية وغير العسكرية، وتنتج مجموعة كبيرة من الأدوات الدفاعية، بما في ذلك الأسلحة والذخائر والمدرعات والدبابات والطائرات والمدفعية، إلى جانب صناعات ذات طابع مدني، مثل صناعة السيارات والجرارات والأجهزة الكهربائية ومواد البناء وغيرها، ويديرها حالياً اللواء ميرغني إدريس، تحت إشراف وزارة الدفاع.

وتنقسم المنظومة إلى عدد من المجمعات الموزعة حول العاصمة الخرطوم، وأهمها «مجمع اليرموك العسكري»، الذي افتتح عام 1996، ويقع في منطقة حصين، جنوبي العاصمة الخرطوم، بالقرب من مستودعات المواد البترولية الرئيسية، ويخضع لإجراءات سرية مفرطة. وكان مقرراً وقتها أن ينتج المعدات ذات الاستخدام المزدوج، بما في مواد البناء والنقل والصناعة التحويلية، تحت إدارة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، لكن بعد تطور العلاقات السودانية الإيرانية، نشأت علاقة تعاون عسكري، دعمت إيران بموجبه إنتاج الأسلحة في السودان، وكان مجمع اليرموك رأس الرمح في هذه العملية.

قصف إسرائيلي
ثم فوجئ السودانيون ليلة 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2012 بانفجار هائل جنوبي الخرطوم، وقيل وقتها إن الطيران الإسرائيلي قصف المجمع العسكري. وأعلن السودان آنذاك، وعلى لسان وزير إعلامه أحمد بلال عثمان، أن بلاده سترد في الزمان والمكان المناسبين على الهجوم الإسرائيلي، واعتبر القصف الذي تعرض له المصنع منافياً للأعراف الدولية. ولم تعلق إسرائيل رسمياً على العملية، لكن المسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد، وصف السودان في اليوم التالي للقصف بأنه «دولة إرهابية خطيرة»، واتهمه بنقل السلاح الإيراني إلى من أطلق عليهم «الإرهابيين الفلسطينيين» من حركتي «حماس والجهاد الإسلامي»، عبر سيناء المصرية

ولاحقاً، أعاد الجيش السوداني ترميم المصنع وتطويره بسرية تامة. لكنه عاد مرة أخرى إلى واجهة الأحداث في 8 يونيو (حزيران) الماضي، عقب إعلان قوات «الدعم السريع»، التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ 15 أبريل (نيسان) الماضي، السيطرة على المصنع المهم والاستيلاء على عدد كبير من الذخائر والمعدات، ونشرها فيديوهات تؤكد مزاعمها.

إنتاج دبابات ومدرعات
المجمع الثاني ضمن المنظومة هو مجمع «الشهيد إبراهيم شمس الدين للصناعات الثقيلة»، وأطلق عليه اسم العميد شمس الدين، أحد أشهر وأشرس قادة انقلاب الإسلاميين، والذي لقي حتفه في حادث طائرة أثناء الحرب مع قوات جنوب السودان بقيادة الراحل جون قرنق دمبيور. وأنشئ هذا المجمع في عام 2002، داخل مدينة جياد الصناعية جنوب شرقي الخرطوم، لتصنيع وصيانة المركبات المدرعة والمركبات الصناعية الثقيلة.

ويؤكد موقع «منظومة الصناعات الدفاعية» على «فيسبوك» أن مجمع شمس الدين ينتج عدداً من الدبابات الحديثة، وأشهرها «الدبابة الزبير»، إلى جانب الدبابة «البشير» وغيرها من أنواع الأسلحة صينية المنشأ، التي يعاد تصنيعها في السودان.

القوة الثالثة في أفريقيا
ووفقاً لما نشرته مجلة (Military watch) في 2022، فإن السودان أصبح ثالث أكبر قوة عسكرية أفريقية، ويملك صناعة عسكرية رائدة، وأصبحت قواته من أفضل القوات تجهيزاً، وإن السودان أعاد إنتاج الدبابة الصينية (T96) وأطلق عليها اسم «البشير»، وطور طريقة التلقيم الخاصة بها لتصبح آلية، وطور طريقة توجيه القذائف إلى التوجيه بالليزر وتزويدها بمناظير رؤية ليلية، وزودها بمدفع 125 ملم، مما جعلها الأقوى بين مثيلاتها في الخدمة، والأفضل في مواجهة الدروع.

وفي فبراير (شباط) 2023، أعلنت منظومة الصناعات الدفاعية السودانية المشاركة في معرض «إيديكس» بدورته السادسة في دولة الإمارات العربية المتحدة، وقالت إنها شاركت بنحو 144 منتجاً عسكرياً، تتضمن الأسلحة والذخائر وتسليح الطيران والمركبات القتالية المدرعة وأجهزة الاتصالات، والطائرات المسيَّرة، والمواد الدافعة والمتفجرة، وخدمات تأهيل وصيانة الطائرات، وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية «سونا» وقتها.

وفي 22 أبريل (نيسان) الماضي، أعلنت قوات «الدعم السريع» سيطرتها على «مجمع جياد للصناعات»، لكن الجيش نفى تلك المزاعم، وقال إنه يسيطر على المجمع الصناعي المهم. لكن الشهود يقولون إن مراكز سيطرة قوات «الدعم السريع» تنتشر في المكان وعلى طول الطريق المار أمام المجمع.

إلى جانب المجمعين، «اليرموك» و«شمس الدين»، ينتج «مجمع الزرقاء الهندسي»، الذي افتتح عام 2004 شمالي الخرطوم بحري في منطقة «حلفايا»، الأجهزة الإلكترونية والكهربائية والبصرية للجيش السودان، وفي الوقت ذاته يشارك في سوق الاتصالات السودانية، وينتج البرمجيات ونظم التتبع الآلي، وماكينات الدفع الإلكتروني وعدادات المياه، إضافة إلى تصميم البرمجيات العسكرية وغيرها، وهو من المواقع التي تزعم قوات «الدعم السريع» السيطرة عليها. ونقل شهود عيان أن المجمع تعرض لتدمير ونهب واسعين أثناء وبعد العمليات القتالية بين الطرفين.

إنتاج الطائرات والسيارات
ويعد «مجمع الصافات للطيران» أحد أذرع منظومة الصناعات الدفاعية السودانية المهمة. وقد تأسس في 2005 لدعم القوات الجوية السودانية، والحفاظ على قدرات الطيران العسكري السوداني، ويقع شمالي أم درمان. وبدأ هذا المجمع عمله بصيانة وتأهيل الطائرات المدنية والعسكرية، وتطور إلى ترقية الطيران، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021 أعلنت منظومة الصناعات الدفاعية إنتاج طائرة سودانية بنسبة مائة في المائة في «مجمع الصافات»، وقالت إن المجمع يمتلك ثلاثة مراكز لصيانة الطائرات الثقيلة والمروحيات وتطوير وتصنيع طائرات الهيلكوبتر، وإنه يعمل بالتعاون مع أوكرانيا على إنتاج طائرات إليوشن وأنتونوف، ومروحيات ومقاتلات من طرز مختلفة.

وبدأ إنتاج الطائرات في «صافات» عام 2009، بإنتاج طائرة التدريب ذات المقعدين (SAFAT-03) المعتمدة على تصميم الطائرة الصربية (UTVA 75)، ثم أنتج الطائرة المطورة (SAFAT- 03)، إضافة إلى تجميع الهليكوبتر الخفيفة (SAFAT 02) المبنية على تصميم (Aerokopter AK1-3) الأوكرانية.

وتتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية العديد من المؤسسات المدنية والاستثمارية الأخرى، بما في ذلك «مصنع جياد للسيارات»، والذي ينتج سيارات كورية وصينية من طرز مختلفة، إلى جانب استثمارات في المطاحن والمسالخ، وغيرها من الأعمال المدنية التي تديرها المنظومة، وفقاً لمركز «الحاكم نيوز» الموالي لجهاز المخابرات السوداني.

ودارت معارك سجالية بين الحكومة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وقيادة الجيش السوداني، على ملكية الأصول المدنية، وخضوع استثمارات الجيش لوزارة المالية الاتحادية، وأعلن وقتها أن قيادة الجيش وافقت على الخروج من الأنشطة ذات الطابع المدني، وأن تخضع المنشآت ذات الطابع العسكري لوزارة المالية. إلَّا أن انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 أطاح بتلك الاتفاقات، وزاد الطين بلة نشوب الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، المالكين للمنظومة بنسبة 70 في المائة للجيش، و30 في المائة لـ«الدعم السريع».

وتلقت المنظومة ضربة قاسية إثر نشوب الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع» منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بفرض عقوبات على شركة «ماستر تكنولوجي» المنتجة للأسلحة والمركبات العسكرية، و«هيئة التصنيع الحربي»، التي تنتج معدات وأسلحة للجيش السوداني، بينما ظلت المنظومة شبه معطلة منذ اندلاع القتال بين القوتين المتصارعتين، إذ تقع معظم مواقعها في المناطق التي تنتشر فيها قوات «الدعم السريع»، ما عدا «مجمع الصافات» غربي أم درمان، الذي تسيطر عليه القوات المسلحة.

ولا يعرف ما هي أوضاع المصانع والورش التابعة لـ«هيئة التصنيع الحربي» بعد العمليات القتالية العنيفة التي دارت داخلها أو حولها، لكن الحرب في شهرها الرابع، أثرت حتماً بشكل أو آخر على قدرات السودان العسكرية التي كانت تؤهله ليكون «القوة العسكرية الثالثة أفريقياً».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى