أكثر ما يضايق ترامب في شخصية الرئيس الصيني هدوءه الشديد فيبدو كأنه يتجاهله أو يتعالى عليه.

الرئيس شي جين بينج هادئ بالفعل في ردود أفعاله. لكن سر ضيق ترامب هو “الكاريزما” التي يتمتع بها “شي”. رؤساء البيت الأبيض على مر تاريخهم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وصعود الولايات المتحدة كإمبراطورية عظمى في عالم ثنائي ثم أحادي القطبية لا يحبون هذه الصفة في الزعماء المنافسين، حتى لو كان الزعيم المقصود ديكتاتورا مستبدا طاغية.
نتذكر أن ترامب تمنى في فترة حكمه الأولى أن يكون مثل الرئيس شي جين ويحكم مثله دون سقف زمني.
لكنه لا يستوعب أن الصين حاليا ليست الصين الفقيرة الضعيفة سابقا التي لم يتجاوز دخلها ملياري دولار، بينما سجلت في نهاية مارس الماضي احتياطي نقد أجنبي يتجاوز 3.24 تريليون دولار، وتغزو منتجاتها كل أسواق العالم محققة أرباحا خيالية.
لم يستوعب أيضا أن الكاريزما وحدها لا تكفي لكي يقارعه الرئيس “شي”، بل ويتجاهله. الزعيم المستبد رغم تمتعه بالكاريزما، يظل منبوذا يتيما على موائد العالم الحر.
الرئيس “شي” ذكي جدا وخبير بأسلحته والوقت المناسب لاستخدامها. لا يحيط نفسه بمستشارين مهرجين فيتحول الميدان أمامه سياسيا واقتصاديا إلى سيرك، وهو العيب الذي تحدث عنه الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان في شخصية ترامب.. وإنما يحيط بالرئيس الصيني مجموعة من أمهر صناع الاقتصاد والسياسة. يتركهم يتكلمون ويستمع إليه دون تدخل.. ويعرض فورا عن من يمدحه.
في ظل هدوءه الشديد فاجأ ترامب بسلاح المعادن النادرة. تقول شبكة CNN: في 2019، تجوّل “شي” في قاعة المعرض، وتفقد صفوفاً من كتلٍ معدنية رمادية عادية، وأعلن لمرافقيه من مسؤولي الحزب الشيوعي: “المعادن النادرة مورد استراتيجي حيوي”.
وبعد ما يقرب من 6 سنوات، برزت هيمنة الصين على سلسلة توريد المعادن النادرة كإحدى أقوى أدواتها في حربٍ تجاريةٍ متجددة مع رئيس الولايات المتحدة.
وتعتبر تلك المعادن المستخدمة في تشغيل كل شيء، من هواتف آيفون إلى السيارات الكهربائية، من المكونات الحيوية لأنواع التكنولوجيا المتقدمة التي ستحدد مستقبل الولايات المتحدة.
وعلى عكس الرسوم الجمركية، تُعدّ هذه واجهةً لا يملك فيها ترامب مجالًا كبيرًا للرد بالمثل.
تُمثل الصين 61% من إنتاج المعادن الأرضية النادرة المستخرجة عالميًا، لكن سيطرتها على مرحلة المعالجة تُمثل 92% من الإنتاج العالمي، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
وتتمتع بسيطرة شبه احتكارية على المعالجة العالمية للمعادن الأرضية النادرة، ففي 2023، أنتجت الصين 61% من العناصر الأرضية النادرة المغناطيسية الخام في العالم، وهي أساسية في الصناعات عالية التقنية مثل الإلكترونيات والمركبات الكهربائية والدفاع. وتتجلى هيمنتها بشكل أوضح في تكرير هذه المواد، حيث تُشكل 92% من الإمدادات العالمية المُكررة.
وعلق أستاذ الاقتصاد والسياسات العامة في جامعة ميشيجان جاستن وولفرز: “تُظهر الصين قدرتها على ممارسة قوة اقتصادية هائلة من خلال كونها استراتيجية، وتضرب الصناعة الأمريكية في النقاط الصحيحة”.
الصين حاليا هي مصنع العالم. تُنتج على سبيل المثال 60% من السيارات الكهربائية في العالم، نسبة كبيرة منها تُصنع بواسطة علاماتها التجارية المحلية و80 في المئة من البطاريات التي تُشغّلها.
ذات مرة قال ترامب إنه يكره الصين لكنه يحب الرئيس شي.. وأن قائمة الحكام الديكتاتوريين الذين يحبهم تشمله إلى جانب بوتين.
كان “شي” قد أهدى ايفانكا هدية من الترندات الأمريكية التي تنتجها الصين. بالفعل هي مصنع لأكثر من 100 علامة تجارية أمريكية.
تحول الحب إلى كراهية لأنه لا يستطيع ملاحقة سرعة “شي” في قيادة التطور الصناعي الهائل.
تقول الجارديان: عندما اندلعت احتجاجات نادرة في الصين عام 2022 كان أحد الشعارات: “نريد إصلاحًا، لا ثورة ثقافية”. في إشارة إلى شكاوى من أن شي جين بينج، يتصرف بأسلوب ماو تسي تونج على نحو متزايد. هيمنته الاستثنائية على حزبه، وقمعه السياسي، وضوابطه الاجتماعية الصارمة، وتنامي عبادة شخصيته.
لكن ذلك ليس صحيحا. “شي” ليس ماوتسي تونج. فهو يلتزم بالنظام والانضباط، ويمارس سلطته عبر أجهزة الحزب الشيوعي. أما ماو، فقد استمتع بالاضطرابات ولجأ إلى سلطة الجماهير.
ترامب هو نموذج حاكم لدولة ديمقراطية يقلد نمط ماوتسي تونج.. الفوضوية والاستمتاع بالإضطرابات واللجوء إلى الشعبوية. هنا نستخلص سببا جديدا لكراهيته للرئيس “شي” بعد أن كان يحبه.
في مقالٍ واسع الانتشار حول السياسة الأمريكية، يُطلق الباحث القانوني تشانج تشيان فان عليها اسم “الثورة الثقافية الأمريكية”. فبدلاً من إحكام السيطرة على كل شيء، كما يُفضّل “شي” وغيره من الزعماء الأقوياء، يرى ترامب فرصًا في الاضطرابات. ومثل ماو، الذي كان يُجهّز لإطلاق الثورة الثقافية قبل نحو 60 عامًا، يبدو أنه يعتقد أن مستقبلًا أكثر إشراقًا سيتحقق من خلال “فوضى عارمة تحت السماء”.
يشير تشيان فان إلى أوجه الشبه بين ترامب وماو ومنها “المبالغة في الجدل أو النقاش كالذي حدث مع زيلنسكي، وجنون العظمة الكاره للأجانب”.
ومثل ماو، يُضخّم ترامب نفوذه السياسي بتقسيم ما يَعِد القادة الآخرون بتوحيده. قال ماو إن “السؤال الأهم” للثورة هو: “من هم أعداؤنا؟ .. من هم أصدقاؤنا؟”. كان خطاب التقسيم محوريًا في حشد الدعم لترامب، وهو يُصوّر “عدوًا من الداخل، وهو في رأي تشيان أخطر من الصين وروسيا وجميع تلك الدول ذات الأنظمة المستبدة”.

ahmed

Recent Posts

مصر … لجنة الاستثمار والتطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال المصريين، تنظم مائدة مستديرة عن ” الملكية الجزئية “

متابعه : المغيرة  بكري  : " أمدر  تايمز" شارك المستشار الإعلامي أيمن أبو زيد في…

9 دقائق ago

وزير الثقافة المصري و المستشار الإعلامي أيمن أبو زيد فى عزاء الكاتب الصحفي محمد عبد المنعم

متابعة : صحيفه امدر تايمز حرص المستشار الإعلامي أيمن أبو زيد خبير الإعلام الإقتصادي وكبير…

15 دقيقة ago

المحكمة العليا الأميركية تقرر تقييد منح الجنسية الأميركية بالولادة

أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقرار المحكمة العليا الأميركية، الجمعة، الذي قيّد سلطة القضاة الفيدراليين…

33 دقيقة ago

أمسية شعرية خاصة بتجربة الشاعر الكبير عبدالوهاب هلاوي في قنصلية سفارة السودان في أسوان

امس الخميس .. شهدت قاعة قنصلية السودان باسوان الأمسية الشعرية الخاصه بتجربة الشاعر عبدالوهاب هلاوي…

ساعتين ago

ترامب يشتاط غصباً من خامنئي ويقول أنا أنقذتك من موت بشع ومخز !

قال ترامب أوقفت تخفيف العقوبات عن إيران فور صدور بيان خامنئي بشأن الحرب . المرشد…

ساعتين ago

سمر نديم.. قلب نابض بالرحمة ورسالة إنسانية تتجدد في كل موقف

متابعة : المغيره  بكري : "  أمدر تايمز"  كشفت الإعلامية سمر نديم على حسابها الرسمي…

3 ساعات ago