أحدثت تصريحات الفريق البرهان، رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة، صدمة كبيرة في صفوف الإسلاميين، وبالأخص في صفوف حزب المؤتمر الوطني، حيث كانت كلماته بمثابة ضربة قاصمة لهم. فقد أشار إلى أن المؤتمر الوطني لا يمكنه أن يحكم على “أشلاء السودانيين”، وهو ما شكل صدمة كبيرة في وقت كان فيه الإسلاميون يتأهبون للعودة إلى سدة الحكم، مستندين إلى الفيديوهات والتصريحات والتلميحات التي أطلقوها.
لقد افتقد الإسلاميون إلى الثبات الانفعالي، وراحوا يوزعون صكوك الوطنية والخيانة بدلاً من التروي ودراسة المشهد بهدوء. كان عليهم أن يستفيدوا من دروس وعبر محطاتهم السابقة وأن ينخرطوا مع الجيش في معركة الكرامة. لا يعني ذلك أن الثمن الذي سيدفعونه هو العودة إلى الحكم كما يعتقد البعض، كما لا يمكن لأحد أن يُنكر دورهم مع الجيش والقوات المشتركة في الانتصارات الأخيرة. من ينكر هذا الدور فهو مكابر.
اتهام البرهان لهم بالمزايدات كان رداً على تلميحات البعض حول سعيهم للاستحواذ على السلطة بعد الحرب، إضافة إلى الشعارات التي أطلقتها الكتائب”. هذه التصريحات شكلت عبئًا ثقيلاً على القيادة العسكرية في ظل الاتهامات التي تلاحقها بالانحياز إلى الإسلاميين، مما وضعهم في موقف محرج. كما كانت الانتقادات لوثيقة اتفاقية جوبا، والدعوة للعودة إلى دستور 2005، بمثابة القشة التي قصمت ظهر العلاقة بين البرهان والإسلاميين.
تكمن المشكلة في أن الوثيقة تمثل المستند الدستوري الذي مكّن البرهان من تولي منصب رئيس مجلس السيادة، فضلاً عن كونها الرابط بين الحركات المسلحة وحركة عقار وبعض الحركات الموقعة على الاتفاقية. وبالتالي، إلغاء الاتفاقية يعني حتمًا حل مجلس السيادة وإلغاء اتفاقية جوبا، وهو ما لا يخدم المصلحة الوطنية في ظل الظروف الحالية، خاصة بعد انضمام الحركات المسلحة إلى الوطن ومشاركتها في الحرب جنبًا إلى جنب مع القوات المسلحة.
لقد كان استعجال المؤتمر الوطني للعودة بعد انتهاء الحرب، وهتافات الكتائب التي رفعت شعار “إسلامية إسلامية”، وضع البرهان في موقف بالغ الصعوبة مع حلفائه العسكريين، في ظل تعهداته للمجتمع الدولي ودول الجوار بالحفاظ على وحدة الوطن، ونضاله ضد تمرد الدعم السريع، وليس ضد قوى الحرية والتغيير أو من أجل عودة الإسلاميين إلى سدة الحكم.
وجه البرهان عدة رسائل للإسلاميين ولحزب المؤتمر الوطني، داعيًا إياهم إلى الابتعاد عن الجيش والتركيز على الانتخابات، لكن يبدو أن الإسلاميين وقوى الحرية والتغيير لم يفهموا هذه الرسائل بشكل صحيح، واعتبروها مجرد مناورة سياسية.
حزب المؤتمر الوطني لا يزال يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة وعددًا من المفكرين القادرين على إجراء مراجعات سياسية جوهرية وتقديم مشروع وطني جديد يتناسب مع تطورات المرحلة.
الراحل المقيم الدكتور حسن الترابي والمفكر الكبير الذي كان عرابًا للحركة الإسلامية، خلص في نهاية تجربته إلى أن التحالف مع العسكر أمر في غاية الصعوبة، وكان على صواب في ذلك. ومن هنا، على الإسلاميين أن يعيدوا التفكير في استراتيجياتهم بعد تجربة الإنقاذ، وأن يتحولوا نحو توسيع قواعدهم الشعبية والعمل الجماهيري. وبالتأكيد سيجدون دعمًا من قطاعات واسعة من الشعب السوداني. ينبغي عليهم التركيز على العودة عبر صناديق الاقتراع، مع غلق باب التحالفات مع العسكر.