محمد عبدالله برقاوي
الحلقة الخامسة ..
عودتي هذه المرة إلى الجزيرة لنستقر مع الاهل وبصحبتي زوجتي وابني الأصغر عبدالله ..لم تكن كتلك العودة التي كنا نقضي فيها الإجازات الطويلة أو القصيرة و تتفاوت قبلها وبعدها فترات الغياب خارج الوطن تبعا للظروف الحاكمة.
لذا فقد كان الأمر يتطلب منا تهيئة نفسية بالدرجة الأولى انطلاقا من تفهم الظروف الدافعة لهذه الإقامة التي لم نكن على يقين بإمكانية طولها أو قصرها نتيجة اشتعال هذه الحرب اللعينة ..خاصة وأننا كنا قد هيأنا أنفسنا بعد رجوعنا من الغربة بصورة نهائية وكيفنا حياتنا للعيش قريبا من العاصمة التي اقتنينا فيها منزلا في إحدى الضواحي والغرض هو أن نجمع ما بين حياة الحضر والريف دون أن ننغمس بصورة كاملة في نمط الحياة المدنية أو نبتعد عن هويتنا القروية المتأصلة فينا رغما عن غربتنا التي امتدت لعقود ..انجبنا ولله الحمد خلالها ابناءنا وبناتنا الذين تلقوا جل مراحلهم الدراسية هناك بل إن الكبار منهم قد أنهوا دراستهم الجامعية بالخارج واستقروا بعد زواجهم كل في بلد ما حفظهم الله وكل ابناء الوطن البعيدين ..بينما عاد معنا بعضهم ليندغموا في مجتمعهم المحلي هنا ..وهو أمر قد ساعد كثيرا في سهولة انسجامهم بيئيا واجتماعيا دون أن يصطدموا بواقع مفاجئ لهم قد يجعلهم في حالة فصام ..وهو أمر قد عانى منه الكثير من المغتربين الذين لم بتهياوا له بالقدر الكافي فاضطروا لعلاج تبعاته السلبية بما هو أكثر مرارة أما بالعودة إلى ديار الغربة قسرا أو الاستخفاف به وإهماله بالقدر الذي كان له الأثر السيىء في نشأة وسلوك الأبناء .
هذا فضلا عن أن للمجتمعات الريفية خصائصها الراسخة النابعة من الفطرة والعفوية في تقييم سلوك وتصرفات العائدين من الغربة ..فمتى ما احسوا بأنهم جاءوا تتلبسهم روح التعالي أو الإنعزال فإنهم سيضعونهم في مرتبة مختلفة من طريقة التعاطي غير الإيجابي.
وهو ما كنت احسب له حسابات دقيقة بل وسعيت دوما لتأصيله في سلوكيات بقية أفراد الأسرة الذين استقروا معي هنا في القرية وذلك لتعريفهم بحساسية المرحلة و خصوصية العيش ونمطية الحياة التي نعيشها بين ظهراني الاهل وقد سعيت بكل جهد لإقناعهم بطرد فكرة مغادرة البلاد أو القرية اثناء الحرب طلبا للامان في مناطق أو بلاد أخرى لجئوا أو نزوحا من منطقة الجزيرة حتى تضع الحرب أوزارها كما كانوا يصرون احيانا بالتلميح وتارة بالتصريح مدللين بخرج اسرة فلان وسفر عائلة علان .
ولكني كنت اذكرهم بأن قرار مغادرة اولئك الذين تركوا .ديارهم هو أمر يخصهم بمختلف الدوافع والأسباب التي ليس بالضرورة أن تنطبق علينا نحن بالضبط.. فلكل منهم حرية اتخاذ ما يناسب ظروفه..مثلما ينبغي أن تترسخ فينا القناعة بأن الصمود بين اهلنا الذين رفضوا ترك الديار هو قدرنا وان الموت والحياة لا يحكمهما زمان بعينه الا اذا كان اجلا مكتوبا ولا مكان محدد غير الذي سطر لنا منذ الأزل .
لذا فقد بقينا بل وظللنا نشهد تصاعد أزمةاجتياح الجزيرة بكل تلك الجحافل المرعبة ..ونراها رأي العين ترتكب ما ينافي ابسط قواعد السلوك الإنساني وبعضها نترقب قدومه الينا و الاخبار تتواتر علينا من الانحاء القريبة بكل الفظائع التي يتعرض لها اهلنا في المناطق القريبة والبعيدة.. و الشعور العارم يتملكنا مزدوجا مابين الخوف كغريزة إنسانية لا مراء فيها وبين النزعة الإيمانية التي نستوحيها من قناعتنا بأن لن يصينا إلا ما كتب الله لنا ..ولطالما ظل يعزز فينا ذلك الاحساس بالقوة ما نلمسه من إصرار الناس البسطاء والأقوياء في ذات الوقت من حولنا وهم يتمسكون بالأرض تشبثا بأظافر الاصرار و يعضون على أطراف العرض بنواجز البسالة.
والكل يعمل نساءا ورجالا وشبابا وحتى الاطفال كل فيما يليه من مهام مكلف بها ليكونوا حصنا منيعا يحيط قرية مناقزا ومجتمعها بالسلامة بعد ان اصابها بالفقد الاليم والضرر الاليم .. و يحفظ لها في سجلات التاريخ انها كانت نموذجا يحتذى في المنطقة مع عدم التقليل بالطبع من شان الآخرين الذين نشهد لهم بانهم كانوا معنا في الشدة والبأساء بذات القدر الذي يحتم علينا ان نقوم بما هو واجب بل اكثر تجاههم لنقوي من باس بعضنا في مواجهة كل الشدائد التي انشبت براثنها على حين غرة في لحمة الجزيرة وادمت اعطافها الطاهرة المنبت .
يتبع .
صباحات وطن الجمال الجديد المنشود وجمعة طيبة مباركة للجميع وعنوان المقال انا وطنيٌ لا علاقة…
✍️ المستشار/مهيد شبارقة... في أزمنة الحرب حين تختلط الأصوات، ويعلو هدير المدافع والطائرات الحربية على…
بقلم : المستشار معاوية أبوالريش "عندما تنقلب الحياة رأساً على عقب" في لحظة واحدة، قد…
📘نهاية المباراتين في كأس العالم للأندية :- 🔹ريال مدريد والهلال إلى دور الـ 16 بكأس…
تصدت الدفاعات الجوية في بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة للسودان، لهجوم جوي محدود عبر مسيرات تم…
كتبت .. سمية السكوتي وتم فتح بلاغ جنائي تحت المادة 47 “أ ج ج” بالقسم…