صلاح شعيب
عاد الجدل مرة أخرى حول العلمانية التي ظل تقعيدها في هيكلية الدولة السودانية يواجه تبايناً حاداً في الآراء. ذلك في أعقاب اعتمادها في ميثاق نيروبي الذي وقعت عليه تنظيمات سياسية دشنت به تحالفاً جديداً يجمع بين حركات مسلحة، وتنظيمات مدنية. ولا يخفى بالطبع الدور المؤثر لزعيم الحركة الشعبية شمال عبد العزيز الحلو في تضمين هذا النص المشكل حوله سودانياً في الميثاق. وكنت قد كتبت من قبل مقالاً عن خطل الفتنة بمفهوم الدولة المدنية لدى النخب السياسية كبديل للدولة العلمانية. وقد أثار ذلك المقال ايضاً جدلاً كبيراً تراوح بين تكفير الكاتب، والتضامن معه. وبكل المقاييس نحتاج أن يكون الحوار حول تبني العلمانية في الهواء الطلق بدون التخوف من الابتزاز التاريخي الذي لازم مثقفينا وسياسيينا منذ الستينات بالرغم من أن تجربتي “قوانين سبتمبر” و”المشروع الحضاري” حطت بقيمة الدين قبل الدولة، وأورثتنا هذه الحرب كاعلى سقف من سقوف الفشل في معرفة وظيفة الدولة الحديثة.
أكرر في هذا المقال أيضا أن محاولة إرهاب قادتنا السياسيين، ومثقفينا، من التصريح بأهمية العلمانية لصلاح الدولة السودانية، وتفضيل مصطلح الدولة المدنية الفضفاض، ينبغي أن يواجه بالشجاعة، وإلا فعلينا في حال حدوث أي تسوية قادمة أن نسلم رقابنا لنوع جديد من ذبح المدنية التي تخفي احتيالاً للربط بين الدين، والدولة.
لا أتصور نجاحاً لكفاحنا المدني في ظل عدم الاعتبار من مرور أكثر من ألف سنة من اختطاف الدين لغايات انتهازية في الدولة القطرية العربية، والإسلامية، والتي ترضع بواسطة سلطة الأوليغارشية الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية من ثدي الدولة لتتوطن ثراءً، وتسلطاً، ونفوذاً.
فحاجتنا ماسة الآن للاعتبار من هذا التاريخ الذي سبق خيبة الحالة الإسلامية الراهنة الآخذة بأسباب تفجير صراعاتها المجتمعية بما يهدد وحدة كيان المجتمع، والدولة في ذات الوقت. إذ استطاع الإقطاعيون، ورجال الدين، والطبقة المتنفذة الأوروبية آنذاك، الاستئساد بشوكة الدولة بينما كانت تتبلور الطبقتان الوسطى، والفقيرة، ككم بشري تابع، وذليل، لتطلعات القيصر الطفيلية، وشبكة علاقاته الضيقة، مصاصة العرق، والدماء.
تاريخ السودان الحديث يكشف بأي مستوى من القراءة السيوسيولجية غير المؤدلجة عن تحالف اصحاب الثروة مع العسكرتارية، والنخب الاقتصادية، والإعلامية، للحفاظ على مكتسبات سلطوية لا علاقة لها بالدين أو مفهوم الدولة الحديثة. وما قبل تشريعات نميري التي قطعت رقاب وأيادي الفقراء فقط لم تكن أنظمة السودان كلها قائمة على العلمانية التي لا تنشأ إلا في ظل نظام ديمقراطي. وترتد حجة الرافضين للعلمانية إليهم بأن أنظمة الاتحاد السوفيتي، والعراق، ومصر، وسوريا، وليبيا المطروحة، كانت موثثة بأطر نظرية علمانية. ذلك لأن العلمانية هي ساق الديمقراطية التي تتوكأ عليها لإنهاء التمايزات الأيدلوجية، والإثنية، والمذهبية، لصالح دولة المواطنة.
عرقهم بينما تمنحهم الفتات عبر الوظيفة في الخدمة المدنية، أو بالكاد يعتمدون على حركة القطاع الخاص المتحالف معظمه مع النخبة السياسية.
الديماغوغيون من الإسلاميين السودانيين، وكذلك بعض من المنتمين لأحزابنا التقليدية الواقعين تحت ضغط تاثير الابتزاز الديني، يستنفعون بإرث العلمانية في أوروبا، وتركيا، والولايات المتحدة التي هاجروا إليها. وهؤلاء يمثلون النفاق الديني عينه قبل السياسي. فهم يسلمون أبناءهم، وبناتهم، وأحفادهم، لهذه الأنظمة العلمانية لينشاوا فيها، وتنقطع ذريتهم من ثم عندها. ومن ناحية أخرى يستفيدون من مناخ الحريات لإقامة المساجد، والمطالبة بإجازات للجالية المسلمة في يوم الجمعة، والمناسبات الدينية. ولاحقاً يستفيدون من سماحة التشريع العلماني للمطالبة برفع الأذان في مئات من هذه المساجد التي نشأت بحكم هذا التسامح الديني الذي رسّخته العلمانية.
خلاصة الموضوع أن السودان – بوصفه متلقٍ لفتاوى المركزية السلطوية الدينية العربية – مهدد بالعودة إلى عصر القرون الوسطى ما برح معظم قادته السياسيين اليساريين، واليمينيين، يلجأون لسراب الدولة المدنية خوفا من امتلاك الشجاعة بالدعوة للعلمانية، وشرحها للمواطن البسيط الواقع تحت تاثير أثرياء الإسلام السياسي.
يستحق د. جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، أن يُمنح عن جدارة “نوط الدهاء والذكاء…
حزنت كثيرا لابو نمو و هو يمارس التزييف المتعمد للتاريخ و يحرف الكلم عن…
وافق رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، خلال مكالمة هاتفية مع الأمين العام…
كشفت معلومات متطابقة عن تدمير سلاح الطيران السوداني معسكر يتبع لقوات الدعم السريع المتمردة تدميرا…
سلّم سفير السودان المرشح لدى دولة إريتريا ، أسامه أحمد عبد الباريء امس نسخة من…
أعلنت شركة تاركو للطيران عن استئناف رحلاتها المجلية إلى مطار كسلا الدولي ابتداءً من 1…