حزب المؤتمر السوداني يصدر بيان حول الاوضاع الراهنة
*حزب المؤتمر السوداني*
*حرب 15 ابريل … الأسباب، السيناريوهات وآفاق الحلول*
تتواصل حرب 15 أبريل اللعينة وتتضاعف معها معاناة السودانيين بدرجة غير مسبوقة حيث سقط حتى أسبوعها الثامن آلاف الضحايا من المدنيين والعسكريين في ساحات معارك كانت ميادينها الرئيسة الأحياء السكنية للخرطوم والجنينة والأبيض والفاشر ومروي وزالنجي ونيالا وكتم وغيرها من مناطق السودان، وتعرض أضعاف ذلك للإصابات والجروح, وشُّرد أكثر من مليون مواطن/ة بين نزوح ولجوء، وسلبت ممتلكات الناس ونهبت منازلهم وتعرضوا لكافة أشكال التعديات، وانهارت البنية التحتية للبلاد من مصانع ومرافق عامة، كما ان الأوضاع تنذر بمجاعة وشيكة نسبة لانقطاع سلاسل الامداد والانتاج ولفشل الإعداد للموسم الزراعي، هذا عدا عن ازدياد تمزق النسيج الاجتماعي بخطابات الكراهية والاستقطاب الجهوي والاثني مما ينذر باتساع رقعة الحرب واحتمالية اتخاذها طبيعة اثنية، قبلية وجهوية في المستقبل القريب.
اتخذنا في حزب المؤتمر السوداني موقفاً واضحاً وصارماً مناهضاً لهذه الحرب العبثية منذ اليوم الأول لاشتعالها، وظللنا نبذل وسعنا لتعزيز فرص الحل السلمي الذي يسكت البنادق، وعلى الرغم من مجهودات الوساطة السعودية الامريكية المقدرة للوصول إلى وقف إطلاق نار قصير الأمد للإيفاء بالمتطلبات الدنيا للاحتياجات الإنسانية للمدنيين، إلا أنه قد تم خرقه بصورة متكررة عبر انتهاكات كررنا إدانتنا المغلظة لها من مواجهات مسلحة واعتقالات للمدنيين وإعاقة لوصول المساعدات الإنسانية، واستمرار تواجد قوات الدعم السريع في المرافق العامة ومنازل المدنيين والتعدي عليها وعلى قاطنيها، وتواصل القصف الجوي والمدفعي العشوائي – الذي يروح ضحيته مدنيون أبرياء – بواسطة القوات المسلحة، وهي كلها أفعال تتنافى مع القوانين الدولية وحقوق الانسان والأعراف العسكرية وقواعد الاشتباك والقيم الأخلاقية وتستوجب المساءلة والمحاسبة الصارمة وانفاذ العدالة وجبر الاضرار والتعويض العادل المنصف لضحايا هذه الحرب العبثية.
وفقاً لكل هذا نتقدم في حزب المؤتمر السوداني برؤية موجزة تلخص أسباب هذه الحرب والسيناريوهات المتوقعة وآفاق الحلول التي بإمكانها ان توفر لبلادنا مخرجاً يحافظ على وحدتها وسيادتها وحياة وأمن وحرية وكرامة شعبها المكلوم.
*أسباب حرب 15 أبريل*:
ورثت ثورة ديسمبر المجيدة وضعاً بالغ التعقيد خلفه النظام السابق تمثل في تعدد الجيوش وانخراطها المتمدد في السلطة السياسة والعملية الاقتصادية مما أدى لعسكرة بالغة للحياة والمجتمع.
صنع نظام الإنقاذ جيوشاً موازية للمؤسسة العسكرية الرسمية بهدف الحفاظ على سلطته كما عمل على زرع عناصره في المنظومة الأمنية والعسكرية بغية السيطرة عليها وترسيخ حكمه الشمولي واحكام قبضته علي مقدرات البلاد وثرواتها، لذا فقد واجهت حكومتا الفترة الانتقالية تعقيدات بالغة في التعامل مع المنظومة الأمنية والعسكرية التي قاومت حدوث إصلاحات حقيقية فيها، كما شهدت توترات بالغة بين القوات المسلحة والدعم السريع كان أخطرها في يونيو 2021، وحينها طرحت مبادرة رئيس الوزراء “الطريق إلى الأمام” بسند وإسهام فاعل من قوى الحرية والتغيير، ليقطع انقلاب 25 أكتوبر – الذي تم تنفيذه شراكةً بين القوات المسلحة والدعم السريع – الطريق أمامها .. وعوضاً عن أن يحتوي الانقلاب التوتر بين مُنفِّذَيْه فقد زاد من حدة الاستقطاب بينهما، حيث أن التباين والصراع بين قيادة القوتين قديم وظلت عناصر النظام القديم تغذي التناقضات بينهما وتعمل على إشعال نار الفتنة، ولما وصلت حدة التوترات إلى وضعٍ يهدد أمن البلاد وسلامتها طرحنا في قوى الحرية والتغيير ضرورة معالجة الأزمة الوطنية الشاملة عبر عملية سياسية تضع قضية الإصلاح الأمني والعسكري كأولى مهامها بما يؤدي للوصول لجيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة عبر مصفوفة زمنية مفصلة تشمل دمج الدعم السريع في القوات المسلحة وتنفيذ الترتيبات الأمنية المتفق عليها في اتفاق جوبا لسلام السودان. وكما هو معلوم، أثمرت هذه العملية بعد تفاوض طويل توقيع الاتفاق الاطاري في 5 ديسمبر 2022 بين القوى المدنية والقوات المسلحة والدعم السريع ، وهو الاتفاق الذي نص بوضوح على قضية الجيش الواحد المهني القومي وخروجه من السياسة، ومن ثم بدأت الأطراف مناقشة تفاصيل القضايا مما أثمر ورقة مباديء وأسس إصلاح القطاع الأمني والعسكري في 15 مارس 2023 حيث وقع عليها كل من القوات المسلحة والدعم السريع والقوى المدنية، ونصت على حزمة من الإصلاحات الضرورية في القطاع الأمني والعسكري، وعلى دمج الدعم السريع في القوات المسلحة في مدة زمنية لا تتجاوز ال10 سنوات على أربعة مراحل أولاها هي توحيد القيادة فوراً بحيث تنتهي وضعية الانفصال التام بين القوتين، وتم تكليف لجنة فنية لوضع تفاصيل المراحل الأربعة ولكنها تعثرت حيث تباينت الرؤى بين الجيش والدعم السريع حول هذه التفاصيل. ترافقت هذه النقاشات مع حالة من التعبئة والتصعيد العسكري تزايدت مؤشراتها منذ أغسطس 2022، حيث بدأ الدعم السريع في تركيز قواته في الخرطوم وحولها، وأعادت القوات المسلحة تجنيد عناصر هيئة العمليات المحلولة وكان واضحاً أن الطرفين يضعان احتمال حدوث مواجهة حاسمة وخاطفة بينهما مسرحها الأساسي الخرطوم. سارعت عناصر النظام البائد باستغلال حالة الاحتقان لتغذية هذا الصراع حتي الانفجار, وذلك لقطع الطريق أمام الحل السياسي الذي كان سينهي أحلامهم بالعودة للسلطة التي بدأت تتنزل للواقع بإعادة تمكينهم عقب انقلاب 25 أكتوبر 2021م وعملوا علي تفعيل جميع أدواتهم السياسية والإعلامية والأمنية لتحقيق هذا الهدف، حتى انطلقت شرارة الحرب صبيحة 15 أبريل، كما استمروا في التعبئة والتحشيد عبر عمليات ضخمة للتضليل الإعلامي عملت على ابتزاز الجمهور عاطفياً وباستخدام منطق مزيف يرسخ لمفهوم حتمية الحرب للحفاظ على الدولة، هادفين إلى تقسيم المدنيين وتخوين كل القوى التي تقف ضد الحرب، غير آبهين بحجم الدماء التي ستراق والدمار الذي سيحيق بالبلاد في سبيل عودتهم، وهو سلوك غير مستغرب من تنظيم يتبنى فكراً إرهابياً لا إنساني ولا وطني.
*سيناريوهات حرب 15 أبريل*:
منذ انطلاق الشرارة الأولى لهذه الحرب نبهنا بأنها لن تكون حرباً قصيرة أو معركة خاطفة وأنه لا منتصر فيها وأن نتائجها ستكون كارثية على البلاد .. والآن، ومع تطاول أمدها، بدأت تنجلي حقيقتها وطبيعتها وعليه فإننا سنركز على السيناريوهات الرئيسية لهذه الحرب وهي سيناريو ترجيح خيار الحل العسكري وسيناريو ترجيح خيار الحل السياسي السلمي.
أولاً: سيناريو الحل العسكري:
لا تزال هذه الحرب حتى الآن تدور بشكل مباشر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، إلا أن استمرار المواجهات وتفضيل خيار الحل العسكري سيتسبب في إكساب هذه الحرب طبيعة مختلفة عن طبيعتها الحالية، حيث تتهددها عوامل الاستقطاب الجهوي في السودان والتجاذب الإقليمي والدولي حول السودان، ومن المتوقع في حال استمرار الحرب أن يؤدي تفاعل هذه العوامل إلى تغيير طبيعتها لتتحول لحربٍ مختلفة يصعب احتواؤها وستكون آثارها أضعاف ما هي عليه الآن، حيث يمكن أن تتحول لواحد أو أكثر من الأشكال التالية:
1- حرب ذات طبيعة جهوية:
من المعلوم حدة الاستقطاب الجهوي في السودان، وقد بدأت بعض أصوات قارعي طبول الحرب تدخل خطابات عنصرية لتزيد من التنافر الاثني وتضاعفه. نذر الحرب الأهلية الجهوية بدأت في الجنينة وزالنجي وكتم ومع تزايد الفراغ الأمني وانتشار السلاح وتعدد القوى المسلحة ذات الطبيعة القبلية وخطابات الكراهية وظلامات الحرب وانتهاكاتها ستتحول لحرب أهلية شاملة في وقت وجيز، تغذيها دعاوي التسليح الأهلي غير المسؤولة التي بدأ تظهر الآن في بعض الدوائر.
2- حرب ذات امتدادات إقليمية ودولية:
للطرفين المتحاربين تحالفات خارجية متناقضة المصالح، وهذه الحرب تمتد آثارها لما وراء حدود السودان، ومع استمرارها ستتدخل أطراف خارجية لتعزيز مصالحها الخاصة، وستضاعف من رقعتها ووتيرتها وستدخل أسلحة فتاكة تزيد من حجم الضحايا وآثار الحرب، وحينها لن يكون لكل السودانيين دور في إنهاء الحرب بل سيتخذ القرار بواسطة آخرين لا تعنيهم مصلحة السودان وأمن شعبه وسيادته في شيء.
3- حرب ذات طابع انفصالي:
هنالك مناطق عانت من تهميش متراكم في تاريخ السودان، جعل مطلب انفصالها عن السودان يجد أرضية بين بعض أهلها. انقسم السودان من قبل لدولتين في وقت كانت فيه الدولة المركزية أقل هشاشة مما هي عليه الآن، ومع استمرار هذه الحرب ستزداد درجة هشاشة الدولة وسيسهل انقسام بعض أجزائها وتفتت السودان لدويلات ضعيفة متنافرة لا تعرف الاستقرار.
4- حرب تشكل حاضنة للبؤر الإرهابية :
تنشط في السودان مجموعات إرهابية منذ وقت طويل، ويقع السودان في محيط غير مستقر به منظمات إرهابية عديدة .. ومع ضعف الدولة ومنظومتها الأمنية سيكون السودان مرتعاً خصباً للإرهابيين، وكما تمددت داعش من قبل في العراق وسوريا، ستكون الفرصة لحدوث نفس الشيء في السودان الهش الذي لن يقوى على مواجهة هذا الخطر مع انشغاله بحروب داخلية بين منظوماته الأمنية تحول بينها وبين التصدي للمخاطر الخارجية والداخلية المحيطة بالبلاد.
5- انهيار وتفكك مؤسسات الدولة:
وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية والعسكرية المعرضة حالياً للضغط تحت العوامل المذكورة في النقاط الأربع السابقة وهو ما يعني تقويض أركان الدولة الحديثة الرئيسية وإحدى أسس إعادة بنائها وعوامل استقرارها مستقبلا بعد إصلاحها.
لكل هذه العوامل فإن استمرار هذه الحرب لن يؤدي لانتصار طرف وحفاظه على وحدة وسيادة وأمن السودان، بل سيقود لتحول الحرب لأشكال مرعبة ولا يمكن حينها احتواؤها وايقافها وستتضاعف حجم مآسيها وكوارثها بصورة تفوق ما هو حادث الآن، وستدفع وطننا إلى فوضى شاملة تمزق وحدته.
ثانياً: سيناريو الحل السياسي السلمي:
على الرغم من أن هذا السيناريو هو الأفضل لإيقاف الحرب وتجنب تحورها لأشكال أكثر كارثية، إلا أن التأسيس لمسار للحل السياسي لن يكون سهلاً وستعتريه تعقيدات عديدة أهمها حالة التعبئة القصوى التي خلقتها الحرب، وكمية الضغائن والغبائن التي راكمتها، وصعوبة اقتناع الأطراف المتحاربة باختيار هذا المسار كمسار أوحد بصورة عاجلة، وحالة الانقسام المدني التي ستصعب من التوافق على طبيعة الحل المطلوب وأطرافه، والتجاذب الإقليمي والدولي حول مسار الحل في السودان، إضافة لكل ذلك فإن القضايا المطروحة قد ازدادت تعقيداً خصوصاً قضية الإصلاح الأمني والعسكري والوصول للجيش الواحد المهني القومي، وهي قضية لا تنازل عنها ولا حل بدونها ولكن معالجاتها بعد 15 أبريل ستصبح أكثر تعقيداً مما قبله.
في الجزء الأخير من هذه الورقة سنتناول رؤيتنا لكيفية ترجيح خيار الحل السياسي السلمي.
*ما العمل .. الخيارات الأمثل لإنهاء الحرب والواجبات*؟
نرى في حزب المـؤتمر السوداني أن المسؤولية الوطنية والأخلاقية والسياسية تتطلب أن تقوم القوى الديمقراطية بدور فاعل ومركزي في وقف الحرب وبناء سلام عادل ومستدام في بلادنا .. عليه، فإن تصورنا للخطوات اللازمة لذلك ولدورنا مع القوى الديموقراطية هو الآتي:
1- احتواء الحرب والحد من الانتهاكات ومنع تمددها لأشكال كارثية:
يجب ألا تتمدد هذه الحرب لتصبح حرب ذات طبيعة جهوية أو خارجية وهو ما يتطلب الانخراط المتصل في حملات لمحاصرة خطابات الكراهية ومحاربة النزعات العنصرية واللغة والأفعال التي تزيد من وتيرة اكتسابها أبعاداً خارجية. هذا يستوجب علينا في حزب المؤتمر السوداني والقوى المدنية الديمقراطية تعزيز مبادرات السلم الاجتماعي، وضبط الخطاب السياسي والإعلامي ومكافحة كافة أشكال خطابات الكراهية، كم أنه من المهم أن تضطلع المنظمات المختصة بواجب المساهمة في حصر الانتهاكات وتوثيقها وبالأخص تلك التي تمس حقوق الانسان وتدخل في خانة جرائم الحرب وتمليك المعلومات للرأي العام المحلي والدولي.
2- أولوية الوصول لوقف إطلاق نار حقيقي:
رغم صعوبة تنفيذ وقف إطلاق نار مثالي في ظل غياب آليات المراقبة وعدم توفر الإرادة الكاملة لإنجاحه، ولكن هذا هدف يستوجب بذل كل جهد ممكن لتحقيقه – كونه شرط أساسي لمعالجة الكارثة الانسانية وخطوة ضرورية في طريق إنهاء الحرب واعتماد المسار السياسي السلمي – ويمكن أن يتم ذلك تدريجياً بتواصل هدن وقف إطلاق النار مع تحسين درجة الالتزام بها، وفي هذا السياق ندعم المجهودات التي قامت بها المبادرة السعودية الأمريكية والخطوات التي اتخذتها حتى الآن، وندعو قيادة القوات المسلحة والدعم السريع لإظهار الجدية القصوى في تنفيذ الالتزامات المتفق عليها في إعلان مبادئ جدة واتفاق وقف إطلاق النار قصير الأمد، ومن ثم يتم وفقاً لذلك تطوير العملية لوقف إطلاق نار دائم بآليات مراقبة وتحقق فعلية تضمن عدم تجدد الاشتباكات وخلو المدن من كافة المظاهر العسكرية .. عليه سنواصل في حزب المؤتمر السوداني والقوى المدنية الديمقراطية الجهود للتواصل مع جميع الأطراف الداخلية والخارجية من أجل الوصول لوقف إطلاق نار حقيقي ومستدام.
3- معالجة الوضع الإنساني:
مع استمرار الحرب تتفاقم معاناة الناس يوماً بعد يوم وهو ما يتطلب أخذ الوضع الإنساني على محمل الجد، ووقف تدهوره ومعالجته بصورة فعالة عبر تعاون الطرفين والجهات المدنية ذات الصلة، وهو ما يتطلب أولاً إخلاء المستشفيات وتشغيلها وتوفير الأدوية وضمان عمل المرافق الخدمية الرئيسية من كهرباء ومياه واتصالات، وضمان وصول المواد الغذائية للمستهلكين، وعدم إعاقة الحركة في الطرق والأحياء السكنية وتوصيل المساعدات الإنسانية وضمان توزيعها على مستحقيها، والإسراع باللحاق بتوفير مدخلات الموسم الزراعي لتلافي فشله الذي سيقود لمجاعة في البلاد، والسماح بتشغيل المؤسسات العامة والخاصة، مع ضرورة صرف المرتبات للعاملين بها، وتمكين قطاعات البيع بالتجزئة والحرفيين ومن يكسبون رزقهم بعرق جبين عملهم اليومي، والمعالجة العاجلة لقضايا النازحين واللاجئين والعالقين بالخارج وبالمعابر، إضافة لبسط الأمن وإيقاف عمليات السلب والنهب والتعدي على المدنيين.
في هذا السياق نشجع العمل الكبير الذي تقوم به غرف الطوارئ التي نشأت بمبادرات محلية، وندعو لتكوين شبكة وطنية لإسناد العمل الإنساني من خلال تشبيك فعال بين غرف الطوارئ وكل الكيانات الوطنية المدنية العاملة في هذا المجال حالياً.
4- تشجيع التنسيق الدولي والإقليمي:
حرب السودان ليست شأناً خاصاً بالسودان لأن امتداداتها ستتجاوز الحدود وتؤثر على السلم والأمن الإقليمي والدولي. من الخطورة بمكان أن يغيب التنسيق الدولي والإقليمي أو أن تحدث تدخلات سالبة تزيد من نطاق الحرب واشتعالها. في هذا السياق فإننا ندعم خارطة الطريق التي أصدرها الاتحاد الافريقي بتاريخ 31 مايو، ونشيد بإنشاء الآلية الموسعة لمتابعة تنفيذها وهو ما سيسهل خلق أوسع تنسيق بين الفاعلين الإقليميين والدوليين للمساعدة في الوصول لحل شامل للأزمة السودانية، وندعو أن تشكل الآلية الموسعة اللبنة الأولى لمنصة تفتح الطريق لأعمال البناء وإعادة الإعمار وتكون هذه القضية من قضايا التفاوض الرئيسية.
5- الوصول لحل سياسي شامل ومستدام:
متى ما تم التوصل لوقف إطلاق نار مؤقت مستقر وبدأت معالجات الوضع الإنساني، يصير لزاماً أن تنخرط الأطراف السودانية في مفاوضات جادة للوصول لحل سياسي مستدام. هذا الحل يجب أن يشمل أوسع قاعدة اجتماعية وسياسية من السودانيين مدنيين وعسكريين ولا يستثني إلا المؤتمر الوطني المحلول وواجهاته.
الحل السياسي الذي يمكن أن يشكل معالجة للأزمة الحالية لن يكون فقط بهدف إقامة ترتيبات انتقالية محدودة، بل يجب أن يخاطب جذور الأزمة الوطنية ويؤسس بشكل جاد لإعادة بناء السودان على أساس جديد. إن حرب 15 أبريل ما هي إلا زلزال جديد يضاف لزلازل انقسام السودان والإبادة الجماعية في دارفور، ومعالجة هذه الزلازل تتطلب وضع حد للمشاريع التي سادت في السودان من بعد الاستقلال واستبدالها بمشروع جديد يؤسس لدولة واحدة حديثة ذات سيادة تعترف بتنوع مكوناتها الاجتماعية وتسعها جميعاً دون تهميش أو تمييز على أي أساسٍ كان، ويكون فيها جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة وتنتهي جدلية العنف واستخدام السلاح للمطالبة بالحقوق أو للوصول للسلطة.
*آليات تحقيق خطوات وقف الحرب وبناء السلام المستدام*:
لتحقيق الخطوات المذكورة أعلاه فإننا في حزب المؤتمر السوداني نسعى بجد من خلال الآليات الآتية:
1- بناء أوسع جبهة مدنية مناهضة للحرب
واجب بناء أوسع جبهة مدنية مناهضة للحرب هو واجب مقدم سنعمل على تحقيقه من كافة مواقعنا السياسية التي نعمل فيها .. حققت القوى المدنية خطوة مهمة للأمام ببناء الجبهة المدنية لوقف الحرب واستعادة الديمقراطية، وهي جهد مهم يحتاج لتطوير سياسي وتنظيمي وتشبيك مع المبادرات المدنية الأخرى الداعية لوقف الحرب، من أجل توسيع دائرة الخطاب المناهض للحرب وإنتاج مواقف ورؤى وأفعال تقصر أمد الحرب وتسهم في بناء حل سياسي سلمي مستدام.
2- التواصل الإقليمي والدولي:
نواصل الجهد لتفعيل التواصل الإقليمي والدولي لتعزيز التعاون والتنسيق من أجل تقصير أمد الحرب وتسهيل المساعدات الإنسانية وبلورة موقف موحد يسهل الوصول لحل سياسي مستدام، وهو ما سنعمل عليه ونوظف كل ما يمكن لتحقيقه على الوجه الأمثل.
3- التواصل مع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع:
نظل في حزب المؤتمر السوداني والقوى المدنية الديمقراطية في تواصل مستمر مع قيادة القوات المسلحة والدعم السريع، لحثهم على وقف الحرب وترجيح خيار الحل السلمي، والحد من كافة أشكال الضرر التي تقع على الشعب السوداني ومعالجة الأوضاع الإنسانية الملحة .. هذا الأمر يتطلب موقفاً متزناً من القوى السياسية يضع مصالح الشعب السوداني أولاً ولا ينحاز لأي دوافع خاصة أو حسابات صغرى وينأى عن زيادة الاستقطاب الموجود الآن وعن كل ما يزيد من تأجيج نيران هذه الحرب.
*خاتمة*:
نطرح في حزب المؤتمر السوداني هذه الرؤية لتعبر عن موقفنا من الحرب الدائرة ورؤيتنا لإنهائها، ونملكها لشعبنا لتشكل أساساً لمناقشة عامة ذات طابع عقلاني يسهم في العبور ببلادنا من هذه الكارثة الوطنية الشاملة، وندعو جميع أصحاب المصلحة للإسهام في تطوير هذه الرؤية لمبادرة سياسية وطنية مدنية شاملة تعيد فتح مسارات الأمل بمستقبل أفضل لبلادنا يمكن أن يتحقق بالعمل الجاد والصف الموحد خلف شعار “لا للحرب”.
إننا نعلم أن الوضع مأساوي ومعقد، ولكننا لن نتخلى عن تفاؤل الإرادة فهذه البلاد وشعبها لا تستحق التفتت والضياع، سننتشلها – بإرادتنا الموحدة وجهدنا المشترك – من هذه الوهدة ونمضي للأمام رغم أشواك الطريق، فشعارنا الذي لم نكف يوماً عن ترديده هو “لن نعود من منتصف الطريق، وسنظل نحفر في الجدار .. إما فتحنا كوةً للضوء أو متنا على سطح الجدار”
*حزب المؤتمر السوداني*
*المكتب السياسي*
*5 يونيو 2023م*