Categories: الأعمدة

جولة عقار وقرب إعلان الحكومة

 

تنشط الدبلوماسية السودانية هذه الأيام في تحركات لافتة تعكس سعيها لترسيخ شرعية الدولة وإعادة تموضعها إقليميًا. في هذا السياق جاءت جولة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار إلى أوغندا وجيبوتي خلال أسبوع ، في توقيت حساس يتزامن مع تحولات عسكرية وسياسية متسارعة، ما يجعل هذه التحركات جزءً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز حضور السودان في محيطه الإقليمي وتأمين موقفه في مواجهة التحديات الراهنة. في هذا المقال نستعرض أبعاد هذه الجولة، ورسائلها الدبلوماسية، وانعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي، في ظل الحديث عن اقتراب نهاية الحرب وترتيبات المرحلة المقبلة.

لقاء عقار بالرئيس يوري موسفيني يعكس رغبة السودان في تعزيز علاقاته مع دول شرق إفريقيا، خاصة أن أوغندا تمتلك نفوذًا مؤثرًا في القضايا الإقليمية. تناول اللقاء تطورات الأوضاع العسكرية والسياسية، لا سيما رفض الخرطوم لـ”الميثاق السياسي” الذي احتضنته كينيا، باعتباره محاولة لإنشاء سلطة موازية.

أيضا يلاحظ تصريحات عقار حول دعم أوغندا للشرعية السودانية وعدم تبنيها أي حكومة بديلة تمثل مكسبًا دبلوماسيًا مما يشي بأن هناك تفاهمات تمت حول الموضوعات التي تخص الطرفين ، في وقت تسعى فيه أطراف إقليمية ودولية إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي السوداني وفقًا لمصالحها. مستقلة ضعف بعض الدول الافريقية واستعدادها لقبول صفقات.

في جيبوتي، التقى عقار بالرئيس إسماعيل عمر قيلي، وسلّمه رسالة من رئيس مجلس السيادة تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها، بجانب ملف السودان في الاتحاد الإفريقي و”الإيقاد”. تجميد عضوية السودان في الاتحاد الإفريقي شكّل تحديًا سياسيًا كبيرًا، وتحاول الخرطوم استعادة موقعها عبر دعم القيادة الجديدة للاتحاد التي يعدها السودان أكثر تفهما لموقفه من القيادة السابقة التي كانت تبدي انحيازا واضحا لمليشيا الدعم السريع ، حيث أبدى رئيس المفوضية استعداده لمناقشة عودة السودان، مما يعكس تحولات إيجابية في الموقف الإفريقي.

اللافت أن عقار خلال هذه الجولة أعلن عن استعداد الحكومة للحوار مع مليشيا الدعم السريع “إذا التزمت بتنفيذ اتفاق جدة”، من الواضح أن ذلك يحمل دلالات مزدوجة. فمن جهة تُظهر الخرطوم انفتاحها على الحلول السياسية، لكنها في الوقت نفسه تربط أي تفاوض بوقف العمليات العسكرية التي تقوم بها المليشيا ، ما يعكس موقفًا مرنًا لكن مشروطًا.

بالتزامن مع هذه التحركات، شارك السودان في الاجتماع الاستثنائي لمنظمة التعاون الإسلامي بجدة، بوفد ترأسه وزير الخارجية علي يوسف الشريف حيث ركز الوزير على تثبيت الاعتراف بشرعية الدولة ورفض تكوين أي سلطة موازية. الربط بين القضية السودانية والفلسطينية في الاجتماع يعكس توجه السودان نحو تعزيز موقعه في التكتلات الإقليمية، مستفيدًا من القضايا ذات التأثير العالمي لتأمين دعم أوسع لمواقفه وربما لخارطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية المتعلقة بإدارة الفترة الانتقالية عقب إجازتها تعديلات الوثيقة الدستورية للعام 2025 م والتي وجدت قبول من الأمم المتحدة والجامعة العربية وأطراف دولية أخرى.

هذه التحركات تأتي في لحظة يحقق فيها الجيش تقدمًا ميدانيًا، بينما تسعى أطراف أخرى فرض ترتيبات سياسية جديدة. جولة عقار لم تكن مجرد زيارات بروتوكولية، بل خطوة مدروسة لتأمين دعم إقليمي، واستعادة الدور السوداني في المؤسسات القارية، وتمهيدًا لمرحلة سياسية جديدة تشمل تشكيل حكومة كفاءات وطنية والتي بات أمر إعلانها مسالة وقت.

لكن هذه التحركات تجعلنا نطرح تساؤلات حول تشكيل الحكومة الجديدة، ومدى قدرتها على تحقيق التوازن بين القوى السياسية الداخلية والخارجية. حيث تواجه السلطة الانتقالية تحديًا في تعزيز شرعيتها وسط استمرار الحرب. بالمقابل فإن هناك تفاعلا دوليا جيدا ساعد في ترسيخه انتصارات الجيش السوداني علي الأرض واقترابه من إستعادة السيطرة الكاملة علي العاصمة الخرطوم عقب سيطرته علي ولاية الجزيرة وسنار وفك الحصار عن الأبيض. لذلك فإن حكومة الكفاءات الوطنية المدنية سوف تضمن إعادة السودان إلى المنظومة الدولية.

هذا وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن جولة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار تأتي في سياق تحركات دبلوماسية تعكس استعداد السودان لمرحلة ما بعد الحرب، خاصة مع اقترابها من نهاياتها. تشكيل حكومة كفاءات قد يكون خطوة مفصلية في إعادة ترتيب المشهد السياسي، لكنه لن يكون كافيًا ما لم يقترن برؤية وطنية شاملة تعزز الاستقرار وتعيد بناء مؤسسات الدولة. ومع التقدم العسكري والحراك الدبلوماسي المكثف، تلوح في الأفق ملامح سودان جديد، أكثر استقرارًا ووحدة، يمضي بثقة نحو استعادة مكانته بعد ان استعاد الدولة.

دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 11 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com

osama

Recent Posts

صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية  تنشر تفاصيل خطيرة عن خطة وضعها ترامب ونتنياهو تخص غزة وسوريا ودولا عربية أخرى

نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية، يوم الخميس، تفاصيل محادثة بين ترامب ونتنياهو وديرمر وماركو روبيو،…

ساعة واحدة ago

وزير الخارجية الإيراني يعترف بتعرض المنشآت النووية لأضرار كبيرة

أول اعتراف رسمي.. وزير الخارجية الإيراني: أضرار كبيرة طاولت المواقع النووية بعد 12 يومًا من…

ساعتين ago

قائد إستخبارات الفرقة (19) مشاة مروي يطمئن بهدؤ الأحوال الأمنية ويدعو لعدم الإنسياق وراء الشائعات المضللةَ

  مروي إعلام المحلية.رصد الحسن عبدالمهيمن طمأن قائد شعبة* إستخبارات الفرقة (19) مشاة مروي العقيد…

ساعتين ago

الإعلامية *مروة عيد* تتقدم بالتهنئة إلى الأمة الإسلامية والعربية بمناسبة حلول العام الهجري الجديد

تقدمت الإعلامية *مروة عيد*، مقدمة البرامج المعروفة وصاحبة البصمة الإعلامية المتميزة، بأصدق التهاني والتبريكات إلى…

ساعتين ago

يدفعها الخليجيون … سي إن إن”: ترامب يدرس تعويض إيران ببرنامج نووي سلمي في فوردو بـ30 مليار دولار

ذكرت شبكة "سي إن إن"، مساء اليوم الخميس، أن الولايات المتحدة تدرس استبدال موقع فوردو…

3 ساعات ago

الميرغني: دفعنا بمقترحات جديدة لاطراف اجتماع بروكسل بشأن حل الأزمة السودانية

لندن / الخميس 26 / 06 / 2025 رحَّب رئيس الكتلة الديمقراطية نائب رئيس الحزب…

4 ساعات ago