Categories: الأعمدة

فى الذكرى ال 69 لاستقلال السودان : الجزار الذى تنبأ بالإنهيار و الدمار !!

FB IMG 1736416135196

عندما اعلن الاستقلال من داخل البرلمان 19 ديسمبر عام 1955م اشتعلت المشاعر الوطنية فى كل السودان وتوحدت جميع البلاد خلف هدف واحد وهو نيل الاستقلال و خروج الانجليز باسرع مايمكن وكانت كلمات مثل ياغريب يلا لي بلدك … يلا يلا لي بلدك يلا لي بلدك سوق معاك ولدك لملم عددك انتهت مددك وعلم السودان يكفي لي سندك , فالسودان للسودانيين كما كان الجميع يهتف يكفي النيل ابونا والجنس سوداني هذه الكلمات التى كانت تنبع من قلوب السودانيين وتجرى على السنتهم ولكن وسط ذلك الاجماع ظهر صوت خافت كان يقول وكانه يريد افساد البهجة واطفاء الفرحة لدى الجميع “دعوا الانجليز يبقون معنا لمدة لاتقل عن العشرون عاما اخرى حتى نتعلم منهم كيف نحكم انفسنا, فنحن لازلنا غير مؤهلين للحكم ” كانت هذه الكلمات هى للجزار اازرق مصطفى أو العم ازرق كما كانوا ينادونه وهو جزار مشهور فى سوق الشجرة فى ام درمان ومن سكان حى ابوروف العريق , ولم يكتف العم ازرق بالجهر بارائه الصادمة حينها بل قام بتكوين حزب اسماه ” تقدم السودان” كان الهدف منه اكتساح الانتخابات والعمل على منع خروج الانجليز و استمرارهم لحكم السودان حتى يتعلم ابناء السودان قواعد وفنون الحكم والادارة كما كان يرى. ولكم ان تتصوروا حجم الهجوم الشرس الذى تلقاه العم ازرق من جميع الجهات فقد اتهم بالعمالة للانجليز و بالخيانة للشعب وتم وصفه ونعته بابشع الصفات وتلقى سيل من الاهانات و الشتائم وكل ذلك لم يحرك فيه ساكنا فقد كان الرجل يؤمن بما يقول وهو على استعداد بالتضحية بحياته من اجل ذلك , والعم ازرق كان يقول لمعارضيه انه سودانى اصيل ويحب بلده ويريد ان يراها دائما متقدمة و مزدهرة ولا سبيل لذلك سوى ببقاء الانجليز وعدم مغادرتهم لان السودانيين لديهم مشكلة فى الحكم فهم كالاطفال الذين تقع فى ايديهم لعبة غالية الثمن فيفسدوها لانهم لايعرفون قيمتها !! وربما كان كلام العم ازرق متسقا مع راى المفتش الانجليزى الذى كان مسؤولا عن كردفان ففى مذكرات وزير المالية الاسبق ابراهيم منعم منصور يقول ان والده منعم منصور والذى كان ناظر الادارة الاهلية فى غرب كردفان لعموم قبائل الحمر كان قد دعا المفتش الانجليزى لحفل عشاء ووداع بمناسبة انتهاء عمله و مغادرته النهائية للسودان وفى اثناء الحفل خاطب المفتش الانجليزى الناظر منعم وقال له نحن سوف نغادر ياشيخ منعم فهل انتم قادرون على حكم انفسكم ؟ فرد الناظر بالحيل نقدر نحكم انفسنا فالحبش جيراننا يحكمون انفسهم فلماذا لا نقدر نحن ؟ ؟ فرد عليه المفتش بان المشكلة عندكم فى السودان انكم تحسدون بعضكم البعض ولا يحب احد منكم رؤية اخيه فى موضع افضل منه ! وقال المفتش دعنى اضرب لك مثلا فى ذلك فانا يوميا اتلقى شكاوى و اغلبها كيدية من السودانيين ضد بعضهم البعض حيث يمتلئ درج مكتبى بعشرات الشكاوى وحتى انت لم تسلم منها و الغريب فى الامر انه لاتوجد اية شكوى ضد البريطانيين ! . العم ازرق كان يعقد المقارنات بين السودان قبل حكم الانجليز ايام حكم الخليفة التعايشى حيث الدمار و الخراب و الاقتتال المتواصل بين السودانيين و المجاعات التى اهلكت الحرث و النسل حيث لم تكن فى السودان لا مدارس ولا مستشفيات ولا طرق ولاكبارى و لامواصلات ولا مياه وكهرباء فكان السودان يعيش وكانه فى ظلام القرون الوسطى وعندما جاء الانجليز ادخلوا السودان فى العصر الحديث فاصبح السودان مضرب المثل فى التقدم و الحضارة فى القارة الافريقية ! افضل المدارس ارقى الجامعات اطول سكك حديدية افضل خطوط جوية اجمل المدن وخلافه وكل هذا سوف يزول بخروج الانجليز ولن يستطيع السودانيون المحافظة او تطوير ما انشأه الانجليز بل سوف يخربونها و يدمرونها ! فلندعهم يبقون معنا حتى نتعلم منهم اساليب الحكم كما تعلمنا منهم الكثير من الاشياء !! ويقال عند اول انتخابات فى البلاد وفى دائرة ام درمان حيث خاض تلك الانتخابات لمنافسة الزعيم اسماعيل الازهرى صاحب الشعبية الجارفة واكبر دعاة الاستقلال فحصل فقط على 40 صوتا مقابل 12 الف صوت للازهرى , وهنا يجب التنويه بان هذا المقال ليس المقصود منه نقد الزعيم الازهرى او الانتقاص من مكانته و دوره فقد كان عليه الرحمة زعيما وطنيا محبا للسودان مثله مثل العم ازرق تماما ولكنهما ييختلفان فى كيفية الوصول لتحقيق الامن و الاستقرار و التقدم لشعب السودان فبينما كان العم ازرق يرى ان تقدم السودان يكمن فى الاستفادة من الانجليز لاكبر مدة زمنية ممكنة بينما كان الازهرى يعتقد بان ابناء السودان قادرين على حمل الامانة وحكم بلادهم , ويقال ان عدد كبير من الساخطين و الشامتين فى العم ازرق قد سخروا منه و استهزأوا به فور اعلان نتائج الانتخابات وهم يقولون له : كل هذه الضجة و الصخب التى فعلتها و تتحصل فقط على 40 صوت ؟؟ فكان رده ” الحمدلله ان فى السودان 40 شخص لديهم العقل والفهم ”
وعندما حصل السودان على استقلاله وتم رفع علم السودان فى القصر الجمهورى بواسط الزعيم الازهرى قال العم ازرق ” منه العوض بلد و خربت ” وكانما الله سبحانه وتعالى اراد تزكير الناس بما قاله العم ازرق , ففى يونيو 1957 وبعد بعد عام واحد على استقلال السودان، وقع انقلاب فاشل بقيادة عبد الرحمن إسماعيل كبيدة للاستيلاء على السلطة من الحكومة الديمقراطية., ولكن فى 17 نوفمبر 1958م نجح الانقلاب الذى قاده الفريق ابراهيم بالتنسيق مع رئيس الوزراء وقتها عبدالله الخليل بعد ان فشلت الاحزاب فى الحكومة الديمقراطية فى التوافق على تسيير البلاد !! والزعيم الازهرى رافع علم الاستقلال فهو ايضل ويا لسخرية القدر فقد توفى فى السجن فى 26 اغسطس 1969 بعد ان تم اعتقاله فى زنزانة صغيرة فى سجن كوبر اثر انقلاب جعفر نميرى فى مايو1996م وسمح له بمغادرة السجن لتلقي العزاء في وفاة شقيقه، وبعد عودته إلى الحبس تدهورت حالته الصحية ونقل إلى مستشفى الخرطوم، حيث توفي هناك والمضجك و المبكى انه جاء فى اذاعة خبر وفاته من قبل الحكومة الاتى ” اليوم توفي إسماعيل الأزهري، وكان الفقيد معلما بالمدارس الثانوية” وزيادة فى التهميش فقد طالب بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة بدفنه سرا ولكن لحسن الحظ فقد تغلب صوت العقل رًا وبعدها كما يقول المصريون عينك ما تشفش الا النور فقد دارت الساقية العبثية ( حكم مدنى/ حكم عسكرى , / حكم هجين عسكرى ومدنى , مثال له حكم الانقاذ الوطنى 1989-2019م ) ولا يجب القاء اللوم فقط على العسكريين فاغلب هذه الانقلابات تتم بتحريض من المدنيين و تنفيذ العسكريين !! حتى اصبح السودان من اكبر دول العالم ( الثانى عالميا والاول افريقيا ) ولا فخر ! فى عدد الانقلابات حسب التقرير التالى:
” منذ حصول السودان على الاستقلال عام 1956، شهد سلسلة طويلة من الانقلابات، بلغ مجموعها حوالي 20 محاولة انقلابية، نجحت 7 منها. وهذا يجعل السودان الدولة الإفريقية التي شهدت أكبر عدد من محاولات الانقلاب ويحتل المرتبة الثانية عالميًا بعد بوليفيا التي سجلت 23 محاولة انقلاب منذ عام 1950 و في آخر التطورات، بدأ صراع الدموى الاخير فى السودان في 15 أبريل 2023، حيث شمل اشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، وكلاهما فصيلان في الحكومة العسكرية،”
والان وقد وصلنا الى قمة الدمار و الخراب لوطننا فمن حقنا ان نتساءل ونحن نستذكر ماقاله الجزار العم ازرق منذ ما يقرب السبعين عاما هل نحن حقا غير جديرين بحكم انفسنا ؟ واذا كانت الاجابة ” نعم ” فأنت الان قد اصبحت تنتمى الى الأزرقيون .وفى الحلقة القادمة ” هل يعود كتشنر من جديد ؟؟ ” !!
والى اللقاء

ahmed

Recent Posts

محمد سيدأحمد ( الجكومي ) يكتب : “ابو نمو والتزييف المتعمد التاريخ “

  حزنت كثيرا لابو نمو و هو يمارس التزييف المتعمد للتاريخ و يحرف الكلم عن…

11 دقيقة ago

قبل جلسة مجلس الأمن اليوم … البرهان يوافق على هدنة إنسانية لمدة أسبوع في الفاشر

وافق رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال مكالمة هاتفية مع الأمين العام…

ساعة واحدة ago

الطيران السودان يدمر معسكر للدعم السريع بقرية “هبايل” قرب الجنينة

كشفت معلومات متطابقة عن تدمير سلاح الطيران السوداني  معسكر يتبع لقوات الدعم السريع المتمردة تدميرا…

ساعة واحدة ago

تعيين سفير جدبد للسودان لدى إرتريا

سلّم سفير السودان المرشح لدى دولة إريتريا ، أسامه أحمد عبد الباريء امس نسخة من…

ساعة واحدة ago

تاركو للطيران تستأنف رحلاتها إلى مطار كسلا

أعلنت شركة تاركو للطيران عن استئناف رحلاتها المجلية إلى مطار كسلا الدولي ابتداءً من 1…

ساعة واحدة ago

أجتماع العطا وكباشي مع إدريس حسم أزمة الحركات

انتهى اجتماع عُقد بين رئيس الوزراء د. كامل إدريس  وعضوي مجلس السيادة الانتقالي مجلس السيادة…

ساعتين ago