ما لم يفهمه البرهان من هذه الحرب أن الأمن ليس مقابل الحكم

عمار الباقر
بالامس تحدث الفريق البرهان الي شعبه مثله مثل اي سياسي ديكتاتور من دول العالم الثالث يسعي الي هندسة السياسة في بلاده وفق تصوراته وأهوائه الشخصية ليكون هو المرجعية التي تحدد ثوابت السياسة السودانية ومتغيراتها ويوزع علي الشعب السوداني صكوك الوطنية وتصاريح العمل السياسي.
قد فات علي الرجل أن الشعب السوداني قد أرسي أركان السياسة في السودان منذ زمن بعيد، ولا يزال نضاله من أجل ارساء هذه الاركان مستمراً حتي اليوم، وقد كانت ثورة ديسمبر المجيدة عبر شعاراتها العبقرية في المدنية والحرية والسلام والعدالة هي واحدة من أهم هذه المحطات في هذه المسيرة والتي لايمكن تجاوزها.
نسي الرجل مع نشوة نصره علي ميليشيا الدعم السريع أن تاريخ السياسة في السودان قد شهد العديد من عتاة الديكتاوريين قبله والذين سعوا الي هدم هذه الأركان فذهبت ريحهم وهم يقبعون الان في غرف التاريخ المظلمة.
كذلك اظهر الرجل اخفاقاً كبيرا وضعفاً بائناً في فهم طبيعة الجيوش ووظائفها، فمن ينظر الي العالم من حولنا يجد أن أقوي الجيوش في العالم تعمل تحت إمرة المدنيين وأضعفاها وأكثرها فشلاً هي تلك التي تعمل تحت إمرة عسكريين أختطفوا السياسة داخل بلدانهم وحولوا الجيوش الي رهينة لطموحاتهم وتصوراتهم الشخصية.
إن الجيوش تقوي وتنتصر حينما تعمل تحت إمرة حكومات تأتمر بامر الشعب وتمثل إرادته، وتفشل وتهزم حينما تختطف بواسطة مجموعة تسعي لمصادرة إرادة الشعب وتعمل ضد مصلحتة ولا يختلف الأمر كثيراً إن كانت هذه المجموعة عسكرية أم مدنية فالديكتاورية ليست حكراً علي العسكريين.
أخطأ البرهان والمؤيدون له من عسكريين ومدنيين الفهم حينما ظنوا أنه في مقدورهم استغلال ظروف الحرب لابتزاز الشعب السوداني وإجباره علي مقايضة الأمن مقابل الحكم، فالسودانيون حينما نزحوا الي مناطق سيطرة الجيش لم يفعلوا ذلك لانهم يقبلون بالبرهان حاكماً ولا بحكم عسكري للسودان. هذا فهم يعكس قصوراً وعدم دراية من العسكريين الذين يتصدرون المشهد اليوم ومجموعة المثقفين المتحلقين حولهم بوظائف ومهام الجيوش، فحماية الشعب والدفاع عن مصالحه هي الوظيفة التي انشئت من أجلها الجيوش، وأي مقابل سياسي يطلبه الجيش مقابل تقديم خدمة حماية الشعب هو في حقيقة الامر خروج صارخ عن قيم المهنية والاحترافية.
كذلك فات علي البرهان أنه لا يتمتع بالنفوذ ولا الرصيد العسكري والسياسي الذي يمكنه من إعادة هندسة السياسة السودانية وفقاً لتصوراته، فعلي الصعيد العسكري نجد ان خطاب البرهان قد ناقضته تصريحات مساعده ياسر العطا قبل اقل من يوم، وبالتالي هو غير قادر حتي علي فرض تصوراته علي مساعديه من القادة العسكريين.
كذلك نجد أن المشهد العسكري اليوم يعج بالعديد من الميليشيات التي لايملك البرهان السيطرة عليها بل والاخطر من ذلك أن بعض هذه الميليشيات مثل كتائب البراء وغيرها من الكتائب ذات الايديولوجيا الاسلامية يتم تدريبها وتسليحها وتقديمها إعلامياً بواسطة جهاز المخابرات العامة في إعادة لنفس سيناريو الدعم السريع القديم .
أما علي المستوي السياسي، نجد ان الرجل لا يتمتع بثقة اياً من المجموعات السياسية الموجودة علي الساحة السياسية اليوم، فانقلابه علي البشير قد جعل منه رمزاً للخيانة لدي المجموعات الاسلامية، وحادثة فض الاعتصام وانقلاب الخامس عشر من أكتوبر قد جعلت منه ايضاً رمزاً للخيانة لدي قوي الثورة.
كذلك من ينظر الي المجموعة التي قام البرهان بلملمتها ليلقي خطابه عليهم يجد أنها نفس الوجوه القديمة التي استخدمها المؤتمر الوطني لتدجين القوي السياسة وإعادة هندستها، وقد فشلت هذه المجموعة فشلاً ذريعاً في عهد البشير فما الذي يجعلها تنجح الان؟.
من يرسي أركان السياسة في السودان ويرسم ملامحها هو الشعب عبر نضاله السياسي وثوراته وليس الجيش والميليشيات عبر الحروب والانقلابات.
هذا ما لم يفهمه البرهان حينما فرض نفسه شريكاً في الحكم في 2020م، وعمل علي فرض تصوراته الشخصية علي قوي الثورة، ولو قبل حينها بالدور المهني الاحترافي لقادة الجيوش لكان اليوم انساناً اخر. وهو يخطئ اليوم في فهم طبيعة الشعب السوداني ومطالبه وتطلعاته بمحاولته استغلال أجواء الحرب لفرض نفسه حاكماً مطلقاً رغماً عن أنف هذه التطلعات.
ختاماً اقول، أن من ينحني لهذا الشعب ومطالبه تنحني له الهامات ومن يتكبر ويتوهم أن إرادته فوق ارادة شعبه فإن مكانه غرف التاريخ المظلمة ويبدو انه في بلادنا من يخطط لشغل اكثر غرف التاريخ ظلمة.
#برهان_حميدتي_ستدفعون_الثمن
#صرف_مرتبات_العاملين_قضية_حياة
#لاتفاوض_لاشراكة_لاشرعية
#أوقفوا_الحرب